بدأ
البرلمان التونسي، الأربعاء، مناقشة مشروع قانون مصالحة اقتصادية مثير للجدل لإعفاء مسؤولين ورجال أعمال من نظام الرئيس الأسبق زين العابدين
بن علي متهمين في قضايا فساد مالي وسط موجة رفض قوي من أحزاب ومنظمات تعهدت بالتظاهر للتصدي للمشروع.
وقالت سناء المرسني النائبة بالبرلمان إن لجنة التشريع العام "ستبدأ أخيرا مناقشة قانون المصالحة الاقتصادية المقترح من رئاسة الجمهورية في اللجنة بعد تأخير دام عامين".
وكان المشروع أحيل في 2015 للبرلمان لكن موجة الرفض الشعبي أجلت مناقشته عدة مرات.
يتيح مشروع القانون لرجال الأعمال رد الأموال المنهوبة بفائدة لا تتجاوز الخمسة بالمائة مع عفو ضريبي بنسبة 30 بالمائة على أن تجري تبرئتهم إذا أعادوا ما نهبوه من أموال إلى خزينة الدولة.
ورغم التوافق السياسي الواسع الذي حظي بإشادة دولية وساهم في انتقال ديمقراطي سلس في تونس مهد انتفاضات الربيع العربي إلا أن مشروع القانون هذا ما زال يثير الانقسام بين التونسيين الذين يرى بعضهم طي صفحة الماضي في حين يرفض آخرون مسامحة رموز فساد نظام بن علي.
ويقول المسؤولون إنهم يأملون من خلال القانون في إنعاش الاقتصاد بمليارات الدولارات وإعطاء إشارات إيجابية للمستثمرين في الداخل والخارج لضخ أموالهم. وتعاني تونس من عجز مالي كبير في ظل انحسار مواردها وتباطؤ النمو الاقتصادي إلى حوالي 1.1 بالمائة في 2016.
لكن المعارضة ومنظمات كثيرة تقول إن المشروع بمنزلة تطبيع مع الفساد وتشجيع على إعادة إنتاج الانتهاكات.
وتعهدت حملة "مانيش مسامح" بالخروج للشوارع حتى إسقاط القانون. ودعت إلى احتجاجات يوم السبت المقبل في أول تحرك لها من نوعه. واستبدل مئات من الشبان صورهم على شبكات التواصل الاجتماعي بصور مكتوب عليها "لن يمر".
وقال المحامي شرف الدين قليل عضو الحملة: "المشروع خطير ويكرس عدم المساواة بين التونسيين وهو مكافأة ورد للجميل من رئيس الجمهورية لمن دعموه من رجال الأعمال خلال الحملة الانتخابية في 2014".
وأضاف: "النظام السابق الذي ثار ضده الشعب يريد أن يستغل وجوده في السلطة لتمرير مشروع تبييض الفساد ومحاباة رجال الأعمال الفاسدين ولكن الفيصل بيننا سيكون الشارع ولن يمروا".
كانت أحزاب معارضة من بينها التيار الديمقراطي والجبهة الشعبية تعهدت بإسقاط القانون ووصفته بأنه يتعارض مع مسار العدالة الانتقالية ويهدد التحول الديمقراطي في تونس.
وأظهرت وثيقة مسربة نسبتها مواقع إنترنت إلى رئاسة الجمهورية خطة اتصال للترويج لمشروع المصالحة تتضمن لقاءات مع إعلاميين محليين وسياسيين في المعارضة في مسعى للترويج لقانون المصالحة أمام جبهة الرفض وتفادي أي احتجاجات متوقعة.
وقدم مدير ديوان الرئيس سليم العزابي، تقريرا أمام البرلمان وقال إن "الرئاسة منفتحة على تعديل مشروع القانون".
وطالبت منظمة الشفافية الدولية البرلمان التونسي بعدم المصادقة على مشروع قانون المصالحة الذي اقترحه الرئيس التونسي وحذرت من أن إقراره سيشجع على الفساد واختلاس المال العام. وعبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن رفضها للقانون.
ودعا اتحاد الشغل ذو النفوذ القوي الرئاسة إلى التريث، مضيفا أن البلاد في غنى عن مزيد من الاحتقان خصوصا أن مناطق عديدة تشهد احتجاجات اجتماعية بالفعل.
وقالت النائبة المرسني: "نعي جيدا أننا نناقش المشروع تحت ضغط قوي لأنه يثير جدلا ورفضا ولكن أي جدل يجب أن يكون في البرلمان الذي ستكون له الكلمة الفصل.. تلك هي الديمقراطية".
ومن المتوقع أن تعقد الشهر المقبل جلسة عامة للمصادقة على المشروع بعد الانتهاء من مناقشته ضمن لجنة التشريع العام.
ويعول الرئيس الباجي قائد
السبسي على دعم شريكه في الحكم حزب النهضة الإسلامي للتصديق على القانون.
وقال محسن حسن القيادي بحزب نداء تونس الحاكم إن "هناك توافقا بين أغلب مكونات الائتلاف الحاكم الذي يضم حزب النهضة على إقرار القانون"، مضيفا أن "الوضع الذي تعيشه البلاد يقتضي المصالحة".
وكشف أن المشروع سيشمل حوالي 400 رجل أعمال مما سيساعد على تشجيع الاستثمار.
وكان السبسي قال الشهر الماضي إن "مئات الموظفين الذين نفذوا تعليمات دون أن يحققوا مكاسب شخصية سيشملهم مشروع المصالحة". وقال إن "الإدارة التونسية مكبلة بسبب الخوف من اتخاذ أي قرار وإن أوان المصالحة قد آن بهدف إنعاش الاقتصاد الذي يحتاج إلى استثمارات".
لكن أستاذ القانون
الدستوري جوهر بن مبارك حذر من أن الموافقة على هذا القانون ستسقط كل قضايا وملفات الفساد وتوقف كل الأحكام القضائية في هذا الشأن.