مقالات مختارة

علم الإنسان

1300x600
كتب سلمان العودة: ذهبت إحداهن لأحد المشاغل لتجهيزها لمناسبة زواج، ولم يتم التفاهم على مبلغ معين لقاء الخدمات التي ستقدم لها، وإذا بها تصعق بمبلغ يقارب راتبها الشهري، دفعته رغما عنها، وأحست بغبنٍ نكد عليها فرح المناسبة.استدعى أحدهم سباكا لإصلاح عطل في منزله، وفاوضه على استحياء بشأن السعر، ورد السباك بقوله: (ما نختلف)، ورضخ الآخر لذلك، وبعد ما جاء وقت الحساب، فوجئ صاحب المنزل بثلاثة أضعاف ما كان يتوقعه، فنشبت بينهما خصومة، وارتفعت الأصوات وتفارقا على اختلاف ونزاع!

أين يمكن أن تكون وقعت هذه القصة؟يمكن التعرف على ثقافة مجتمع ما وطريقته في التعاطي عبر مواقف صغيرة أو تافهة ولكنها تحدث بشكل دائم، وهي أيضا ترتفع معنا كلما علت مقاماتنا، ولكن بصورة مختلفة بعض الشيء!

غياب المفاصلة على الحقوق على افتراض وجود الثقة بين طرفين خاصية عربية.

أمثالنا الشعبية تقول: (ماكان أوله شرط كان آخره سلام)، وهذا السلام يغيب كثيرًا بين أب وابنه، أو جار وجاره، أو زوج وزوجته، أو رئيس ومرؤوسه، والأقوى يفرض كلمته أخيرًا عندما لا يكون هناك وضوح في التعاقد، ومفاصلة في الحقوق.

الوضوح لدى الغرب اتسع حتى شمل الحياة الخاصة والأخطاء والفضائح التي تُعرض في البرامج التلفزيونية، وتقوض العلاقات والأسر، ولكن كل السلبيات والجرائم والسرقات والقصص أيضا تُعَالَج في وضح النهار.

فَرْد الخليج يعيش تحت سطوة الأضلاع الثلاثة:

* السلطة السياسية.
* السلطة الدينية.
* السلطة الأسرية.

نشأة الدولة وطبيعتها التاريخية جعلت الدين أساسًا للحياة وللتشريعات، وتداخلت القيم الشرعية مع الطبائع الاجتماعية، ومن هنا حدث التباس ما بين (الدين) و (العادات) من جهة، وما بين (التحديث) و (التغريب) من جهة أخرى.

وأصبح التوظيف السياسي والاجتماعي والحركي سببًا في استمرارية التخلف.النظر إلى المجتمع على أنه شيء واحد غير صائب، ولا بد من فرزٍ واعٍ طويل النَّفَس. من الخلل منح حق التدخل لكل أحد في الأخلاقيات، مقابل منع كل أحد في السياسيات.

التحولات العالمية لا تستثني أحدًا، البصير هو من ينتقي ويسدد ويقارب.

(علم الانثربولوجيا) هو مقارنة بين الثقافات والأعراق والجماعات البشرية، هو (علم الإنسان)، وقديماً قال عمرو بن العاص -رضي الله عنه- عن الروم: (إن فيهم لخمس خِصال: إنهم لأحلَمُ الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقةً بعد مصيبة، وأوشكهم كَرَّةً بعد فَرَّة، وخيرهم لمسكينٍ ويتيمٍ وضعيف، وأمْنَعُهم من ظلم الملوك) وهي قراءة ماهرة لعادات وطبائع الشعوب الأخرى.

في مجتمعاتنا نعقد المقارنة لنبيّن تفوقنا، ونقارن أسوأ ما عندهم بأحسن ما عندنا، أو نجعل واقعهم الحالي في كفة وتاريخنا المجيد في الكفة الأخرى.

قد تكون المقارنة نتيجة زيارة عابرة لسياحة أو تجارة لم يكتشف الإنسان فيها الكثير، وقد نحتمي بالشريعة وكأن كل ما لدينا هو (شرعي) وكل ما لدى الآخر هو منكر.

الترابط والتواصل مبدأ جميل يعزز الشخصية ويكرس الهوية ويساعد على النجاح.ذوبان الفرد في المجتمع شيء مختلف عن الانتماء والاعتزاز، وصوابية الأصل لا تمنع من معالجة اللواحق والزوائد الضارة، والحفاظ على الهوية لا يمنع الاستفادة الجزئية من نماذج الآخرين أو تجاربهم العلاقات الاجتماعية العربية تقتضي دعم القريب على سبيل التعاون، وقد يستدين المرء لتجهيز هدية زواج أو ولادة، وتَعُدُّ الحضور للولائم والمناسبات واجبًا عائليا.

هم يستدينون من البنك ولا يذهبون لصديق، ولا يقبلون العزائم، حتى لا يكون لك معروف يضطر أحدهم أن يرده لك.جميلة هي عادات الحشمة والحياء، احترام الكبير والضعيف، صلة الجار والرحم، الكرم، الشجاعة، المحافظة على الشعائر الربانية كالصلاة والحج والعمرة والصوم..

لدينا أخلاق اجتماعية تصنع التعاون في حدود المعرفة والمروءة، ولديهم مؤسسات خدمية منضبطة تقوم بهذا الواجب مع الناس وبصورة شبه متساوية.تخضع النجاحات التجارية والإدارية عربيًا لسوابق عائلية ودعم القرابة واحتكار الفرص وتنفيع المعارف، وقد تعقد المسابقات والنتائج محسومة، فقانون (تعرف أحد؟) هو البند الأول في النجاح.

النجاحات تبدأ هناك من الصفر، وتعتمد على الكفاءة والجهد، والمرء يقوم بنفسه، ويعتمد على ذاته وله المغنم وعليه المغرم، ويمكن لرجل من أصل أفريقي أن يصل إلى رئاسة الدولة.

التحكم باللباس والدراسة والزواج والعمل يضعف فرص التعبير عن الذات، ويقلل الخيارات، بينما الحرية المطلقة للمراهق في الغرب تصنع استقلالية مفرطة وفسادًا عريضاً.

(عن موقع د. سلمان العودة الرسمي "اسلام توداي" 21 آذار/ مارس 2014)