أفكَار

الإسلاميون بلا مشروع اقتصادي.. الجزائر نموذجا

إسلاميو الجزائر.. مشاريع سياسية خالية من رؤى اقتصادية واضحة (أنترنت)

في المحاولات الدائمة للإجابة عن السؤال المحرج إسلاميا: هل يمتلك الإسلاميون مشروعا اقتصاديا، حتى لا نقول نظرية اقتصادية إسلامية متكاملة؟ تحضر الإشكاليات والعموميات والحلول الترقيعية كأجوبة غير مكتملة، لكي تغطي على غياب المشروع، وهو في العادة ما تستغله التيارات العلمانية بخبث شديد في دحض فكرة "الدولة الإسلامية"، حتى وإن كانت هذه التيارات العلمانية نفسها، هي منتوج خالص للفكر الغربي، وكل ما تطرحه اقتصاديا لا يعدو أن يكون نقلا أمينا للنظريات الاقتصادية الغربية المعروفة.

ما يثير الانتباه أنه في الوقت الذي انطلقت فيه دول إسلامية رائدة في تجاربها الخاصة، ويبرز هنا بجلاء النموذجان الماليزي والتركي، من أجل خلق مشروع اقتصادي إسلامي متميز، اعتمادا على بعض المفكرين العرب، وعلى رأسهم المفكر الجزائري مالك بن نبي، صاحب فكرة الكومنويلث الإسلامي، وهو ما تسعى إليه اليوم الدول التي حضرت قمة كوالالمبور الأخيرة، يبقى العالم العربي للأسف، وبينها الجزائر كأنموذج لهذا التقرير، خارج دائرة التأثير بالمطلق، ليس فقط عبر مواصلة الفكر الإقصائي للكفاءات العربية والمفكرين العرب القادرين على إحداث التحول المطلوب، بل وصل الأمر إلى حد وضع العراقيل لمثل هذه القمم الإسلامية ذات الصبغة التنموية، الهادفة للتخلص من هيمنة الإمبريالية الرأسمالية، والاستمرار بسادية مفرطة في التبعية للآخر.

وحتى نكون منصفين، فإن التيارات الإسلامية التي عجزت أو منعت الوصول إلى دفة الحكم، يكون من المستحيل عليها تطوير مشروعها الإسلامي خارج الفعل "العملي"، والاكتفاء بالتنظير الذي لا علاقة له بالواقع، وما يكشفه هذا التقرير أن التيارات الإسلامية التي وصلت إلى مراكز صناعة القرار في دولها كتركيا وماليزيا هي التي استطاعت تطوير مشروعها الإسلامي لأنها امتلكت مركز القرار، وهو ما يعني أن النظم الوظيفية التي تدير دفة الحكم في عالمنا العربي، والتي تمنع صعود التيارات الإسلامية للحكم، إنما تمنع إمكانية بروز هذا المشروع الإسلامي المغيب، كونه يحتاج في كل الأحوال إلى إمكانيات دول وليس دولة واحدة، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بتيارات "أيديولوجية" لا تمتلك من أمرها شيئا؟.

ولعل في تتبع النموذج الجزائري كنموذج عربي فاشل، في خلق مشروع إسلامي رغم توفر الأرضية المعرفية والفكرية ممثلة في الطاقات والمبدعين والفلاسفة أيضا، واستمرار الخطاب الشعبوي العام الفارغ من أي مدلول، ما يكفي للتدليل على استمرار العرب في دائرة الخطب العاطفية ومعاداة "التقانة"، بينما تخط دول إسلامية غير عربية أخرى خطواتها الأولى نحو تحقيق ذلك بثبات.
 
