شهد عام
2022 واحدةً من أعنف موجات
التهويد التي ضربت
القدس المحتلة، وفي
القلب منها المسجد الأقصى المبارك، الذي شهد تصاعد المطالبات ببناء
"المعبد" واقتحام آلاف المستوطنين لساحاته، وما شهدته هذه الاقتحامات من
طقوسٍ وصلواتٍ علنية، تعاملت مع المسجد على أنه "المعبد" في سياق تحقيق
الوجود اليهودي داخل الأقصى، والمضي في استراتيجية "التأسيس المعنوي
للمعبد".
ومع ما يجري في القدس المحتلة من مشهدية اعتداء غير مسبوقة، يمكننا أن نسلط
الضوء على أربعة سياقات أساسية، شكلت الاعتداءات الأبرز التي تعرضت لها المدينة في
عام 2022، وهي:
- تسجيل اقتحامات المسجد الأقصى رقماً قياسياً، هو
الأعلى منذ عام 2009، إضافةً إلى ما شهده المسجد من محاولات أذرع
الاحتلال الأمنية
تقليل أعداد المرابطين داخله، عبر الاعتقال والإبعاد.
- تصاعد فرض الصلوات والطقوس اليهودية داخل الأقصى، وهو ما شهدته
مختلف أيام الاقتحام، إلا أنه تصاعد بشكلٍ مضطرد إبان الأعياد اليهوديّة، إضافةً
إلى اقتحام المسجد باللباس الكهنوتي الأبيض، ومحاولة إدخال القرابين إلى المسجد
ونفخ البوق داخله.
- استمرار هدم منازل الفلسطينيين ومنشآتهم، في مقابل رفع حجم
المشاريع الاستيطانية في المدينة، والمضي في تطوير البنية التحتية الخاصة
بالاستيطان.
- استهداف مختلف قطاعات المجتمع المقدسي الحياتية، وخاصة استهداف
قطاع التعليم في المدينة المحتلة.
صورة عن واقع المدينة المحتلة، وما يجري فيها من مستجدات خطط التهويد، وما يسعى الاحتلال إلى تحقيقه في عام 2023 وما يليه. وتؤكد الصورة العامة في عام 2022 جملةً من الحقائق، أبرزها مضي الاحتلال في تحويل المدينة المحتلة إلى "مدينة يهوديّة" المعالم والسكان
وفي سياق استكمال مشهد الأحداث في القدس في العام الذي نودّعه، نسلط الضوء
على بعض الأرقام التي صدرت في نهاية عام 2022، لكونها تفتح المجال أمام المزيد من التحليل
لما جرى في العام الماضي، وتوقع مآلات الأحداث في عام
2023 بشكلٍ واضح وعميق. ففي عام
2022 بلغ عدد مقتحمي الأقصى 48238 مستوطناً بحسب دائرة الأوقاف الإسلامية في
القدس، في مقابل اقتحام نحو 34112 مستوطناً في عام 2021، وانسحب التصاعد على أعداد
المبعدين عن الأقصى، التي وصلت إلى نحو 950 مبعداً طوال أشهر العام.
أما على الصعيد الديموغرافي، تابعت سلطات الاحتلال سياسة هدم منازل
الفلسطينيين ومنشآتهم، فبحسب معطيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون
الإنسانية (أوتشا) هدمت سلطات الاحتلال في
عام 2022 نحو 140 منزلاً ومنشأة فلسطينية في القدس المحتلة في عام 2022، وهذا ما
أدى إلى تهجير 325 فلسطينياً من منازلهم، وتضرر نحو 621 آخرين. وصادقت سلطات
الاحتلال حتى نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر على 116 مخططاً استيطانياً، تضم أكثر
من 13 ألف وحدة استيطانية جديدة.
وتقدم المعطيات السابقة صورة عن واقع المدينة المحتلة، وما يجري فيها من
مستجدات خطط التهويد، وما يسعى الاحتلال إلى تحقيقه في عام 2023 وما يليه. وتؤكد الصورة
العامة في عام 2022 جملةً من الحقائق، أبرزها مضي الاحتلال في تحويل المدينة
المحتلة إلى "مدينة يهوديّة" المعالم والسكان. وحول هذا الهدف تنقسم
مختلف مسارات تهويد المدينة ومخططات الاحتلال تجاهها، وليست السنوات هنا إلا محطات
زمنية تستوعب مزيداً من الاعتداءات والانتهاكات.
