كتاب عربي 21

الأخطاء والخطايا في حق الثورة

1300x600
لا أحد كان يمثل الاستقامة الثورية، غير "حازم صلاح أبو إسماعيل"، وكل الذين من دونه، يؤخذ من ثوريتهم ويرد!

"حازم" كان وحده، الذي رفض الرضوخ لتسليم مبارك السلطة لمجلسه العسكري، وكان يريدها ثورة شاملة، لكن الجميع تركوه قائماً، وذهبوا للمجلس العسكري محلقين ومقصرين. ومع ذلك نسمع لمن يروجون بأن الإخوان هم من نسقوا وحدهم مع العسكر، وهو من باعوا الثورة للمجلس العسكري، وهم من "باعونا في محمد محمود"، وهم وحدهم الذين قضوا على الحالة الثورية، وقالوا إن الشرعية للبرلمان وليست للميدان.

وعلى الجانب الآخر، فإننا نشاهد ما يشبه الاعتذار على هذه الهرولة في اتجاه الشرعية الدستورية، وكأن الإخوان هم القوى الوحيدة، التي سارت في هذا الطريق، وكأن الأحزاب التي شكلت فيما بعد ما سمي بجبهة الإنقاذ ضد الرئيس المنتخب، لم تخض الانتخابات، وكأنها كانت مع أن يكون الحبل الثوري "على الجرار".

لقد كان من عيوب الثورة المصرية، أن من قاموا بها مصلحون، وليسوا ثوريين، وما أريد أن أبرئ نفسي، فلم أكن مرتاحاً لتجاوز محكمة الأحزاب لاختصاصها بحل "الحزب الوطني"، مسايرة للحالة الثورية، ولم أكن متحمساً لقانون العزل السياسي، وعندما أبدى البعض تخوفه، من أن يعود نواب الحزب الوطني، لاسيما في محافظات الصعيد للمشهد من جديد، كتبت أنني مع فكرة عزل الشعب لهم، وأن الصعيد سيعطي درساً للفلول لن ينسوه. وقد حدث، وكل من ترشح منهم في الانتخابات سقط فلم ينجح لهم أحد، ولم تقم لهم قائمة. فأنا من أهل مكة الذين هم أدرى بشعابها!

التنسيق بدأ مبكراً بين المجلس العسكري وكل القوى القائمة، والقوى التي تشكلت ومن بينها "ائتلافات الشباب الثوري النوري الكلمنجي" ، ولم يكن الإخوان وحدهم من كانوا يحضرون اجتماعات المجلس، ويغفر للإخوان، أنهم كانوا يناورون، فلديهم خطتهم التي تتمثل في الذهاب للانتخابات وإسقاط حكم العسكر، في حين أن الآخرين لم يكن لهم أي خطة، فكان التصاقهم بالسلطة هو الهدف والمبتغى والمراد، وكانت خطة الإخوان تقوم على أن الإسراع بالانتخابات، سينتقل بنا من مرحلة حكم رجال مبارك، إلى مرحلة حكم الثورة، فهناك خطورة في استمرار حكم المجلس العسكري، فإنه مع الوقت، قد يتحول الوضع المؤقت إلى دائم، وعندما خرج الثوار للميادين يهتفون بسقوط حكم العسكر، قال المشير طنطاوي إنه قد يلجأ لاستفتاء الشعب في أمر استمراره في السلطة. وقال ضياء رشوان، إن المشير قد وضع الثوار في "خانة اليك"، لأن نتيجة الاستفتاء ستكون لصالح استمرار المجلس العسكري في الحكم. وكتبت أنا: "هم لم يأتوا باستفتاء لينصرفوا باستفتاء"!

لقد كان المشير طنطاوي، يفكر في أمر الاستمرار في السلطة، وكان الإخوان لديهم تصور للخروج من المأزق، يتمثل في الانتخابات، في حين أن بعض الشباب كانت لديه تصورات هلامية، عن مجلس رئاسي يحكم، وقد طرحوا أسماء أعضائه في "ميدان التحرير"، وفشل التصور في التو واللحظة، عندما قال أحد من تم اختيارهم وهو حمدين صباحي إنه لا يعرف من اختاره ولا يوافق على هذا الاختيار!

لم تكن كل القوى الشبابية، التي يطلق عليها خطأ "القوى الثورية" باعتبار أن من دونهم غير ثوريين، ضد الانتخابات، فكل من وجد لديه القدرة على خوض الانتخابات البرلمانية، خاضها، كما فعل زياد العليمي، وأسماء محفوظ، وكما فعل حزب الكرامة، الذي ترشح مرشحوه على قوائم حزب الإخوان: "الحرية والعدالة"، كما أيدت الأحزاب الأخرى هذا الخيار، لكن بقيت أزمة الشبان، الذين شعروا أن البساط سيسحب من تحت أقدامهم، إذا اختار الشعب من يمثله، ولم يعد هناك مبرر لوجودهم في صدارة المشهد، باسم الثورة، التي لم يعملوا لها ولشهدائها شيئاَ حتى في لحظة القرب من السلطة، وكان كل ما يعنيهم هو "الوجاهة الاجتماعية"، بتقديم أنفسهم على أنهم الثورة. ولم يسمعوا لطلبي المتكرر بأن يذهبوا لدوائرهم ليقوموا بتثويرها استعداداً للانتخابات، لكنهم اختاروا الأسلوب الأسهل!.

لقد كانت أحداث "محمد محمود"، تستهدف تعطيل الانتخابات، والتي تحولت إلى قميص عثمان، وعلى أثر ذلك تم رفع لافتة: "الذين باعونا في محمد محمود".

لا بأس، فالإخوان باعوكم في محمد محمود، فمن الذي اشتراكم من الأحزاب التي تم التحالف معها بعد ذلك من أجل إسقاط الرئيس المنتخب، وتمثيل غطاء ثوري للثورة المضادة، في 30 يونيو؟!

لقد كانت أسماء البلتاجي في "محمد محمود"، وعندما استشهدت في مجزرة "رابعة" لم تجد من بين رافعي قميص عثمان من ينعاها أو يترحم عليها، واعتقل الشيخ حازم أبو إسماعيل ولم يجد من بين هؤلاء من يندد باعتقاله وقد كان هناك مع رجاله، فلم ينسق مع العسكر، ولم يخضع لهم يوماً، في حين أن الجميع خضعوا، وكانوا يناضلون في سبيل "القرب" من المجلس العسكري ومن أول يوم!
نعم لقد أخطأ الإخوان لأنهم نسقوا مع المجلس العسكري، فمن من الذين يطالبونهم الآن بالاعتذار لم ينسق؟!

وقد أخطأ الإخوان عندما اختاروا الشرعية الدستورية من خلال الانتخابات، فما هو البديل الثوري، الذي دعا إليه الآخرون، غير "فلنترك المجلس العسكري يحكم لمدة سنتين"، كما قال الدكتور محمد البرادعي، الذي وجد نفسه خارج الملعب فقرر أن يتصرف وفق نظرية "كيد الضرائر"!

فلم يكن أحد في الضفة الأخرى يمثل النقاء الثوري، غاية ما في الأمر أن الذين ابتذلوا الثورة، وتسولوا باسمها على أعتاب المجلس العسكري، لم يجدوا من يصارحهم بحقيقة موقفهم، فانطلقوا يتصرفون على أنهم هم وحدهم المخلصون للثورة، وعلى الإخوان أن يعتذروا!

كأنهم لم يجرموا في حق الثورة يوماً، وكأنهم لم يدخلوا كل زناة الليل إلى حجرتها في 30 يونيو.