ثلاث سنوات مرت على إطلاق
عملية الكرامة، التي كانت الخيار الثاني لخليفة
حفتر بعد فشل محاولته السيطرة على مقاليد الأمور، بإعلانه انقلابا عسكريا من العاصمة طرابلس في شباط/ فبراير 2014، فكان الخيار الثاني مأساويا بالنظر إلى حجم الخسائر التي يدركها أهل
بنغازي والمدن المجاورة قبل غيرهم.
وأجزم أن أهل المدينة سيستيقظون على صدمة كبيرة لحجم الدمار الذي لحق بقلب بنغازي، مقابل نتائج محدودة سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
تجربة الحرب المريرة هي أحد أهم أسباب إعادة النظر في المقاربة الأمنية والحسم العسكري الذي عول عليه حفتر لتحقيق مشروعه السياسي، فقد خسرت المنطقة الشرقية عشرات الآلاف من أبنائها بين قتيل وجريح أمام كتلة عسكرية محدودة القدرات القتالية قيادة وتسليحا وتمرسا.
وسيكون من المنطقي والطبيعي أن تتضاعف خسائر القوات المساندة لحفتر، في حال شن الحرب على المنطقة الغربية والعاصمة طرابلس.
القوات التي من المحتمل جدا أن تواجه أي عمل عسكري مباشر من قبل حفتر كبيرة من حيث العدد والتسليح والقدرات القتالية سواء من حيث القيادة أو التمرس.
إذ خاضت هذه القوات ثلاث حروب في 2011، و2014، و2016، ضد كتائب قوية وتجمعات محصنة، نجحت في مواجهتها ودحرها في زمن قياسي كما حدث في حرب 2014 في طرابلس، و2016 في سرت.
صحيح أن هذه القوات تواجه اليوم أزمة، وتشهد تفككا بسبب الخلافات السياسية، إلا إنها ستكون قابلة للتوحد في حال شعرت بالخطر المباشر أو تعرضت لهجوم كبير.
من جهة أخرى، فإن الجبهة المواجهة لها ليست بالقوة والجاهزية التي تمكنها من حسم المعركة لصالحها، فمن الصعب جدا أن تتقدم قوات من بنغازي للزحف على مصراتة أو طرابلس، ثم إن القوات التي تجمعت يوما في جنوب غرب طرابلس تحت مسمى جيش القبائل شهدت تفككا أفقدها زخمها، وذلك بعد الخلافات بين جناح الزنتان وجناح ورشفانة، ثم الخلافات داخل كل جناح.
وكان من بين أسباب الخلاف والانقسام الموقف من حفتر ومشروعه السياسي، الأمر الذي أفقد جيش القبائل القدرة على لعب دور مساند وحاسم في مقاربة تحرير العاصمة التي يريدها حفتر.
العامل الأهم هو تراجع الدعم الإقليمي والدولي لمشروع حفتر في شكله العسكري، ودفعه إلى التماهي مع مقاربة الوفاق التي يدعمها المجتمع الدولي التي قادت إلى تنازل حفتر عن مواقفه السابقة الرافضة للاتفاق السياسي والمجلس الرئاسي المنبثق عنه.
إذن، هناك مؤشرات حول تخلي حفتر عن خياره العسكري، والتعويل على البديل السياسي المتمثل في الرهان على التهدئة والوفاق تمهيدا لإجراء انتخابات رئاسية خلال عام لا ينازعه فيها أحد.
ووفقا لهذا السيناريو، فإن حفتر سيبذل قصار جهده لاستثمار أوراقه التفاوضية للتمهيد للبديل السياسي وإزاحة أي عراقيل تحول دون نجاحه.
أمام الوضوح والصراحة التي يتحرك بها حفتر لتحقيق هدفه المعلوم حتى لدى المواطن البسيط، وهو الوصول إلى الحكم، فإن المجلس الرئاسي ممثلا في رئيسه يتعامل مع هذا الطموح بارتباك، بل بتردد وانسحاب.
الأمر الذي يعود عليه بالسلب من ناحية تراجع الدعم الذي تحصل عليه خاصة من المجموعات المسلحة داخل العاصمة وخارجها، التي قبلت بالوفاق والاتفاق السياسي على أساس أن حفتر ليس طرفا فيه، أو أن يتحدد دوره بعد تنفيذ الاتفاق بحذافيره.
في ظل الارتباك الذي يرجع إلى عاملين أساسيين هما هشاشة الاتفاق السياسي، وعدم التزام الأطراف المتنازعة بمضامينه، فإن الوضع مرشح إلى مزيد من التأزيم سياسيا، ويدفع إلى تأزيم أمني وإلى إطالة أمد الأزمة المالية.
لذا فإن السيناريو الراجح هو المماطلة والتدافع على قاعدة الضغوط لتمرير رؤية حفتر للوفاق، ولشكل المرحلة الانتقالية الجديدة.