أما النقطة
الثانية بالغة الأهمية فهي ما كشفت عنه انتخابات "الكنيست" الأخيرة،
والتي أظهرت التغيرات الكبيرة التي حدثت في بنية الاحتلال على الصعد الاجتماعية
والسياسية، فما استطاع الأخير تحقيقه في عام 2022 من قفزاتٍ في مجمل مسارات تهويد
المدينة المحتلة، ستشكل قاعدة تنطلق منها الحكومة الإسرائيلية الجديدة، خاصة أنها
ضمت عدداً من عتاة المتطرفين الذين يحملون أطروحات "منظمات المعبد"
المتطرفة.
وأمام مساحة الاستهداف الكبيرة، فإن مسببات التفجير كامنة في مختلف القضايا
التي تجري في القدس المحتلة، وحول أبرز مسارات التصعيد، نركز في هذا المقال على أربعة
منها، هي:
1- مسار استهداف
المسجد الأقصى
شكلت القفزة في
أعداد المقتحمين والمبعدين على حدٍ سواء، ومن ثم التمثيل الكبير الذي حصلت عليه "منظمات
المعبد" في الحياة السياسية الإسرائيلية، ووصول أبرز وجوه هذه المؤسسات،
إيتمار بن غفير، إلى سدة وزارة الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال الجديدة؛ معطيات ستفتح
شهية هذه المنظمات إلى تحقيق قفزة جديدة في أعداد مقتحمي الأقصى، وترسيخ الأعياد
اليهودية مواسم للاستفراد بالمسجد، وأداء الطقوس اليهودية العلنية، وما يترافق مع
هذه الأعياد من طقوسٍ ومحاولات تقديم القرابين والنفخ بالبوق وغير ذلك، إضافةً إلى
استمرار ترسيخ "أولوية" الأعياد اليهودية، عندما تتزامن مع الأعياد
الإسلامية.
ستعمل سلطات الاحتلال على المضي في سياسة إفراغ الأقصى بالتزامن مع هذه الأعياد، عبر ممارسة المزيد من الضغط على المرابطين عبر الاعتقال والإبعاد المتكرر، وتقليل وصول المصلين من خارج القدس المحتلة وخاصة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، في مقابل إعطاء المزيد من التطمينات للمنظمات المتطرفة، وتحقيق ما يريدونه
وستعمل سلطات
الاحتلال على المضي في سياسة إفراغ الأقصى بالتزامن مع هذه الأعياد، عبر ممارسة
المزيد من الضغط على المرابطين عبر الاعتقال والإبعاد المتكرر، وتقليل وصول
المصلين من خارج القدس المحتلة وخاصة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، في
مقابل إعطاء المزيد من التطمينات للمنظمات المتطرفة، وتحقيق ما يريدونه من حيث حجم
الصلوات اليهودية التي تؤدى في الأقصى، أو من حيث توسيع جسر باب المغاربة للسماح
بإدخال المزيد من المستوطنين للمشاركة في اقتحام الأقصى.
وفي سياق متصل بالاعتداء على المسجد، شكلت
سياسة منع ترميم الأقصى وصيانته ثابتاً لدى الاحتلال، يحاول من خلاله ابتزاز دائرة
الأوقاف الإسلامية، ولا شك في أن تزايد إمكانية انهيار أجزاء من الأقصى وخاصة من
جهة التسوية الجنوبية الغربية بفعل منع الترميم، ستسمح للاحتلال بفرض واقعٍ جديد
على المسجد، وهذا ما سيجعله يُمعن من جهة في حجم الحفريات أسفل هذه المنطقة،
ويستمر من جهة أخرى في منع دائرة الأوقاف الإسلامية من إجراء أي ترميمات. وأظهرت
السنوات الماضية أن المنع في كثيرٍ من الأحيان يكون من خلال تعقيد إدخال المواد
اللازمة، أو التدخل المستمر في العمل وغير ذلك.