الإسلاميون بلا مشروع اقتصادي

ويجد الدكتور رياض حاوي أنه من الصعوبة الحديث عن نظرية اقتصادية للإسلاميين.. أو مشروع اقتصادي للإسلاميين.. فهذا يحتاج إلى مستويات تنظير عالية جدا تتعلق بدورة الاقتصاد بين المواطنين من جهة ومقاولات الإنتاج من جهة والدولة أو البيروقراطية كمنظم للعلاقة بينهما.. في هذه المستويات الثلاث لا نجد نظرية للحركة الإسلامية.. الشيوعية وابنتها الاشتراكية تعطي الأولوية للدولة كفاعل اقتصادي رئيسي.. وقد فشلت حيثما طبقت.. والرأسمالية تعطي الأولوية للأفراد كقوة فعل اقتصادي.. وللسعـر كمنظم للتبادلات داخل المجتمع.. هاتين النظريتين الاقتصاديتين المهيمنتين في العالم.. وهناك تفريعات جزئية.. دولة الريع.. التي تعتمد على الموارد الطبيعية دون جهد مثل الجزائر والسعودية.. دولة الرفاه التي تجمع بين الرأسمالية وبعض التدخلات للدولة خاصة في التعليم والصحة كما هو الشأن في بريطانيا وكندا.. 

لكن ماذا يملك الإسلاميون على المستوى النظري؟ 

هنا يجب الدكتور رياض في حديثه لـ "عربي21"، أن الأمر يتعلق فقط ببعض الأفكار حول الزكاة، بعض المقولات حول دور الدولة.. باختصار لما كانت الموجة اشتراكية جعل الإسلاميون الاشتراكية اسلامية ولما تحولت الموجة إلى الرأسمالية بدأوا يؤسلمون الحرية الاقتصادية.. أما نظرية خاصة متكاملة فهي غير متوفرة.. كتاب مثل دستور الحرية لهايك أو الطريق الى العبودية لهايك او النظرية العامة لكينز.. أو نظرية السعر لميلتون.. هذا النوع من المنجز المعرفي غير متوفر لحد الساعة.. 

 



على المستوى الثاني هناك الإسلاميون الذين مارسوا السلطة مثل ما حدث في تركيا وقبلها ما حدث في ماليزيا، هؤلاء برأي الدكتور حاوي، تبنوا نمط التنمية على خطى اليابان عموما.. ونموذج التنمية الياباني هو الاعتماد على الحرية الاقتصادية وفتح المجال للشركات العالمية لتغذية الساحة بالخبرة العالمية مع جعل التعليم والصحة من مهام الدولة.. وتعميق العلاقة بين الخاص والعام.. النموذج الياباني سار على منواله الصين وكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وتايلاندا.. وهي تجارب تعتمد على خليط من الرأسمالية والتجربة والخطأ والتصحيح الذاتي لتحسين الأداء.. 

ويخلص الدكتور رياض حاوي إلى أن الحديث عن نظرية اقتصادية للإسلاميين في غياب منظرين كبار وازنين غير متوفر حاليا.. ونقاشنا حاليا هو امتداد للنقاش العالمي، حيث المنجز المعرفي والتنظير والبحوث حول جدلية العلاقة بين الدولة وبين المجتمع.. وكيفية تحقيق النمو والتطور والنهضة وكيفية الاستفادة من التجارب العالمية المختلفة.

مشروع الجزائر 2030.. بعيدا عن الإسلاميين

من جانبه، ينفي كاتب الدولة الجزائري المكلف بالإحصاء والإستشراف السابق والخبير الإقتصادي الدكتور  بشير مصيطفى وجود أي جهة في الجزائر تملك الرؤية الاقتصادية أو البرنامج الاقتصادي ما عدا الحكومة، الحكومة وحدها برأيه لديها هذه الرؤية التي أنجزتها وزارة الاستشراف في السنوات العشر الأخيرة، ومن الناحية النظرية فإن مفردات التخطيط الاشتراكي التي كانت سائدة في العقود الماضية انتهت اليوم، وما بقي هو فقط النظرة التقنية الموجودة في نموذج النمو على مستوى الوزارة الأولى .

