مقالات مختارة

التحدث في الزمن الصعب

1300x600
من الطبيعي أن يختلف السياسيون وتختلف آراؤهم في المشاكل التي تجعل من الأخ عدواً لأخيه، ومن الأب عدواً لابنه! فنحن نتحدث عن أرواح وموت ودم... نتحدث عن صدمة أودت بحياة 30 ألف شخص، وأثرت بكل فئات الشعب. ولكن هناك حزب سياسي تقدم خطوات من أخطر الخطوات في تاريخ الجمهورية؛ ليتمكن من حل هذه المشكلة العميقة التي تهدم وتحرق.

وقد نجح حزب "العدالة والتنمية" الذي يعتبر أكثر الأحزاب حزماً ضد الإرهاب بالتقدم هذه الخطوات. والآن أصبح بإمكاننا أن نتحدث عن تركهم السلاح، وتمكنهم من المشاركة في الحياة السياسية، ومشاركتهم الشعب حياتهم، كما يمكننا التحدث عن تعديلات دستورية جديدة؛ أي أننا نتحدث عن إنهاء هذه المشكلة الدموية بشكل كلي.
 
نعيش أياماً صعبة 

الانتخابات بعد شهرين، ولكن البلد لازالت تتجادل في التغير الجذري في النظام والدستور. ورغم الصدمة التي أدت إلى وفاة 30 ألف إنسان، فإن الحكومة ستنفذ خطة السلام. وفي المستقبل ستحدثون عوائل الشهداء عن كل هذا... ستحدثون عوائل الإرهابيين، وستحدثون كل هذه الأمة. 

الحرب سهلة، والتحدث عن السلام صعب. الجميع متوتر وغاضب، فهناك رئيس جمهورية جديد، ورئيس وزراء جديد، وحكومة جديدة، وهم بحاجة إلى بعض الوقت ليتمكنوا من القيام بعملهم على أكمل وجه. 

قبل أن ينتهي "حزب العمال الكردستاني" ظهر "التنظيم الموازي

في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لإنهاء أكبر تنظيم إرهابي في تاريخ تركيا وهو "حزب العمال الكردستاني" ظهر تنظيم آخر يعتبر أخطر تنظيم في تاريخ الجمهورية؛ فـ"الكيان الموازي" لا يريد انتهاء المشكلة الكردية، ولا يريد حكومة حزب "العدالة والتنمية"، ولا يريد أن تقوى الفئة المحافظة في تركيا، وهو تنظيم قوي له علاقات خارجية ومصادر تمويل تجمد العقول!

إنه تنظيم فرّق الأمهات عن أبنائهن، وجعل الأخ عدواً لأخيه، ومزق العائلات، وقام بتهجيرهم وحرق قلوبهم، فليس غريباً أن يختلف السياسيون حين يتجادلون في هذا التنظيم؛ فالتنظيم الذي يجعل الأب عدواً لابنه لا يعجز عن جعل السياسيين أعداء لبعضهم!

نعيش أياماً صعبة... 

من الطبيعي أن يغضب الناس الذي يقعون تحت الضغط من كل جهة. كل يوم يتلقى السيد "أحمد داود أوغلو" رسائل محزنة من ممثلي دول العالم الإسلامي... الأمة كلها تبكي دماً، وتنتشر حولنا في كل الاتجاهات الحروب والفوضى والإرهاب، والجميع ينتظر مساعدة تركيا، أما تركيا فهي تختنق تحت المؤامرات الدولية، وبعد شهرين سيدخل السيد "داود أوغلو" الانتخابات لأول مرة كرئيس وزراء، ولكن الجميع ينتظر منه الكثير، وحمله ثقيل جداً، وهمه كبير. 

هم أيضاً بشر مثلنا، ومن الطبيعي جداً أن يصيبهم التوتر تحت كل هذه الضغوط، قد يبكي هؤلاء دماً، ولكنهم في اللقاءات الصحفية لا يناقشون، ويبدون في قمة الثقة والتفاؤل. 

نحتاج إلى أشخاص حكيمين في هذه الأيام الصعبة

إنها أيام تحمل آلام العوائل والأبناء، وأرواح 30 ألف شهيد، والتنظيمات الإرهابية، والتغييرات السياسية. ومن المحتمل أن يحدث جدل جدي أكثر، وقد تحدث شجارات. 

إنها أيام صعبة الى هذا الحد!

التحدث في أيام السلام أمر سهل، ولكن التحدث في الأيام الصعبة صعب جداً، فهو يحتاج إلى صبر كبير ومهارة وحكمة. الأيام الصعبة تحتاج إلى أشخاص مثقفين صابرين أقوياء القلوب، لا تحتاج إلى شخص يستعطف بل إلى شخص يعطف، ولا تحتاج إلى شخص يحرك الشعب بل إلى من يعمر، ولا تحتاج الى من يشعل النيران بل إلى من يخمدها. 

من يخرج الفتن في الأيام الصعبة

في هذه الأيام يظهر من يشعل الفتنة وأصحاب المصالح وأصحاب المؤامرات بشكل واضح، وقد ظهر من يسعى إلى الإصلاح، ومن يسعى إلى أن يعلم السياسيين كيف يعملون في السياسة، ومن يتحيز إلى طرف دون الآخر، ومن يسعى إلى سرقة مناصب الآخرين، وهم كما وصفهم "أردوغان": "هؤلاء لا يعرفون أنفسهم، ولا يعرفون حدودهم، ولا يعرفون نسلهم، ولا يعرفون من أين جاؤوا، ولا إلى أين يذهبون... لا يقولون خيراً ولا يصمتون". لذلك الأيام الصعبة ذات بركة؛ حيث إننا من خلالها نستطيع أن نميز الخبيث من الطيب. 

أعين العالم الإسلامي علينا 

لقد رأيت عشرات الأزمات المشابهة لهذه...
 سترون قادة المعارضة سيحلون المشكلة بينهم من جديد، وسيدخلون الانتخابات. جميعهم الآن يتمنى تمزيق حزب "العدالة والتنمية" ليصل إلى الحكم، ولكنهم سيصابون بخيبة أمل من جديد. فقادة تركيا ليسوا قرة عين تركيا وحدها، بل هم قرة عين العالم الإسلامي أجمع! لذلك يترقب العالم الإسلامي نتائج الانتخابات بفارغ الصبر. ولذلك نحن في فترة صعبة...

صحيفة يني شفق