قضايا وآراء

انقلاب مصر.. شرعنة للعنف والخيانة!!

1300x600
أراد مشايخ الانقلاب العسكري في مصر أن يضعوا له إقرارا وغطاء شرعيا، وذلك بتبريره بأمرين عقليين، مدعين إقرار الشرع لهما، الأول: بأنه حاكم متغلب يمتلك القوة والسلاح، والآخر: أن مفاصل الدولة أو (الدولة العميقة) في يد من قاموا بالانقلاب، هذا كلام جميل، يا سادة أنتم دون أن تدروا تقنون لحمل السلاح في البلد، وأنكم ستسمعون وتطيعون لمن يمتلك القوة والسلاح، فهي دعوة إذن لكل من يريد الانقلاب على حاكم بامتلاك السلاح والقوة!! 

وما يحتج به مشايخ العسكر وغيرهم من حزب النور وأمثالهم: أن الدولة ومفاصلها لم تكن مع محمد مرسي، ولا الثورة، وينسون بذلك أنهم هنا أيضا يؤصلون لفقه الخيانة للوطن، فالموظف أو الدولة العميقة في النهاية مجموعة من الأفراد الذين يعملون في الدولة، ويتقاضون راتبا على ذلك، ليكونوا خَدمًا للدولة والمواطن، وليسوا خدما لمشروع خاص بهم، أو لفئة معينة، أو لتيار سياسي معين، ومعنى ذلك: أنك تجيز لمن يخالفك الآن أن يخرب البلد، وأن يعطل مصالح الناس، ليثبت هو الآخر أن الدولة ليست في ملك يدك، وأنها لم تدن وتستقر لك، وأنك فاقد للسيطرة على مفاصلها. 

لم يتكلم هؤلاء المشايخ المتمسحون في الدين زورا وبهتانا عن حكم تقاضي هؤلاء (الدولة العميقة) لرواتبهم خلال سنوات الثورة، وسنة حكم مرسي، ثلاثة أعوام كاملة، كان يذهب لهم المواطن في أقسام الشرطة وغيرها من المصالح الحكومية لقضاء مصلحة، أو للإبلاغ عن سرقات تتم غالبا بتنسيق منهم مع اللصوص المسجلين لديهم، فيرد على أي مواطن بهذا القول: نحن في أجازة أربع سنوات هي مدة حكم مرسي، وقبل حكم مرسي يقال للناس: عملتم ثورة خلوا الثورة تنفعكم!! فقد برر مشايخ الانقلاب لهم بأنهم متمكنون من مفاصل الدولة، ولم يبينوا هل التمكن من مفاصل الدولة يحل لهم أكل الحرام، وتعطيل مصالح الناس، وإفساد الوطن؟! وهل ما تقاضوه من مال يعد حلالا أم حراما؟!!

ويغفل هؤلاء أمرا أهم، وهو أنهم يحكمون على ما يترتب على الفعل، ولا يحكمون على الفعل نفسه، كمن يحكم على حمل من الزنا، والحكم فيه، وهل يعيش أم لا؟ بينما ينسى أن يبين حكم ومصير الأم والأب الزانيين، وهو يقينا إقامة الحد عليهما.

بل الأدهى والأمر أن هؤلاء المشايخ لم يكتفوا بالصمت على جرائم هؤلاء، بل قاموا بمكافأتهم على خيانتهم للعمل والوطن، فأعطوهم على ذلك جواز حكم الدولة بكاملها!! وهذا أشبه بمن اغتصب امرأة من قرية، فذهب الناس لشيخ القرية يستفتونه ومعه المجرم، فإذ بالشيخ يقول لهم: إن قدرته على اغتصاب المرأة، دلالة على أنه قوي، ويمتلك القوة، وبما أن القرية صمتت أو صمت نصفها، وأيده، فهذا دليل على أن مفاصل القرية في يده، ولذا أفتيه بجواز إكمال جريمته، ويحل له اغتصاب بقية نساء القرية!!!

إن الإقرار بالانقلاب العسكري بهذه المبررات الخائبة، هي شرعنة لأن يحمل الناس السلاح ضد هذا النظام إذ إنه اكتسب شرعيته -حسب كلامهم وتبريرهم- من سلاحه وقوته، واستخدم شرعية انقلابه بأنه مسيطر على الدولة وخانها في مرحلة حكم مرسي، وهم بذلك يفتون دون أن يدروا بجواز حمل السلاح لتغيير الأنظمة، وجواز خيانة الدولة لإسقاط نظام لا يريدونه، فليس عيبا إذن أن نجد جماعة مسلحة تريد الوصول للحكم، وليس عيبا إذن أن نجد أناسا يعطلون مصالح الشعب، ومرافق الدولة، بغية إسقاط نظام، ألم يكن ذلك مسوغا سوغتموه، وشرعنتموه لإسقاط نظام مرسي؟!!

كما أنه لم يعد من المقبول دينيا منهم: أن يفتوا بتجريم أو تحريم أن يحمل خصومهم السلاح أو القوة لتغير هذا النظام المنقلب الذي أيدوه، ولا أن يغلق المواطن المعارض مرافق الدولة، أو يعطلها عن أداء مهمتها، بأي طريقة كانت، لأنكم ببساطة قد شرعنتم الانقلاب على الصندوق والدولة بالسلاح والخيانة!!

(ملحوظة) ما ذكرناه هنا هو نقاش لأدلة وحجج من أيدوا الانقلاب وادعوا تأييد الشرع له بدعوى فقه التغلب، وهو ما نرفضه تماما، ونرفض ما يبنى عليه من نتائج.