بالنسبة للأحزاب الجزائرية بشكل عام، بما فيها الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، فهي في حديث الدكتور بشير مصطفى لـ "عربي21"، لا تملك ولا برنامج ولا رؤية ولا استراتيجية لحد الساعة، فالنضال داخل التيار الإسلامي مبني على الدعوة الإسلامية التي كانت منذ عهدي بومدين والشاذلي، ومناضلي الدعوة هم الذين يهمنون على صناعة السياسات وصناعة القرارات، فلا نجد لا سياسات ولا قرارات ما عدا ما يتعلق بالجانب الحزبي، أما في تصميم وهندسة الرؤى الاقتصادية فهم مع الأسف الشديد بعيدون كل البعد.

 



وجدد بشير مصيطفى أن "الجزائر لا تملك رؤية اقتصادية في ما عدا مشروع رؤية الجزائر 2030 التي أكملناها عندما كنت وزيرا للاستشراف، وكانت في يدي ، وقد أنجزناها بالتشارك مع كوريا الجنوبية وتحديدا مع مؤسسة التنمية الكورية KBI، وقد انتهت، ووثيقة مشروع النموذج التنموي على مستوى الوزارة الأولى انجزناه في شهر آب (أغسطس) 2013، وما عدا ذلك لا توجد أي وثيقة سواء حزبية أو غير حزبية تدل على برنامج اقتصادي أو رؤية اقتصادية".

الرؤية الاقتصادية تحتاج "صناعة القرار والحكم"

وبشكل عام يحدد الدكتور مصيطفى معادلة واضحة، وهي أنه كلما اقترب الإسلاميون من صنع القرار، كلما تمكنوا من صياغة برنامج اقتصادي، والعكس صحيح، كلما ابتعدوا عن دائرة صنع القرار كلما تغلبت عليهم الدعوة، كون هذه الأخيرة تستند إلى مرجعية تاريخية وبعص المعاملات الإسلامية الصرفة وليست معاملات اقتصادية بالشكل الذي تمارسه الدول العلمانية.

ويرى الدكتور بشير مصيطفى أن الدول التي فاز فيها الإسلام السياسي، المنفتح على التيار العلماني، يمتلك رؤية اقتصادية، مثل الحالة التركية والحالة الماليزة، وهاتين التجربتين التركية والماليزية لديهما تجربة ناجحة بسبب المزج بين الدعوة ممثلة في مناضلي حزب أردوغان والعلمانيين ممثلة في خبرات الشعب التركي ونفس الشيء بالنسبة لماليزيا.. وقد ساعد في ذلك هو انفتاحهم على الجميع، بعد أن فازوا بالانتخابات.

أما الدول التي لم ينل فيها الإسلاميون الحكم، فنجد أن برامج الإسلاميين ضعيفة مثل السودان ومصر وتونس، حتى وإن كانت تونس هي في طريق البرمجة الاقتصادية، ونحن نتوقع لها برمجة اقتصادية بسبب انفتاح التيار الإسلامي على التيار العلماني من خلال التنازلات السياسية التي قدمتها حركة النهضة الإسلامية أمام الشركاء العلمانيين.

الإسلاميون في الجزائر.. والحلول الشعبوية

ويشرح الإعلامي الجزائري عبدالوهاب بوكروح المختص بالشأن الاقتصادي، حالة الإسلاميين في الجزائر كنموذج لمجمل الحالة العربية التي تتشابه هنا، بالإشارة إلى أن من الأسباب المباشرة في فشل تجربة الإسلام السياسي في الجزائر منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، هي غياب مشروع متكامل لايجاد حلول للمشاكل الحياتية اليومية للمواطن. وعندما نقول المشاكل الحياتية نجد في مقدمتها المشاكل المرتبطة بالشق الاقتصادي. فلم يقترح أي فصيل إسلامي حلولا عملية للمعضلة الاقتصادية في الجزائر بل أكتفوا بحلول شعبوية سطحية لا ترقى الى البرامج التي تمكن البلاد من نهضة اقتصادية حقيقية.

