نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للكاتب جيمس ماكولي، يقول فيه إنه خلال أقل من أسبوعين قد تصبح مارين
لوبان أول امرأة فرنسية تفوز في السباق الرئاسي، إلا أنها تسوق نفسها بالطريقة التي تخدمها.
ويقول ماكولي: "عندما صعدت لوبان يوم الأحد للمسرح، بعد تأهلها للجولة الثانية من
الانتخابات الرئاسية، لم يكن هناك حديث عن السقف الزجاجي الذي لا يسمح للمرأة باختراقه، ولا عن حقوقها أو قضايا الجنس، رغم الدور الذي أدته هذه المواضيع في صعودها المثير من حزب هامشي متطرف إلى أروقة السلطة".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن محللين لاحظوا أن لوبان تتحدث عن قضايا المرأة عندما تريد تشويه صورة المسلمين، حيث تقول سيسل أولدي، مؤلفة كتاب عن خطاب لوبان، والمحاضرة في السياسة الفرنسية في جامعة ستانفورد الأمريكية: "استخدمت لوبان قضية الجنس لمنفعتها"، مضيفة في تصريحات لصحيفة "واشنطن بوست" أنها استخدمتها دائما "للتقليل من شأن الإسلام، ولم تتحدث أبدا عن ظرف المرأة إلا عندما كانت تريد استهداف الإسلام والمهاجرين".
وتقول الصحيفة إن "لوبان، المرشحة الأنثى للرئاسة الفرنسية، هي زعيمة حزب عارض حقوق المرأة طوال تاريخه الممتد على 55 عاما، فهي من جهة تعد المرشحة الأنثى الوحيدة التي تحاول الوصول إلى السلطة في نظام سياسي يسيطر عليه الرجال، ومن جهة أخرى عارضت بصفتها الرسمية نائبة في البرلمان الأوروبي، القوانين التي لها علاقة بتحسين صحة المرأة وسلامتها كلها".
ويلفت الكاتب إلى أن "لوبان قامت يوم الأربعاء بالإعلان عن شعارها الأخير للجولة الثانية في الانتخابات (اختر
فرنسا)، الذي كتب على صور المرشحة كلها، حيث جاء الشعار في ضوء البطلة الفرنسية ماريان، آلهة الحرية الفرنسية، التي يزين وجهها كل بلدة ومدينة في فرنسا، وعليه فإن الخيار لم يكن دون أهمية، وفي حملة انتخابية شرسة تتركز في النهاية على الهوية الوطنية الفرنسية، فإن الرسالة واضحة، ماريان هي مارين، ومارين هي بيضاء وشقراء".
ويقول ماكولي إن "مارين في حملتها الخاسرة لانتخابات الرئاسة عام 2012، لم تركز كثيرا على قضايا المرأة، ولم تركز جهدها على استهداف الناخبات الفرنسيات، وهذا حساب سياسي جيد في ظل نتائج الانتخابات السابقة، وعندما فازت سيغولين رويال في الجولة الثانية مرشحة للاشتراكيين عام 2007، وحاولت جذب الناخبات الفرنسيات كونهن هدفا رئيسيا، وفي النهاية لم تكن رويال ناجحة، ورغم رهانها فإن الناخبات الفرنسيات قررن دعم منافسها المحافظ نيكولاي ساركوزي، وفي هذا العام يبدو أن لوبان، التي تدعو إلى سياسة قائمة على (المجتمعية)، التي تعارض المساواة العامة، غيرت أسلوبها".
ويفيد التقرير بأن لوبان ظهرت في عدد من المشاهد التي يصعب تصورها وهي تقتبتس كلام مفكرات أنثويات، مثل سيمون دي بوفار وإليزابيث بادنتير، وتحدثت عن نفسها بصفتها "امرأة وأما فرنسية"، وأشارت إلى كفاح "جداتنا" في خطاباتها.
وبحسب الصحيفة، فإن "النقاش حول الهوية الوطنية في فرنسا تجلى من خلال الحديث حول جسد المرأة، وما يجب أن يظهر منه وما يخفى، أو ما ترتديه بعض النساء المسلمات اللاتي اخترن أن يخرقن مبدأ العلمانية الفرنسي الأسمي، ففي عام 2004، قررت فرنسا منع ارتداء الحجاب في المدارس العامة، وفي عام 2010، قررت منع النقاب، وشهد عام 2016 نقاشا حادا حول زي السباحة للمحجبات المعروف بالبوركيني، الذي سمح للمرأة بالتمتع بالبحر والشاطئ والحفاظ في الوقت ذاته على التقاليد، وكانت لوبان سريعة لاستثمار الحروب الثقافية التي تتخمر".
