نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا، حول الضغوط الإسرائيلية على الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، للضغط على السلطة
الفلسطينية للتوقف عن دفع مساعدات لأهالي الأسرى والشهداء، حيث يدعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو والسياسيون الإسرائيليون أن تلك الأموال تعد تحريضا على قتل الإسرائيليين.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه على مدخل مخيم عايدة للاجئين في بيت لحم، يقف نصب منقوش عليه أسماء 36 من سكان المخيم، قتلهم الإسرائيليون، ويسميهم الفلسطينيون "شهداء"، أما الإسرائيليون فيسمونهم "إرهابيين".
وتورد الصحيفة نقلا عن ناشطين في مخيم عايدة، قولهم إن من سكان المخيم، البالغ عددهم 5500 شخص، فإن هناك 500 في السجون الإسرائيلية، أو تم إطلاق سراحهم من السجون، مشيرة إلى أن الكثير من السجناء في داخل السجن أو خارجه يتلقون مبلغا شهريا من السلطة الفلسطينية، في الوقت الذي تتقاضى فيه عائلات الأشخاص الذين قتلوا أو أصيبوا إصابات بالغة راتبا شهريا.
ويلفت التقرير إلى أن الفلسطينيين يسمون هذه المساعدات "رواتب"، أو "مساعدات اجتماعية"، في الوقت الذي يسميها الإسرائيليون "ثمن سفك الدماء"، وأنها "لا يهدف منها مساعدة الأرامل والأيتام، وإنما لتحريض الفلسطينيين على مهاجمة اليهود".
وتقول الصحيفة إنه "لطالما دفعت السلطة الفلسطينية هذه الأموال، لكنها الآن فقط أصبحت قضية تطرح على الصفحات الأولى في الصحافة الإسرائيلية، في الوقت الذي تضغط فيه إسرائيل على الرئيس ترامب لمطالبة الفلسطينيين بالتوقف عن هذه الممارسة، خاصة أن زيارة الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط ستتضمن يومين في إسرائيل والضفة الغربية الأسبوع القادم، وتضغط حكومة إسرائيل اليمينية ومؤيدوها في الكونغرس على إدارة ترامب لوقف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية ما لم توقف دفع هذه الأموال".
وينوه التقرير إلى أن نتنياهو سال رئيس السلطة الفلسطينية محمود
عباس، خلال خطاب في وقت سابق من هذا الشهر، قائلا: "كيف يمكنك الحديث عن السلام مع إسرائيل وأنت في الوقت ذاته تمول القتلة، الذين يسفكون دماء الإسرائيليين الأبرياء على كل منعطف؟"، وأضاف: "مول السلام، لا القتل"، بحسب ما نقلته صحيفة "هآرتس".
وتقول الصحيفة: "لا يهم الفلسطينيون إن كان شهيدهم طفلا بريئا قتل خطأ برصاصة قناص إسرائيلي خلال مظاهرة، أو مهاجم استخدم سيارته لدهس مجموعة من المدنيين على موقف باص".
ويورد التقرير نقلا عن محمد العزة، وهو ناشط وصحافي في المخيم، أصيب في وجهه برصاصة مطاطية، وكان على وشك فقدان بصره عندما كان يصور مظاهرة عنيفة في 2013، قوله: "كل بيت تقريبا فيه شخص يدفع له، كعائلة شهيد أو سجين، فليس هناك عائلة لم تتأثر".
وتذكر الصحيفة أن سعود خراج يعيش هو وزوجته في مخيم عايدة، الذي أصبح اليوم حيا من أحياء بيت لحم، وهو ممتلئ بالبنايات الإسمنتية المؤلفة من طابقين أو ثلاثة، لافتة إلى أن عائلة خراج لها أربعة أبناء سجنوا في السجون الإسرائيلية، ولا يزال اثنان منهما في السجن، وثالث أبعد إلى غزة، حيث أن ابنهم الأكبر، محمد (32 عاما)، يقضي حكما بالسجن لمدة 17 عاما، بحسب ما قالت العائلة؛ لأنه أطلق النار على القوات الإسرائيلية خلال الانتفاضة الثانية، وراتبه حوالي ثلاثة آلاف شيكل في الشهر، وهو ما يعادل 800 دولار، ويسفيد والداه وإخوته من هذا الراتب، بحسب ما قال والده.
