كتاب عربي 21

المقاطعة الانتقامية بمصر تصب بخزينة الجيش

1300x600
أثير بشكل كبير في الآونة الأخيرة بمصر إمكانية استخدام سلاح "المقاطعة" من قبل المستهلكين لمعاقبة القطاع الخاص الداعم للانقلاب. 

وعلى الرغم من الحماس الكبير للموضوع، لكنني أخشى أن ينسى المتحمسون للمقاطعة المنطق الأساسي الذي يقف خلف هذا التكتيك؛ ألا وهو وجود هدف ومطلب واضح تسعى المقاطعة إليه، وبمجرد تحقيقه، يتم إنهاء المقاطعة.

هناك أمثلة كثيرة على المقاطعة التأديبية لمعاقبة بعض الشركات، والتي تكون تعبيرا عن الغضب الشعبي تجاه تصرفات سلبية من هذه الشركات بمختلف أنواعها، ولكن الفائدة من مثل هذه الحملات كانت غير ناجعة في أفضل الأحوال.

حملات المقاطعة التي يدعى إليها حاليا في مصر جديدة من نوعها؛ وهي تعبر عن حالة من المقاطعة الانتقامية، وهو الأمر الذي يحول هذا الأسلوب من تكتيك تصحيحي إلى تكتيك تدميري بحت.

والفكرة المشار إليها تتمثل في اختيار رجال أعمال بعينهم يُعتَبَرون شركاء في جرائم الانقلاب، واستهداف شركاتهم بالمقاطعة حتى الإفلاس. وهنا لا يوجد مطالب تبذل، ولا إجراءات تصحيحية يمكن أن تتخذ من قبل الشركات.

وهنا علينا أن نؤكد مرة أخرى أن هذا النهج من المقاطعة يفتقد الوظيفة الأساسية للتكتيك نفسه. والذي ينبغي أن يهدف في الأصل لتحقيق التغيير الإيجابي.

حملات المقاطعة ذاتها ما هي إلا إقرار ضمني بالواقع، الذي يقول إن هذه الشركات لديها قدر كبير من السلطة والنفوذ على سياسات الحكومة، وبإمكانها أن تؤثر على مجريات الحياة اليومية للمواطنين بحسب طريقة تعاملاتها، فضلا عن إمكانية أن تتحمل مسؤوليات اجتماعية، أو تكون بعكس ذلك. وكذلك يمكنها أن تنشط فرص التجارة العادلة، وتوفر أجورا ملائمة للعيش وظروف عمل مناسبة. وفي المقابل يمكن لهذه الشركات أن تمارس مسلكيات الغش، والاستغلال، والإفقار. كيف لا وهي مؤسسات ضخمة تابعة للسلطة.

ولذلك يجب على حملات المقاطعة أن تحمل الرؤية التي تسعى لتوظيف الطاقات بطريقة إيجابية. وأما استخدام سلاح المقاطعة بنية وحيدة تهدف إلى تدمير الشركات وإفلاس أصحابها، فذلك لن يحقق أي نتيجة إيجابية ملموسة.

هذه الطريقة ستبقى غير مفيدة وإن كانت تستهدف شركة بعينه لتكون بمثابة تحذير لشركات أخرى، فحتما لن تعدم الشركات الأخرى الوسيلة لتجنب استهدافها بتلك الحملات. وهنا تنبه هذه الحملات تلك الشركات وتحذرها من شيء بعينه إما أن تفعله وإما أن تتجنبه. 

وبعبارة أخرى، إذا كانت الشركة المستهدفة لا يوجد لديها طريقة لرفع المقاطعة، فإن الشركات الأخرى سوف تمتلك الوسيلة للتأكد من أنها ليست مستهدفة بالمقاطعة. ودون وجود أي مطالب ودون أي وسائل لإرضاء المقاطعين، سيتم إبطال القيمة الوقائية المحتملة لهذه الحملة.

وبافتراض أن هذه الأنواع من الحملات حققت أهدافها، واستطاعت تدمير الشركات المستهدفة بالواقع حد الإفلاس، فإن النتيجة ستكون بوضوح و ببساطة هي مزيد من البطالة لعمال الشركة، وإضافة حصة الشركات المستهدفة في السوق لمنافساتها من الشركات الأخرى.

ولذلك يجب علينا الأخذ في الاعتبار، أن المقاطعة يجب أن لا تقرأ أهدافها جيدا فقط، بل تسعى لاستشراف قائمة المستفيدين من وراء هذه الحملات. فالطلب على السلع الاستهلاكية لا يتوقف، لكنه ينتقل ببساطة إلى مصادر أخرى.

خلاصة القول، إذا كان الدافع لهذا الأسلوب من المقاطعة هو التعبير عن مدى المعارضة الشعبية للانقلاب، فهو تعبير مبهم، ولا يستحق ردا عليه من النظام، والنتائج العملية لمثل هذه المقاطعة من شأنها أن تعزز القوة الاقتصادية للجيش، ذلك أن المؤسسة العسكرية ستكون في وضع ملائم جدا لتحل محل الشركات المُقاطَعة بمجرد انهيارها.