2- المسار
الديموغرافي
أما على الصعيد الديموغرافي، فستستمر سلطات الاحتلال في هدم منازل
الفلسطينيين ومنشآتهم، في مقابل تقديم المزيد من العطاءات الاستيطانية الضخمة، وهي
محاوله للتدخل في الميزان الديموغرافي للمدينة، والدفع بالمقدسيين للخروج من
القدس. واتصالاً بهذا المسار، ستصعد سلطات الاحتلال تطوير البنية التحتية الخاصة
بالاستيطان، وإنهاء المزيد من المشاريع التي تنفذها بلدية الاحتلال وأذرعه الأخرى،
على غرار القطار الهوائي "التلفريك"، أو القطار الخفيف الأرضي، وشبكات
الطرق السريعة وغيرها.
3- مسار القطاعات
الحياتية للمقدسيين
أظهر عام 2022 أن الاحتلال لا يترك أياً من مناحي الحياة
في القدس المحتلة من دون تدخلٍ من قبله، وهو ما سيستمر في عام 2023، وخاصة في
قطاعين أساسيين لدى المقدسيين، الأول قطاع التعليم عبر فرض المنهاج المحرف على
المزيد من المدارس، ومحاولة ابتزازها عبر الترغيب المالي، والترهيب بالإغلاق. أما
الثاني فهو القطاع الاقتصادي المعيشي، عبر تشديد الحصار والقيود على المحال
التجارية في القدس، وجباية الضرائب الباهظة من المقدسيين، في محاولة إفقارهم.
4- مسار الحراك
الشعبي والمقاومة
كل زاوية في القدس المحتلة تشهد تصعيداً من قبل الاحتلال واعتداء من قبل مستوطنيه، ولكن القدس في المقابل هي خاصرة الاحتلال الرخوة، وما يستطيع الفلسطينيون القيام به في المدينة يؤثر في صورة عاصمة الاحتلال المزعومة، وتدفع به نحو المزيد من المآزق
شكلت المقاومة في عام 2022 أبرز الميادين التي أقلقت أمن
الاحتلال، فقد شهدت أزقة المدينة المحتلة عشرات نقاط المواجهة، إلى جانب عددٍ من
العمليات النوعية. ومع الإجراءات الجديدة التي يعد فيها إيتمار بن غفير فمن
المتوقع أن تشهد أشهر عام 2023 المزيد من العمليات ونقاط المواجهة، خاصة أن ما
يمكن أن يحدث في المسجد الأقصى وفي أحياء القدس سيؤثر في مشهد المقاومة في الضفة
الغربية والقدس المحتلتين، وأن القبضة الحديدية التي يتوعد بها بن غفير ستنعكس على
الوضع الأمني في المناطق المحتلة، إذ ستدفع بالمزيد من المقاومين للانخراط في
مقاومة العدو، مع إمكانية تدحرج الأوضاع بشكلٍ أكبر إلى شكلٍ أكثر امتداداً على
غرار الهبة الفلسطينية الشاملة في عام 2021.
أخيراً، كل زاوية في القدس المحتلة تشهد تصعيداً من قبل
الاحتلال واعتداء من قبل مستوطنيه، ولكن القدس في المقابل هي خاصرة الاحتلال
الرخوة، وما يستطيع الفلسطينيون القيام به في المدينة يؤثر في صورة عاصمة الاحتلال
المزعومة، وتدفع به نحو المزيد من المآزق، خاصة أن القدس المحتلة قد أثبتت في
السنوات الماضية أنها قادرة على عرقلة المحتل وإقلاق أمنه، وخلط الأوراق في مجمل
المشهد الفلسطيني.
وكما سيكون العام
القادم خطيراً على القدس وصعباً على أهلها، فإنه سيشكل للأمة امتحاناً بالغ الصعوبة
من حيث ضرورة إعادة بناء التفاعل مع ما يجري في القدس والأقصى، وبناء أطر الالتحام
مع قضاياها أكثر، وهو الدور الأساسي للأمة من حيث الإسناد والدعم والتفاعل.