ويفيد التقرير بأن الأب تساءل قائلا: "هل تظن أن ابني فعل ذلك لأجل المال؟.. أتظن أنني أريد أن يقضي ابني في السجن سنوات طويلة مقابل دريهمات؟"، وقال خراج إن الزعم الإسرائيلي بأنه يدفع للفلسطينيين ليهاجموا إسرائيل هو زعم كاذب؛ لأنهم "مستعدون لفعل ذلك دون مقابل.. لينتهي الاحتلال، وسنتوقف حينها عن القتال".
وبحسب الصحيفة، فإن السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني دانون، دعا أمريكا وأوروبا للتوقف عن دعم السلطة الفلسطينية، وذلك بدعوى أن السلطة تنفق تلك الأموال "لتمويل الإرهابيين الذين قتلوا إسرائيليين أبرياء"، مدعيا بأن السلطة تدفع للسجناء المحكومين بالسجن 30 عاما مبلع ثلاثة آلاف دولار.
ويشير التقرير إلى أن الدبلوماسيين الأمريكيين ضغطوا على الفلسطينيين بهدوء لوقف دفع هذه الأموال، مستدركا بأن الأمر بقي غير معلن خلال رئاسة أوباما، وقامت السلطة بتحويل مسؤولية الدفع لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ لئلا تحرج الدول المانحة.
وتنقل الصحيفة عن متحدث باسم وزارة الخارجية، قوله إن أمريكا خفضت من مساعداتها للسلطة من 400 مليون دولار، لكنه رفض أن يبين كم هو المبلغ المخصوم، حيث قال إن ذلك "سرا"، منوهة إلى أن ترامب لم يذكر شيئا خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع عباس في واشنطن، لكن المتحدث باسم البيت الأبيض أكد أن الرئيس تطرق للموضوع مع عباس خلال اجتماعهما، وأكد ضرورة إيجاد حل لهذه المشكلة.
ويورد التقرير نقلا عن السياسي الفلسطيني نبيل شعث، قوله إن قطع رواتب السجناء جنون، وأشار إلى أن مستشاري نتنياهو أخبروا وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري عام 2014، بأنهم يتفهمون بأن منع تلك الأموال يعني خنق السلطة الفلسطينية، وإشعال الشارع في الضفة الغربية، لكن مكتب نتنياهو أنكر ذلك، بحسب ما نقلت "هآرتس"، وقال شعث: "إن السجناء ضحايا للاحتلال الإسرائيلي".
وقال السياسي الفلسطيني وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب لـ"واشنطن بوست"، بأن عباس أوضح لترامب بأن "الوضع معقد جدا"، وأضاف الرجوب: "إن لم ندفع نحن فستدفع جهة أخرى"، ولدى سؤاله من سيدفع، فإنه قال إيران أو حركة حماس، وقال الرجوب إن ملايين الدولارات تصل إسرائيل من أمريكا لبناء المستوطنات اليهودية غير الشرعية، وإن أحد المتبرعين لبناء المستوطنات هو السفير الأمريكي الجديد لإسرائيل ديفيد فريدمان.
وقال الرجوب لو كانت هناك دولة فلسطينية، "سنستطيع إغلاق هذا الملف.. وسيكون بإمكاننا القول من الآن فصاعدا إن من يرتكب هذه الأفعال لن يجد دعما من إي جهة".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن هذه الدعوة لقطع رواتب السجناء تتزامن مع إضراب عن الطعام، يقوده مروان البرغوثي، المحكوم عليه بعدة مؤبدات، حيث وصل الإضراب يومه الثاني والثلاثين.