كتاب عربي 21

هل نجح السيسي في إفشال المجلس؟

1300x600
جمعني مجلس مع دبلوماسي أمريكي، وسألته إن كانت الولايات المتحدة فعلا جادة في الضغط على الحكومات العربية من أجل القيام بإصلاحات سياسية، فجاء الرد غريبا بعض الشيء: نحن نكتب ذلك في أدبياتنا ولكننا لا نفعل أكثر من ذلك، فإن كنتم أنتم لا تطالبون بإصلاحات سياسية فلن نفعل ذلك نيابة عنكم.

مرت عدة سنوات على هذا اللقاء وطالب العرب بإصلاحات سياسية، وخرجوا في مظاهرات عارمة في القاهرة، مطالبين بتنحي حسني مبارك الذي كان يفترض أن يكون آخر حلقة في سلسلة من حكم العسكر منذ جمال عبد الناصر، حكم شمولي طويل جثم على صدور المصريين، مراكما فساده وسوء إدارته للدولة المصرية حتى وصلت إلى ما هي عليه من ضعف وترهل وانحدار يوشك أن يكون كارثيا.

اختار المصريون بعد ثورتهم في انتخابات حرة ونزيهة الرئيس محمد مرسي، ولكن المؤامرات التي كانت تحاك تحت الأرض أفسدت على المصريين فرحتهم وليست الولايات المتحدة وإسرائيل بعيدتين عنها.

جاء السيسي إلى السلطة بشكل دموي غير مسبوق، ووقف أقرب حلفاء واشنطن إلى جانبه دعما بالمال والأقوال، وضخت المليارات إلى جنرالات الجيش الفاسدين الذين تعرف الولايات المتحدة قبل غيرها مقدار فسادهم، بل إن هؤلاء الحلفاء الداعمين للسيسي مازالوا يحاولون إرغام الكثير من الدول على الرضوخ لحكمه بكل الوسائل، حتى أن إحدى الدول الخليجية منعت السودانيين العاملين فيها من تحويل أموالهم إلى أهاليهم، ليشكل ذلك ضغطا على الخرطوم من أجل الاعتراف بالسيسي رئيسا شرعيا متوجا على ركام الجثث والضحايا والجماجم.

ها قد طالبنا بالإصلاحات في سوريا أيضا، وأنزلت طائرات الأسد على السوريين كل أنواع المتفجرات التي لا تفرق بين مدني وعسكري وبين صغير وكبير، براميل ممتلئة بمواد شديدة الانفجار تدحرج من طائرات الهليكوبتر على المدن والأحياء لتأخذ معها الكثير من الأرواح، واستخدمت قوات بشار الأسلحة الكيماوية التي أبادت المئات من النساء والأطفال والشيوخ ولم تفعل الولايات المتحدة شيئا، وبقي الخط الأحمر الأوبامي خطا وهميا متحركا بتحرك المصالح.

لم تنجح الولايات المتحدة حتى الآن في إيجاد معادلة واضحة تسمح لها بالضغط على الدول العربية للقيام بإصلاحات سياسية كما تدعي في أدبياتها وبين دعم هذه الأنظمة سياسيا وعسكريا، فسياستها في هذا الشأن مازالت تقوم على التخبط وتشوه المعلومات التي تصلها، وليس هناك ما يوضح هذا التخبط أفضل من التقرير الأخير الذي نشره معهد كارنغي للشرق الأوسط بعنوان: مقاربة أمريكية جديدة لأمن الخليج، ففي هذا التقرير عدة توصيات موجهة للإدارة الأمريكية للتعامل مع دول الخليج، والغريب أن هذا التقرير الذي أصدره مركز دراسات مرموق لم يخرج عن الإطار العسكري للإصلاح ولم يتحدث عن إصلاحات سياسية أو اقتصادية ذات قيمة، وهذه هي

أهم نقاط التقرير: 

* استخدام المبيعات العسكرية إلى دول الخليج بشكل أكثر انتقائية، فالتحكم في الأسلحة والمعدات التي تستخدم للقمع الداخلي وتلك التي توفر الهيبة للأنظمة هي التي يجب أن تستخدم للضغط على هذه الدول للقيام بإصلاحات محدودة.

* تغيير مناهج التدريب للضباط الأجانب في المعاهد الأمريكية وجعلها تركز على الربط بين الإصلاحات المؤسسية والسياسية وبين الأمن المستدام.

* الإعداد لتقديم خطاب رفيع المستوى يتبنى رؤية شاملة وإيجابية للتحالف بين أمريكا ودول الخليج.

* جعل البحرين محور التشجيع الأمريكي على الإصلاح في الخليج، وتمكين المعتدلين في الحكومة والمعارضة من تحقيق مصالحة تقوم على أساس خريطة طريق للإصلاحات السياسية، وإعداد خطة طوارئ لنقل مقر إقامة الأسطول الخامس من البحرين عند الحاجة.

إن كل النقاط المذكورة أعلاه والتي نقلتها مع بعض التعديل لتقريبها من الفهم تتمحور حول أمن الخليج، فليس هناك حديث عن إصلاحات سياسية أو اقتصادية واضحة، والغريب أن كاتب التقرير يطالب أوباما بخطاب موجه إلى دول الخليج لطمأنتها على مستقبلها وفي الوقت نفسه يتحدث في آخر نقطة عن وضع خطة طوارئ لنقل الأسطول الخامس من البحرين!!

نقلت وسائل التواصل الاجتماعي صورة معبرة لأوباما، واضعا يده على وجهه، كتب تحتها: دوخوني البدو.. كانت الصورة معبرة عن الوضع الذي وصلت إليه أحوالنا في منطقة الخليج، فنحن دول ست مختلفة في كل ما يمت إلى السياسة الخارجية بصلة، ثم توجه اختلافنا بعد تربع السيسي على عرشه الدموي إلى داخلنا، وأصبحنا ننتظر من الإدارة الأمريكية تدخلا لحلها، في بادرة تعلن على العالم فشل مجلس التعاون الخليجي في إدارة أزماته، فهل نجح السيسي في مهمته؟ أعتقد أنه فعل.