ويفصل عبد الوهاب بوركوح رؤيته لـ "عربي21"، أن الجبهة الإسلامية للانقاذ اكتفت مطلع التسعينات بتطبيق نماذج شعبوية لإيجاد حلول مؤقتة لمجتمع في طور التحول من مجتمع حكمته العقيدة الاشتراكية لحوالي 30 سنة، فيما اكتفى تيار الإخوان باقتراح حلول لمنتسبيه بعيدا عن الاندماج المجتمعي وقام بالانعزال عن المجتمع وشجع الاقتصاد الموازي بحجة رفض المعاملات التقليدية وبخاصة مع البنوك التي لا تعمل وفق قواعد الشريعة.

 



وفي ظل الرفض الرسمي لمحاولات تيار الإخوان المشارك في الحكم منذ منتصف التسعينات فشلت كل محاولات وزراء الحزب في إدراج بعض الاصلاحات على قطاعات شاركوا في تسييرها مما زاد من تجذر نظرية فشل التيارات الإسلامية في عدم توفرهم على مشروع اقتصادي واضح المعالم رغم محاولاتهم المتكررة لمحاكاة تجارب دولية على غرار التجربة التركية وحتى الماليزية.

وبخصوص حركة مجتمع السلم، فيعتقد عبد الوهاب بوركروح صراحة بأنها لا تملك تصورا خالصا للمجتمع الجزائري، وهذا يعود إلى فكرة التيار الذي تنتمي له وهو فكر الإخوان العالمي الذي لا يعترف بالخصوصية القطرية بل يعتقد أن الحل يكون شاملا للأمة وليس للقطر، وهو ما تبينه الطروحات المتداولة في قمة كوالالامبور الماليزية وقبلها قمم سابقة في تركيا.

أما عن النموذج الجنوب آسيوي فنجاحه برأي بوكروح مرتبط بالبيئة الثقافية لشعوب المنطقة أولا وليس بشيء أخر، مشيرا إلى أن النجاح هناك يعود للبيئة الثقافية التي تقدس العمل مع وجود أخلاق رفيعة داخل تلك المجتمعات وهو ما ساعد على نجاح اعتناق فكر مالك بن نبي.

هكذا يدافع الإسلاميون عن أنفسهم

في المقابل، يدافع القيادي في حركة "حمس" النائب البرلماني ناصر حمدادوش عن حركة مجتمع السلم الاخوانية بالجزائر، مؤكدا أن لديها برنامجها البديل، الذي عرضته على الرأي العام، والذي يشمل: الرؤية السياسية، والرؤية الاقتصادية، والبرامج القطاعية، لحوالي: 36 قطاعا، وحوالي: 500 إجراء علمي وعملي، عكف على إعداده خبراء وإطارات متخصصة، من داخل مؤسسات الدولة وخارجها، ومن كفاءات الحركة وخارجها..

ويوضح ناصر حمدادوش لـ "عربي21"، ملاح المشروع الاقتصادي للحركة، بأن النظرة الاقتصادية للحركة تقوم على أساس قيمي وأخلاقي، وأبعاد حضارية واهتمامات إنسانية، في إطار الحرية الاقتصادية والتكامل بين المصلحة العامة والخاصة، وتحقيق الانسجام بين أهداف التنمية وطبيعة النظام السياسي..

وتتمثل المرجعية الأساسية للتوجهات الاقتصادية لحركة حمس كما أوردها حمدادوش على:

1 ـ تحديد هرم الاحتياجات السكانية على اعتبار أن الإنسان ليس مجرد آلة اقتصادية بل هو محور التنمية والمستهدف منها، وتلبي حاجاته وفق سلّم أولوياته..

