نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا، تحدثت فيه عن "الإصلاحات" التي أعلنت عنها المملكة العربية
السعودية، والتي أثارت حفيظة عدد كبير من المواطنين، الذين حرض بعضهم عبر تغريدات في موقع "تويتر" على النزول إلى شوارع الرياض؛ للاحتجاج على الإجراءات
التقشفية الجديدة التي أطلقتها الحكومة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن هذه
السياسة التقشفية تندرج ضمن الرؤية الجديدة للاقتصاد السعودي التي سطر بنودها ولي ولي العهد،
محمد بن سلمان آل سعود، الممتدة لغاية سنة 2030، مشيرة إلى أن هذه الرؤية لقيت قبولا وترحيبا من قبل العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز.
ونقلت عن أحد المقاولين الغربيين العاملين بالسعودية، قوله إن "الشعب السعودي ليس وحده من تذمر من سياسة التقشف الجديدة، فقد أبدى العديد من جنرالات في الجيش امتعاضهم من هذه السياسة، خصوصا أن أجورهم تدنت إلى نحو 35 ألف ريال سعودي، بعد أن كانت تقدر بحوالي 50 ألف ريال، أي ما يعادل 12 ألف يورو".
وذكرت الصحيفة أن التقشف الحكومي ارتكز بالأساس على إلغاء "البدلات"، وهي عبارة عن مكافآت وامتيازات يتمتع بها الموظفون، حيث تعد بمثابة دعم حكومي في مجالات السكن، والتكوين، والمخاطر الناجمة عن الإرهاب، وتمثل قرابة 40 بالمئة من الدخل الشهري للموظف السعودي.
وأكدت أن الحكومة سارعت إلى تبرير قراراتها الجديدة، حيث بينت أن سياسة التقشف من شأنها أن تنعش ميزانية الدولة، التي تعاني من عجز قدره 79 مليار دولار (أي ما يعادل 73 مليار يورو) منذ سنة 2016.
وأوضحت أنه "لا يخفى على أحد أن أسباب عجز ميزانية السعودية يعزى بالأساس إلى انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية"، مشيرة إلى أن نائب وزير الاقتصاد السعودي، محمد التويجري، أفاد بأن "برنامج ترشيد الإنفاق يسير على أكمل وجه، خصوصا إثر نجاحنا في توفير إيرادات مالية جديدة".
وبينت الصحيفة أن الحكومة السعودية تفطنت لانتشار دعوات
الاحتجاج على مواقع الاتصال الاجتماعي، فبادرت إلى نقض المرسوم الملكي المتعلق بإلغاء البدلات، لافتا إلى أن "السعودية لم تشهد مطلقا اندلاع مظاهرات شعبية في الشوارع".
وأشارت إلى أنه "على إثر عدول الحكومة عن قرار إلغاء البدلات في وقت وجيز، رأى بعض المراقبين أن الحكومة تراجعت عن قرارها؛ خوفا من أن تفقد دعم كل من الطبقة المتوسطة والشعبية في المملكة، والتي يشتغل أغلبها في القطاع العام".
ونقلت عن أستاذ في جامعة الأميرة نورة، وهي مؤسسة تعليمية مخصصة للفتيات، قوله إن "أغلب زملائي فقدوا حماسهم بعد السياسة التقشفية، حيث رفض كثيرون منهم مزاولة عملهم"، مضيفا: "لقد استهزأ زملائي بقرار ولي ولي العهد، محمد بن سلمان آل سعود، وتبادرت إلى أذهانهم عدة أسئلة، مثل لماذا يحرمنا محمد بن سلمان من حوافزنا وامتيازاتنا، في حين أنه ينفق ثروة طائلة على الحرب في اليمن، فضلا عن أنه يهمّ بإنشاء مدينة ملاه؟".
وكانت الحكومة السعودية أعطت الضوء الأخضر، في بداية نيسان/ أبريل الماضي، لانطلاق عملية بناء مدينة ترفيهية ضخمة جنوبي العاصمة الرياض. ويندرج هذا المشروع ضمن الرؤية المستقبلية التي رسمها محمد بن سلمان آل سعود للمملكة مع حلول سنة 2030.
وذكرت الصحيفة أن الحكومة بصدد اتخاذ تدابير أخرى، أبرزها "الرفع في قيمة الأداء على التبغ بنسبة 100 بالمئة، والمشروبات الغازية بنسبة 5 بالمئة، مع مواصلة رفع الدعم الحكومي عن كل من الماء والكهرباء والغاز، الذي شرعت فيه الحكومة في سنة 2015".
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي أحمد آل إبراهيم، إن "فاتورة استهلاكي للكهرباء كانت لا تتجاوز 250 ريالا، أي ما يعادل 60 يورو، على الرغم من استخدامنا لمكيف الهواء طيلة فصل الصيف، علما بأن منزلي تبلغ مساحته 500. أما اليوم، فتجاوزت الفاتورة عتبة ألفي ريال".
وأضاف آل إبراهيم: "يجب علينا أن نتحكم في استهلاك الكهرباء، فقد تعودنا على الدعم الحكومي إلى درجة أننا قد لا نبالي بالخروج من المنزل لمدة شهر، تاركين جل المصابيح مضاءة.. ينبغي على الحكومة العمل على تغيير طريقة تعاطي المواطنين مع هذه المسائل الحساسة".
وفي الختام، أكدت الصحيفة أن نجاح المستقبل السياسي لمحمد بن سلمان "رهين نجاح رؤيته المستقبلية طويلة الأمد. وفي حال فشل في تحقيق أي إنجازات تذكر، فستقل حظوظه في خلافة والده، ما سيفتح الأبواب على مصراعيها في وجه ولي العهد محمد بن نايف، لخلافة العاهل السعودي في المستقبل".