إن الخير والشر لا يوجدان (ولا يتصارعان) وجودا موضوعيّا برانيّا مُطلقا في الحياة الدنيا، وإنما يوجدان بصورٍ نسبيَّة في روع الإنسان، وفي تصوره؛ اعتمادا على من وقع عليه "الابتلاء" وزاوية نظر المتكلم
ألم تكُن هذه هي حُجَّة الذين سفَّهوا أمر وباء كورونا في مصر، حتى استبطن الدهماء حُجتهم بالكامل ودافعوا عنها بفخرٍ أبله، كأنهم صدَّقوا أننا جنسٌ مُصفَّح منيع؟!
إننا بصدد أزمة حقيقيَّة؛ أزمة تكوينيَّة، أزمة أخلاقيَّة ونفسيَّة واجتماعيَّة عنيفة. ولعلَّنا نكون أكثر الشعوب العربيَّة التي تعرَّضت لهذا التجريف والتشويه الممنهج خلال العقود الماضية
رغم أن الأستاذ محمد قطب لم ينتم في حياته قط لتنظيم الإخوان المسلمين، ولا لأي تنظيم آخر؛ سواء في حياة شقيقه الشهيد أو بعد استشهاده (في 1966م)، إلا أن الصحافة وصفته (أو وصمته!) بأنه المفكر "الإخواني"
ولسنا هنا بصدد التفصيل في أمر التيارات النقديَّة التي حطَّمت أصنام "الديمقراطية" و"العلم" و"التقنية" و"التقدم"… إلخ، وإنما أردنا من هذه الإشارة السريعة، التنبيه على حاجة السؤال نفسه إلى إعادة صياغة، سواء أكان ذلك من منطلق "تُراثي" أو حتى من مُنطلق "تغريبي"؛ وذلك في ضوء المعطيات التي تغيَّرت جذريا.
بعد أن كانت مهمة الناشر اكتشاف الأدباء والكتاب والمفكرين (كما فعل السحار مع نجيب محفوظ مثلا)، وإلقاء الضوء على المواهب الحقيقيَّة والعقول النيرة؛ راح هؤلاء الشباب يتلقفون مشاهير المدونين (بقطع النظر عن محتوى ما ينشرون)، ثم مشاهير شبكات التواصل الاجتماعي.
تم تهميش الكتاب الفكري بشكل شبه كامل في أكبر داري نشر في مصر، انسياقًا وراء موجة الرواية. وهي الموجة التي لم تصطنعها الدور الكبيرة، ولا الدولة، ولا حتى الغياب الموهوم للكتاب الإسلامي؛ وإنما اصطنعتها دور صغيرة، تمتَّعت بتمويل أوروبي سخي؛ وركب الجميع موجتها طمعًا بالربح الوفير.
تجربة التاريخ القريب تُعلِّمنا أن لحظات الانتعاش والانفراج القصيرة، التي شَهِدتها الصناعة (خلال الخمسة وسبعين عاما الماضية) قد أعقبت دوما حِقَبَ قمعٍ سياسي شديد، وتدهور تعليمي أشد فكأنها لحظات انفجاريَّة يجنح فيها القارئ خلال سنوات قِصار لتعويض ما فاته في عقود، فكأنه يستفيق مؤقتا من إغماءة إجباريَّة
لمهنة النشر في مصر آباء مؤسسون، كسائر المهن؛ بعضهم رفع قواعد البناء، والبعض وضع لبنة واحدة فحسب، وذلك قبل أن تنطفئ الجذوة؛ فتنحط العائلة، أو تُغيِّر مسارها، أو حتى ينتقل أفرادها لمهنةٍ أخرى بالكليَّة.
إن الكتاب مخزنٌ لقيم الأمَّة، وما يحتويه هو أداة نهضتها وعزَّتها. ولا تُفلِحُ أمة تتعامل معه ومع ما يحتويه كما تتعامل مع الأحذية؛ تقيس قيمتها بلمعانها!
تحول "الثقافة" و"الفن" إلى صناعة: خط إنتاج ضخم يجب ألا يتوقَّف. ومن ثم، يجب تحييد كل العناصر الإبداعيَّة الحقيقيَّة، وتهميش كل القيم الإنسانيَّة، وهو ما لا يتم إلا بتشويه ومسخ الفطرة.
إذا كان الشغف با?داب ديدن الشباب، وحكم "الصنعة"، في حالة كاتبنا العظيم؛ فإن التأمُّل في الكون وما يصدُر عنه من تفلسُفٍ هو "صنعة" الشيوخ، الذين عركتهم الحياة وتركت ندوبها على أرواحهم