2 ـ المال وحق التملك: وأن كسب المال يكون ببذل الجهد وتحمل مسؤولية المخاطر، وأن التملك حق مشروع في إطار الشفافية والمنافسة الشريفة..

3 ـ الدولة وقطاعات الإنتاج الثلاثة: القطاع العام، والقطاع الخاص، والقطاع التضامني (حركة الزكاة والصدقات والأوقاف والعمل التطوعي)، وهي من الخصوصية الحضارية للأمة..

4 ـ المؤسسة الاقتصادية: وهي الوصول بالقطاعات الانتاجية الثلاثة إلى بناء شبكة مؤسسات اقتصادية متنوعة ومستقرة واحترافية، تذهب إلى الاقتصاديات البديلة، والتحرر من التبعية للمحروقات..

5 ـ السياسة النقدية والمالية: بما يحقق الاستقلال والاستقرار الاقتصادي، وضمان السيولة النقدية، والتحرر من الآثار السلبية للمالية العالمية المبنية على الربا والغش والاحتكار، والدخول التدريجي في نظام التمويل الإسلامي وأخلقة المعاملات المالية..

المفكر مالك بن نبي و"الكومنويلث الإسلامي"

وضمن دفاعه عن رؤية الحركة الإسلامية "حمس" لطرح الحركة الاقتصادي، لا يفوت النائب الحمسي ناصر حمدادوش الفرصة، للإشارة إلى أن قمة كوالالمبور الأخيرة، التي يترأس أمانتها العامة الدكتور عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم (الجزائر).. كانت إلى: استعادة أمجاد الحضارة الإسلامية، والخروج بحلولٍ قابلةٍ للتنفيذ لمشاكل العالم الإسلامي، والمساهمة في تحسين العلاقات بين المسلمين شعوبًا ودولاً، وتشكيل شبكة تواصلٍ فعّالةٍ بين القادة والعلماء والمفكّرين في العالم الإسلامي.

 



وبالتالي كانت فرصة وفضاء التقت فيه أكثر من 450 من الخبراء والكفاءات التخصصية والمفكرين من أكثر من 50 دولة، لبلورة رؤية حضارية للأمة من أجل استئناف الحضارة الإسلامية من جديد..

وهنا ذكر حمدادوش أن فكرة "الكومنويلث الإسلامي "التي استشرفها المفكر الجزائري مالك بن نبي تجد طريقها في التجسيد عن طريق التقاء الإرادة الرسمية في قمة كوالالمبور، لخمس دول ذات ثقل إقليمي ودولي يجمعها النمو الاقتصادي والاستقلال من السقف الأمريكي، مع الإرادةالشعبية لأحزاب وحركات إسلامية ومنظمات وهيئات مدنية مسلمة من أكثر من 50 دولة..

 



وأكد أن هذه القمّة الإسلامية تعد نواةً للوَحدة الإسلامية، بعد أن استهلكتها الخيبات والصراعات والخلافات والانقسامات والاصطفافات والمناكفات لعقودٍ من الزّمن، وهي فرصةٌ لإعادة صياغة تحالفات وتكتلات تقوم على التكامل الاقتصادي ودعم خطط التنمية وتحقيق السّيادة الكاملة، بحيث تشكّل ثقلاً دوليًّا في مواجهة العلو الكبير للصهيونية العالمية والرّأسمالية المتوحشة، والتدافع من أجل الحفاظ والاستثمار في خيرات وثروات الأمّة الإسلامية.

الهندسة النظرية واقتصاد المعرفة 

وفي قراءة الدكتور بشير مصيطفى، لما حدث في كوالالمبور، أنه انفتاح واسع على الخبرات الإسلامية في كل العالم، لكن لا يعني ذلك اعتناق عقيدة اقتصادية، لأن العقيدة الاقتصادية لكل دولة تتشكل داخل الجهاز الحكومي التنفيذي وليس داخل الجهاز الحزبي، كما هو الحال مع الحركات الإسلامية.

