"من صدق مع الله أثّر في الناس بقوله وفعله، كان كلام السلف قليل العدد عظيم الأثر، وكلام المتأخرين كثير العدد، ضعيف الأثر". هن كلمات من ضمن ما قال الشيخ
عبد العزيز الطريفي حفظه الله، كلمات صادقة لامست شغاف قلوب الملايين من أبناء الأمة فأثرت فيهم فأحبوه.
هو الذي قال عنه من عرفه وعاشره أو خالطه، إنه: "الورع، الحافظ، العابد، الصامت، قليل الكلام بغير حاجة، عبد العزيز بن مرزوق الطَريفي، الشاب العالم الجليل والباحث الشرعي ابن جزيرة العرب".
عُرف عن الشيخ الطريفي الجلد والمصابرة في طلب العلم، حيث يصف الشيخ حال ذاته قائلا: "ثلاث عشرة سنة لم أخرج إلى البر بل كانت في قراءة وحفظ". حتى الاستراحة بين المحاضرات كانت بالنسبة له وقتاً للمطالعة، يقول أحد زملائه لقد قرأ أكثر من 100 كتاب، وهو في المحصلة يقرأ في اليوم ما بين 7 إلى 12 ساعة، وقد قرأ الشيخ الطريفي فتاوى شيخ الإسلام (35 مجلداً) مرتين وهو في المرحلة الثانوية.
يتحدث الشيخ الطريفي عن نفسه قائلاً: "ليس كتابٌ من كتب المتقدمين لا أدري في أي فن إلا وقرأته مرة أو مرتين". وقد قرأ "المغني" لابن قدامة وهو ابن أحد عشر سنة، ولخص بعض أبوابه كذلك.
كان يحفظ في اليوم الواحد من ثلاثين إلى خمسين حديثا، يقول الشيخ الطريفي: "إن كان الحديث معلولا أو مشكلا فإني أحفظ جميع طرقه غالبا".
قال عنه الشيخ المحدث محمود ميرة: "يبدو أنه صاحب إطلاع واسع ومكتبة كبيرة".
مما قال فيه الشيخ أحمد المختار الشنقيطي لما جالسه:
كنت للدين والمروءة بابــا
ثم من آل الطريف كنـت لبــابا
ثم إذ كـنت للإلـه تـقـيا
طبت نفسا وشيـمة ونصـابــا
للشيخ الطريفي قراءات في بعض الكتب الأدبية والفكرية منها: قراءات متفاوتة في الكتب الأدبية كالعقد الفريد، وزهرة الآداب، والمقامات، وكتب الجاحظ، أما الكتب الفكرية فله فيها قراءات، وخاصة في شأن التيارات، والأفكار المعاصرة، كالعلمانية، والليبرالية، والرأسمالية، والاشتراكية، والشيوعية، وكذلك في التيارات المنتسبة للإسلام، أما عن القراءة في الصحف فيقول: "إنما هي للخطوط العريضة وما يهم، وإلا فمتابعة الصحف بوضعها الذي هي عليه الآن إهدار للوقت والجهد، غث وغثاء وعبث".
للشيخ الطريفي رسالة في بعض التيارات أسماها (الحرية بين الفكر والكفر) "لم يؤذن لها بالنشر"، قرأ بعض كتب الفلاسفة الأوائل كرسائل الفارابي، والسياسة المدنية، وبعض رسائل أرسطو، وقسطا بن لوقا، وأرطميدورس الإفسي وغيرهم، وكذلك بعض الفلاسفة المنتسبين للإسلام، كإبن سينا وإبن ملكا وإبن رشد وغيرهم، لكنه وبعد قراءته لها ولنظائرها، لا ينصح الشيخ الطَريفي بقراءتها إطلاقاً.
من الكتب التي قام بشرحها أو التعليق عليها: شرح العلل لابن رجب، علل ابن المديني، المنتخب من علل الخلال، سنن الترمذي، المحرر لابن عبد الهادي، كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب مراراً، التمييز لمسلم، نخبة الفكر في المصطلح مراراً، الموقظة للذهبي مراراً، الأربعين النووية مراراً، صحيح البخاري إلى كتاب الصلاة، زاد المستقنع وغيرها. وله من الآثار العلمية ما يعجز المقام عن ذكره.
يقول الشيخ الطريفي: كل المدارس الفكرية التي راجت عند بعض المسلمين والعرب في وقتنا، ما هي إلا صور للمدارس الغربية وغيرها من آثار الانفتاح الحاصل على الأمم والشعوب الأخرى، كما حصل في القرنين الثالث والرابع وما بعدها، وكل حضارة قوية لها أتباع ومقلدة، وإذا تلاشت تلاشوا معها، فالشيوعية فُتن بها الناس زمناً، ماتت وكُفِّن بها أصحابها، وهكذا ستتبعها العلمانية والليبرالية، والتاريخ مليء من ذلك ولكننا لا نقرأ.
