قضايا وآراء

الأقليات والغطاء السياسي لليمين البريطاني

1300x600
لا يفرق رئيس الوزراء البريطاني الجديد، بوريس جونسون، عن أي من البريطانيين من أصول هندية أو باكستانية سوى في لون البشرة. فجونسون هو من الجيل الثالث أو الرابع لمهاجر غير بريطاني، أضف لذلك أنه ولد بمدينة نيويورك الأمريكية. وهو نفس الجيل الذي ينتمي إليه أبرز وزراء الحكومة البريطانية الجديدة، ذوي الميول اليمينية والتصريحات العنصرية، مثل بريتي باتيل، وزيرة الداخلية الجديدة من أصل هندي، والتي اضطرت للاستقالة من حكومة المحافظين قبل عامين بسبب فضيحة زيارة غير رسمية لإسرائيل.

وهذا يعني أن آخر من يمكن له أن يتحدث بلغة اليمين المتطرف ومعاداة الأجانب هم هؤلاء. لكن الواقع غير ذلك؛ بعد أن أصبح خطاب هذه الحكومة مشابها لحد بعيد للحكومات اليمينية التقليدية، مع فارق وحيد، وهو أن كثيرا من أعضائها من أصول غير بريطانية. فبلغة الأرقام، فإن هذه الحكومة هي الأكثر تمثيلا للأقليات بنسبة 17 في المئة. وبلغة السياسة، فهي أكثر الحكومات عشوائية وأكثرها يمينية. وهي آخر محاولات حزب المحافظين لتغيير جلده كي يستمر في السلطة بعد أن أطاحت مغامراته باثنين من رؤساء الوزراء،وهما ديفيد كاميرون وتيريزا ماي.

من حيث المبدأ، ليست هناك مشكلة في أن ينتمي أي مواطن بريطاني من أي خلفية كانت إلى أي حزب سياسي ويتبنى برامجه الانتخابية، وهناك تجربة محترمة للبارونة سعيدة وارسي التي وصلت لمنصب رئيس حزب المحافظين منذ نحو عشر سنوات، واستقالت بسبب وصول العنصرية والإسلاموفوبيا في الحزب لمعدلات غير مسبوقة..

المشكلة إذا تكمن في الاستثمار في المناخ الشعبوي العنصري من أجل حصد بعض المكاسب السياسية قصيرة الأمد، أضف لذلك ألا يكون هناك برنامج سياسي واضح. وهذا أمر يستوي فيه السياسيون من ذوي البشرة البيضاء أو الملونة، فقد استطاع ديفيد كاميرون أن يفوز في انتخابات عام 2015 بعد وعد باستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكنه دفع ثمن ذلك منصبه. الأمر نفسه تكرر مع خليفته تيريزا ماي التي راهنت على انتخابات مبكرة لتحصد فيها أغلبية مريحة تمكنها من تمرير اتفاق للخروج من الاتحاد عام 2017، لكنها منيت بهزيمة كبيرة وخسرت مقاعد أكثر بالبرلمان، مما اضطرها للتحالف مع حزب صغير من إيرلندا الشمالية لتشكل الحكومة. ولاحقا خسرت منصبها، بسبب عدم استطاعتها تمرر خطتها للخروج في مجلس العموم.

لم يتعلم بوريس جونسون ولا أعضاء حكومته الجدد من دروس الماضي القريب، غير أنه يغامر بخطوة جديدة، وهي استنطاق شخصيات محسوبة على الأقليات بخطاب يميني عنصري، في محاولة لتسجيل نقاط في ملعب خصومه ونفي تهمة العنصرية عنه. ولكن الأمر لا يختلف إن صدرت هذه العنصرية عن شخص أبيض أو ملون.

ومن المستبعد أن يستطيع هذا الخطاب إرضاء غرور الناخب اليميني؛ لأنه لا يتقبل فكرة صعود ذوي الأصول غير البريطانية للمناصب العليا في البلاد، حتى ولو تبنوا خطابا عنصريا. ولن تستطيع أن تعالج الانقسام الاجتماعي الذي بدأ يظهر في البلاد منذ بضعة سنوات، بسبب النفخ المتزايد في نار العنصرية والحديث عن معلومات مغلوطة عن اقتصاد بريطانيا والأوروبيين، والذي كان جونسون أحد مروجيه.

المشكلة الآن تتجاوز هذه الأمر لما هو أخطر؛ لأن هناك استحقاقا هاما بعد بضعة أسابيع، وهو تاريخ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، بما يمثله ذلك من مخاطر اقتصادية واجتماعية وسياسية تصل لحد القنابل الموقوتة، ويريد جونسون وحكومته أن يمرروه تحت غطاء من مدفعية الخطاب العنصري والشعبوي. وفي الأغلب لن يمر بالسهولة التي يتوقعها، وسيكون هناك درس سياسي قاسٍ ليس لجونسون وحده، ولكن للسياسيين من أبناء الجيل الثالث والرابع من المهاجرين الذي اندمجوا في هذا المشروع.