إن مالك بن نبي، كما يؤكد الوزير السابق للاستشراف الجزائري، بشير مصيطفى، لديه امتياز في تحويل الفكرة من الأشخاص إلى الأفكار، وبالتالي فإن الدول التي اعتمدت على الاقتصاد المبني على المعرفة أي على الأفكار هي التي نجحت، وهذا تيار مالك بن نبي في ما يتعلق بالهندسة النظرية CONCEPTION  لأن النمور الآسياوية وبشكل خاص ماليزيا وسنغافورا، استفادت من مالك بن نبي مباشرة وبكل اقتناع، أما النمور الآسياوية الأخرى مثل تايلاندا وفيتنام وسنغافورا فقد استفادوا منه بطريقة غير مباشرة، يعني أنهم اعتنقوا الاقتصاد المبني على المعرفة الذي نادى به مالك بن نبي، وليس الاقتصاد المبني على الريع أو الأشخاص، لكونها دول غير إسلامية .. 

ويتوقع مصيطفى أن تصل تركيا، التي اعتمدت هذا النهج، بعد نجاح التجربة الماليزية، إلى المرتبة الخامسة عالميا من الناحية الاقتصادية، وهي تحتل حاليا المرتبة السابعة عالميا، وهذا كله بسبب فكرة الأفكار وليس فكرة الشخاص.

اتحاد إسلامي شبيه بالاتحاد الأوروبي؟

ويرى الدكتور رياض حاوي، وهو جزائري مقيم في ماليزيا، بتحليل قمة كوالالمبور باعتبارها محاولة من أجل أن يكون التنسيق الاقتصادي بين الدول الإسلامية أكثر وأعمق.. مشيرا إلى أنه قد تم تداول بعض الأفكار حول إمكانية تأسيس اتحاد إسلامي يشبه "الاتحاد الأوروبي" الأمر الذي أثار حفيظة بعض الدول مثل السعودية خشية أن تفقد مكانتها في منظمة المؤتمر الإسلامي، معتبرا أنه من الطبيعي أن يكون الهم الاقتصادي حاضرا خاصة أن تركيا وماليزيا يملكان الريادة الاقتصادية حاليا.. فهي دول مصدرة وتبحث عن أسواق.. وقطر تملك السيولة الفائضة التي تبحث على تنميتها في مشاريع طويلة الأمد.. 

ويختم الدكتور رياض حاوي بالتنبيه إلى أنه يجب التعامل مع دعوات التكامل الاقتصادي بحذر وانتباه.. حتى لا يحدث ما حدث في الاتحاد الأوروبي.. لأن سرعة الأعضاء في الاقتصاد متفاوتة.. سرعة الجزائر وسرعة تركيا وسرعة المغرب مختلفة.. وفتح الأبواب معناه تدفق السلع باتجاه واحد.. ماليزيا وتركيا متعطشة للأسواق وتريد تسهيلات لبضائعها وهذا مفهوم.. ولكن الدول الاخرى تحتاج مرافقة لتطوير صناعاتها وتطوير الاستثمارات بداخلها.. بدلا من أن تكون أسواقا لتفريغ حمولة الصادرات من الدول المتفوقة صناعيا.. وهذا حدث في أوروبا عندما استفادت ألمانيا من أسواق الجنوب الأوروبي لبيع منتجاتها بينما يتحمل الاتحاد الأوروبي الديون التي تورطت فيها دول الجنوب من اجل شراء منتجات الشمال.. يجب أن تكون هناك رغبة للاستثمار في الدول التي يعاني نسيجها الصناعي من الضعف بدلا من أن تتحول إلى أرض لدفن صادرات الدول المنتجة.. كذلك يجب الحذر من توحيد العملة.. فهذا يؤثر على قدرات البنوك المركزية في الدول المستهلكة على تنشيط الاستثمار بالعملة المحلية..