عَرَّفَ أهل الحديث في الهند فقال فيهم: أهل الحديث في الهند، هم جماعة نشأت في مواجهة التعصب للمذهب الحنفي قصداً للدليل، وكان أهل الحديث في أول الأمر ليسوا على عقيدة صافية، بل فيهم النقشبندي والديوبندي والماتريدي وغيرهم، فأصل مسمى أهل الحديث ليس سلامة المعتقد، بل التحرر من التقليد الفقهي لمذهب أبي حنيفة، ثم بعد إتصالهم ببلاد أهل السنة والجماعة صُحِحَت عقائدهم.
مما قاله الشيخ الطريفي حول سورية: "يريق بشار الدماء كل يوم وليس دمه بأولى من دمائهم ومن أعظم القربات تحرك ضمير مقرب منه يوقف إراقة الجماعات بإراقة دم واحد وكأنما أحيا الناس جميعاً".
وقال في القذافي لحظة قبض عليه: (حرام عليكم) آخر كلمة للقذافي يعلّم الثوار حكم الله فيه وليته تعلم حكم الله فيهم يوم كان مكانهم، وقف أمام مخلوق فضعف، فكيف لو كان أمام الخالق؟
أما فيما يخص الأنظمة فقد نصح وأجاد فقال: "يظن بعض الحكام أن تنازله عن بعض دينه إرضاء للكفار سيوقف ضغوطهم وكلما نزل درجة دفعوه أخرى. الثبات واحد والضغط واحد. فغايتهم حتى تتبع ملتهم".
وقال أيضا: " الولايات أمانات، والأمانة تكليف أكثر من كونها تشريفا، فمن تولى ولاية فحقه الدعاء له بالتسديد والعون، والتهنئة تطلق لما يغلب غنمه وليس غرمه".
ولعل أجمل ما قيل في الإعلام الأصفر المعادي للأمة والعقيدة هو ما قاله الشيخ في العربية التي تعتبر خنجراً مسموما في ظهر الأمة حيث قال: "لو كانت (قناة العربية) في زمن النبوة ما اجتمع المنافقون إلا فيها، ولا أُنفقت أموال بني قريظة إلا عليها".
.
وقال أيضا: "العقل يتأثر بكثرة نقده كما يتأثر الجسد بكثرة ضربه، فيستسلم، تُضرب العقول بسياط الإعلام فإذا خضعت قالوا هذا اختياره وحريته وهذه الديمقراطية"
كما قال حفظه الله: "الغرب أشغل العالم بحرب الاستبداد على الأبدان وتسلل من تحته لاستبداد العقول وجَلْدها بالإعلام لتذعن لفكره، وهل الأبدان إلا جُثث تسوقها العقول؟!".
وقال في النصيحة وآدابها: " النصيحة أعظم هدية تُهدى، ومن وجوه تعظيمها أن تغلّف بغلاف يليق بها، وغلاف النصيحة الرفق واللين والشفقة بالمنصوح".
أما فيما يخص علاقة العبد بربه فإن من أجمل ما قال: من عرف سعة (رحمة الله) استصغر الكبائر، ومن عرف (شدّة عقابه) استعظم الصغائر، والمؤمن يتوسّط حتى لا يأمن ولا يقنط".
لا أبالغ لو قلت إن الشيخ عبد العزيز الطريفي هو أحد العلامات الفارقة في زمننا هذا، خاصة مع سقوط الكثير من الرموز الدينية والسياسية والإعلامية، الذين فضحت مأساة المسلمين في الشام والعراق عوارهم وجبنهم وتخاذلهم، فهو من القلة القليلة النادرة التي لم تنفصل عن الواقع، ولم تتقوقع في برج عاجي، بل كان دائم التفاعل مع قضايا أمته، فيتطرق إليها ناصحا من غير مبالغة ولا إسفاف.
سألني ذات يوم أحد الأصدقاء من هو الشيخ الذي تعتبره قدوة ومثلاً لك، وتأخذ بقوله، فأجبته: ليس لي شيخ ولا أتبع طريقة ولا تيارًا بعينه، لكن هناك عالم فقيه لمست فيه الصدق والأمانة، والحرص على الأمة والعقيدة فأحببته، وإني أشهد الله وأشهدكم على حبه.
فاللهم ناصر المظلومين، فارج الهم وكاشف الغم، فرج همه وهم المهمومين، ونفس كربه وكرب المكروبين، من العلماء والمشايخ الربانيين، وسائر المسلمين.