ويبين الكاتب أنه "في شباط/ فبراير رفضت لوبان مثلا ارتداء الحجاب عندما ذهبت لمقابلة مفتي لبنان، وأخبرت الصحافيين أن رفضها الحجاب نابع من التزامها بتحرر المرأة، وقالت: (لقد أرادوا فرض هذا علي ووضعي أمام خيار لا مفر منه، حسنا لا أحد يفرض علي خيارا لا مفر منه)".
وينوه التقرير إلى أن لوبان نشرت في مدونتها، التي تحتفظ بها في موقع حملتها الانتخابية "دفاتر الأمل"، في 8 آذار/ مارس، وفي يوم المرأة العالمي، مقالا قالت فيه: "معي ستبقى المرأة الفرنسية حرة"، وتحدثت بالطريقة التي تتحدث بها ذاتها قائلة إنها تتحدث بصفتها امرأة لنساء بلدها كلهن، لافتا إلى أنه لم يكن الموضوع الرئيسي الذي ركزت هو التفاوت في الرواتب بين المرأة والرجل، الذي تصل نسبته إلى 17%، بل كرست أكثر من نصف المقال لما وصفته "التهديد العميق لظروف المرأة في بلدنا اليوم"، الذي حددته بـ "صعود الأصولية الإسلامية في أحيائنا ومدننا".
وتورد الصحيفة نقلا عن الجماعات المدافعة عن حقوق المرأة والأنثويات، وعددها كبير، التي رفضت خطاب لوبان، قولها إن استخدام المرشحة للمهاجرين المسلمين يكشف عن نفاق في معتقداتها، حيث أنه بعد تقارير من السلطات الألمانية أن مهاجرين "من شمال أفريقيا أو عربا" قاموا بالاعتداء على النساء في كولون أثناء احتفالات العام الجديد عام 2015، نشرت لوبان مقال رأي، قالت فيه إن "أزمة الهجرة تمثل بداية النهاية لحقوق المرأة".
ويستدرك ماكولي بأن المتحدثة باسم منظمة "أوسي لو فيمنيزم" (تجرئي أن تكوني أنثى) كلير سير- كومب، قالت إن لوبان ظلت صامتة نوعا ما على العنف المنزلي الممارس من الرجل الأبيض ضد المرأة، وهو أمر شغل الرأي العام، مشيرا إلى أن أولدي قالت إن لوبان ليست معنية بأمور المرأة، "وهي ذكية جدا، ولا تتحدث كثيرا عن حقوق المرأة مقارنة مع والدها، لكنها لم تدع إلى إلغاء حقوق المرأة، لكنها تركت لابنة أختها ماريون أمر الوعد بإلغاء النسخة الفرنسية من تحديد الأبوة".
ويشير التقرير إلى أن ماريون مارشال لوبان، البالغة من العمر 27 عاما، وهي عضو منتخبة للجمعية الوطنية، قالت في مقابلة معها في مكتبها هذا الشهر، إنها تكره كلمة "جنس (جندر)"، وأضافت: "هل تعني (الجنس)؟ لأنني ضد النظرية الأنثوية"، لافتا إلى أن مارشال لوبان مثل خالتها، مطلقة وأم، وهي ناقدة شرسة لقانون الإجهاض الفرنسي، لكنها قالت في المقابلة إنها ضد الإجهاض اللامحدود، وعندما سئلت عن تجربتها بصفتها امرأة في السياسة، فإنها قالت إنها تمثل رصيدا، وأضافت: "أستطيع لفت انتباه الناس، ولدي صوت قوي للتواصل مع الناس بسبب شبابي، والطريقة التي أعبر فيها عن نفسي".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن لوبان، التي رفض مساعدوها إجراء مقابلة، عبرت عن نفسها في مقال كتبته في يوم المرأة العالمي، قائلة: "معي، فإن بلد بريجيت باردو ستبقى حرة"، لافتة إلى أن باردو هي ممثلة فرنسية شقراء من فترة الستينيات من القرن الماضي، ومعجبة شديدة بلوبان، وحوكمت عام 2008 عندما أثارت الكراهية ضد المسلمين، عندما كتبت أن "المسلمين يدمرون بلدنا؛ لأنهم يفرضون طريقتهم في الحياة علينا".