قال غوردون غري، سفير الولايات المتحدة في
تونس بين عامي 2009 و2012، إن الوضع في البلاد يشبه كثيرا فترة ما قبل ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الدكتاتور الراحل زين العابدين بن علي.
جاء ذلك في مقابلة مع "
عربي21"، حيث اعتبر غري أن تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس كانت ناجحة على المستوى السياسي إلى حدود 25 تموز/ يوليو 2021، تاريخ استحواذ الرئيس قيس سعيّد على السلطات.
واستدرك بالقول إن الانتقال الديمقراطي كان أقل نجاحًا بكثير على مستوى ملف الاقتصاد وخلق فرص الشغل، وهما اثنان من أساسيات تطلعات الثورة التي أطاحت بابن علي.
وفي تعليقه على الاعتقالات الأخيرة التي تعرفها تونس، اعتبر الدبلوماسي الأمريكي السابق أن هذه الحملة تعكس علامات مقلقة للغاية لتزايد سلطة الرئيس سعيّد.
وشدد على أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيّد منذ 25 تموز/ يوليو 2021، تسببت في تدهور العلاقات التاريخية بين تونس والولايات المتحدة، معتبرا أن تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس بشأن الاعتقالات، ليست تدخلا في شأن تونس الداخلي، عكس ما قال عنه سعيّد، يدخل في خانة "نقد الأصدقاء".
وأعربت الولايات المتحدة، على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها نيد برايس عن قلقها من حملة الاعتقالات التي عرفتها تونس خلال الأسابيع القليلة الماضية، والتي شملت ناشطين سياسيين ورجل أعمال وإعلاميا وقاضيين.
وفي مؤتمر صحفي في واشنطن، قال نيد برايس: "نشعر بقلق بالغ إزاء ما تردد عن اعتقال العديد من الشخصيات السياسية ورجال الأعمال والصحفيين في تونس في الأيام الأخيرة. نحترم تطلعات الشعب التونسي إلى قضاء مستقل وشفاف، قادر على حماية الحريات الأساسية للجميع ".
وأضاف: "نحن منخرطون مع الحكومة التونسية على جميع المستويات لدعم حقوق الإنسان وحرية التعبير. من المبادئ الأساسية للولايات المتحدة أن يكون الناس في جميع أنحاء العالم قادرين على التعبير عن أنفسهم دون خوف من الانتقام. تقع على عاتق جميع الحكومات مسؤولية الحفاظ على هذا المبدأ الأساسي ".
في المقابل، عبر الرئيس التونسي عن رفضه لأي تدخل أجنبي في شؤون بلاده والمس بسيادتها، قائلا: "لسنا تحت الاستعمار، نحن دولة مستقلة ذات سيادة ونعلم جيدا ما نقوم به في ظل احترام القانون".
وأضاف: "نحن قادرون على تشخيص مشاكلنا.. إذا كانوا يريدون مساعدة تونس ودعم التونسيين فليعيدوا أموالنا المنهوبة.. ليسقطوا الديون المتراكمة".
وتاليا مقابلة مع غوردون غري، سفير الولايات المتحدة في تونس بين عامي 2009 و2012 مع "عربي21":
-كيف تقيمون الوضع السياسي في تونس في ضوء استحواذ الرئيس قيس سعيّد على السلطات؟
يواجه الشعب التونسي مصاعب اقتصادية ويريد أن يرى الحكومة وهي تأخذ خطوات لتوليد فرص العمل وخفض التضخم. لقد انقضت أكثر من سنة ونصف منذ استيلاء الرئيس سعيّد على السلطة في 25 تموز/ يوليو 2021، لكنه لم يفعل أي شيء ولم يقدم خطة اقتصادية أو، بصراحة، لم يظهر أي اهتمام حقيقي في إصلاح التحديات الاقتصادية التي تواجه تونس.
-الإدارة الأمريكية رحبت بإجراء الانتخابات التشريعية الأخيرة لكنها انتقدت سعيّد.. ما تعليقكم؟
تعكس الاعتقالات الأخيرة التي طالت معارضين بارزين توجهات وإجراءات الرئيس قيس سعيّد الحساسية وهي علامات مقلقة للغاية لتزايد سلطته.
-ما تأثير رد سعيّد على تصريحات برايس على العلاقات بين البلدين؟
إن قمع الرئيس سعيّد للمعارضة مقلق أكثر بكثير من غضبه تجاه تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، لكن النقد البناء من الأصدقاء لا يعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية. ودفاع الرئيس سعيّد عن نفسه ومحاولته لعب بطاقة السيادة شبيه بسلوك الحكام المستبدين الآخرين، بمن فيهم ابن علي.
-ما موقف الإدارة الأمريكية من الرئيس سعيّد؟
لقد أدت التحركات الاستبدادية للرئيس قيس سعيّد منذ 25 تموز/ يوليو 2021 إلى تدهور تاريخي في العلاقة الثنائية القوية بين البلدين.
-هل يقلق التقارب الصيني التونسي الحديث الإدارة الأمريكية؟
لست على علم بأي تعليقات لمسؤولين أمريكيين بشأن العلاقات الثنائية بين تونس والصين.
-هل تتشابه الظروف الحالية في تونس مع فترة ما قبل الثورة؟ وما الفرق بين المعارضة في 2009، والمعارضة في 2023؟
نفس الشعور باليأس الذي رأيته في الأيام الأخيرة لنظام ابن علي يسود تونس اليوم. في الحقيقة، هناك أوجه تشابه متزايدة بين ابن علي والرئيس سعيّد، لكن سعيّد ليس قمعيا مثل ابن علي. وعلى سبيل المثال، كان هناك المزيد من القيود على وسائل الإعلام في عهد ابن علي، وكانت الرقابة هي القاعدة والنظام محجوب تقريبًا على جميع مواقع الإنترنت.
أما بشأن المعارضة، فالعديد من قادتها كانوا يعيشون في المنفى في عام 2009. في المقابل، فإن معارضة اليوم مجزأة لكنها اكتسبت خبرة منذ كانون الأول/ ديسمبر 2010.
-بصفة عامة، كيف تقيمون تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس؟
لقد كان الانتقال الديمقراطي في تونس ناجحًا بشكل عام من الناحية السياسية حتى 25 تموز/ يوليو 2021، حين استحوذ الرئيس سعيّد على السلطات.
لكنه كان أقل نجاحًا بكثير في خلق فرص العمل والإنجاز وخلق فرص اقتصادية أكبر للتونسيين، وهما اثنان من التطلعات الأساسية للثورة التي أطاحت بنظام ابن علي.
-صحيفة "الغارديان" نشرت مقال رأي أعده سايمون تيسدال، قال فيه إن حملة الرئيس الأمريكي جو بايدن لدعم الديمقراطية في العالم محلها الفشل، ما تعلقيك؟
إن الدفاع عن الديمقراطية أمر صعب، كما أشار السيد تيسدال في مقاله بشكل صحيح. لكن قيادة الرئيس جو بايدن لدعم المجتمع الدولي لأوكرانيا الديمقراطية ضد الغزو غير المبرر من قبل روسيا الأوتوقراطية تظهر أن حملته لم تكن فاشلة.