بذل رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان جهودا كبيرة لإجراء التعديلات الدستورية التي وافق عليها الناخبون الأتراك في الاستفتاء الشعبي الذي جرى في السادس عشر من أبريل/نيسان الماضي، بهدف نقل البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي الذي سيتم تطبيقه بالكامل في 2019. وسيقود من الآن حتى إجراء الانتخابات الرئاسية في ذاك التاريخ عملية الانتقال.
حزب الشعب الجمهوري حاول أن يثير التشكيك في نزاهة الاستفتاء الشعبي وأن يطعن في النتائج، إلا أن مساعيه باءت بالفشل، وتقبل الجميع قرار الشعب التركي في التعديلات الدستورية، وبدأ العد التنازلي للانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.
أردوغان عاد إلى حزب العدالة والتنمية وتسلم الرئاسة من رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، بعد أن أدَّى الأخير دوره على أكمل وجه، وحمل الأمانة جراء استقالة رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو حتى سلَّمها إلى أردوغان. ومن المتوقع أن يستمر يلدريم في كونه "يد أردوغان اليمنى" في المستقبل القريب كما تولى في حزب العدالة والتنمية منصب وكيل الرئيس الذي تم استحداثه مؤخرا. وشكر أردوغان يلدريم على جهوده، وقال في أول كلمته أمام أعضاء الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية بعد عودته إلى الحزب، إن يلدريم قاد مرحلة مهمة وسجل فيها نجاحات تكتب بماء الذهب.
عملية الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي ستستغرق حوالي سنتين، وستكون أمام أردوغان في هذه المرحلة مهمات صعبة. المهمة الأولى هي إعادة بناء حزب العدالة والتنمية على وجه السرعة ليكون قادرا على مواكبة مرحلة الانتقال وما بعدها. ويمكن أن نقول إن أردوغان بدأ القيام بهذه المهمة مباشرة بعد انتهاء المؤتمر الاستثنائي الثالث الذي عقد في أنقرة في 21 مايو / آيار الجاري، وتم اختيار أعضاء لجنة الإدارة المركزية واتخاذ القرار، غير أن التجديد في قمة الهرم لا يكفي، بل لا بد من إعادة بناء جميع فروع حزب العدالة والتنمية ومؤسساته، واستبدال الأعضاء الذين تعبوا في المرحلة الماضية بآخرين جدد يمكن أن يواصلوا العمل دون ملل أو كلل.
المهمة الثانية هي التحضير لتطبيق النظام الرئاسي في 2019 بالكامل. ويجوز لنا أن نقول إن أردوغان بدأ القيام بهذه المهمة عمليا قبل التعديلات الدستورية، لأنه منذ انتخابه رئيسا للجمهورية لم يكن رئيسا معتادا، بل كان يتحرك وكأنه رئيس في النظام الرئاسي لا البرلماني، وجعل الشعب التركي يجرب النظام الرئاسي إلى حد ما. وبعبارة أخرى، أن الشعب التركي مستعد نفسيا لهذا الانتقال. وتم تطبيق ثلاث مواد متعلقة بإلغاء المحاكم العسكرية وإعادة تشكيل المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين وعودة رئيس الجمهورية إلى حزبه، وسيتم تطبيق بقية مواد التعديلات الدستورية بعد سنتين، إلا أن عملية الانتقال تتطلب سن قوانين متطابقة مع النظام الجديد قبل تطبيقه.
المهمة الثالثة التي يجب أن يقوم بها أردوغان في هذه المرحلة هي الاستعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي سيتم إجراؤهما معا في 2017، لأن المتوقع أن تشهد الانتخابات الرئاسية القادمة منافسة شرسة وأن تبذل المعارضة والقوى الداعمة لها قصارى جهدها للحيلولة دون فوز أردوغان فيها، كما أن حزب العدالة والتنمية لا بد من أن يحصل على الأغلبية في البرلمان كي لا يواجه أردوغان بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية مشاكل وخلافات مع الأغلبية البرلمانية. ولذلك يجب أن يستعد أردوغان وحزبه جيدا للمنافسة والفوز في كلا السباقين.
تركيا تمر بمرحلة انتقالية إلا أن هناك مشاكل داخلية وخارجية بحاجة إلى حلول، ومخاطر وتحديات تحيط البلاد من كل جانب. ولا يمكن أن تتلكأ القيادة التركية في محاربة الكيان الموازي وحزب العمال الكردستاني، وتهمل الملف السوري والملف العراقي وغيرهما، بالإضافة إلى العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بحجة أنها منشغلة بعملية الانتقال إلى النظام الرئاسي. وعلى أردوغان أن يشرف على جميع هذه الملفات الهامة ويقود السياسة الداخلية والخارجية بصفته رئيس الجمهورية ورئيس الحزب الحاكم. وهذه هي مهمته الرابعة..
* كاتب تركي