نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا، تحدثت فيه عن حالة الاحتقان التي سادت مناطق الجنوب والشمال الغربي
التونسي، في ظل استمرار
الاحتجاجات خلال الفترة الأخيرة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن تونس تعاني من العديد من الأزمات على جميع الأصعدة، قابلتها الحكومات المتعاقبة بوعود جلها لم يتحقق. و لا زالت الولايات المهمشة قبل الثورة تعاني من سياسة اللامبالاة ذاتها من قبل الحكومة، على الرغم من مرور قرابة سبعة سنوات على ثورة الياسمين.
وذكرت الصحيفة أن حالة الاحتقان الشعبي الذي تشهده ولاية تطاوين، الواقعة في الجنوب التونسي، توحي بأن التحديات الاجتماعية التي تعيشها تونس من شأنها أن تدفع بالتحول الديمقراطي إلى شفير الهاوية، في بلد يعتبره العالم الدولة الوحيدة التي خرجت بأخف الأضرار من موجة ثورات الربيع العربي.
وأوردت الصحيفة أن نجاح تونس في المضي قدما في درب الديمقراطية؛ لا زال رهين إيجاد الحكومة والسلطات المعنية لحلول للأزمات الاجتماعية. فيبلغ عدد العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا قرابة 30 في المئة، إضافة إلى انتشار سياسة التهميش التي عمقت الفوارق الاجتماعية بين المناطق الساحلية والمناطق الداخلية في تونس.
وأشارت الصحيفة إلى أن التوترات التي شهدتها المنطقة قد خلفت قتيلا في 22 أيار/ مايو الماضي، مما يؤكد أن الأزمة لا تزال متواصلة. وفي هذا الإطار، استمر المحتجون في ولاية تطاوين في الاعتصام في منطقة "الكامور" النفطية، حيث أغلقوا صمام إحدى أهم محطات ضخ النفط في الصحراء التونسية.
وأفادت الصحيفة أن الحكومة التونسية تقف عاجزة عن تلبية مطالب المحتجين في الجنوب، التي تتمثل في التشغيل "الفوري والعاجل" لقرابة 4500 عاطل عن العمل من أبناء الجهة في الشركات النفطية. وفي الأثناء، بادرت الحكومة بتقديم جملة من المقترحات للمحتجين في محاولة لتهدئة الوضع، لكنها قوبلت بالرفض من قبل أهالي تطاوين.
وأوضحت الصحيفة أن ما تمر به ولاية تطاوين يعكس حالة الاحتقان التي تأججت في عدة ولايات تقع في المناطق الداخلية من تونس، أو ما يطلق عليها "مناطق الظل"، وذلك على خلفية سياسة التهميش التي تنتهجها الدولة في حق هذه الولايات قبل وبعد الثورة. وقد خرج أغلب المتظاهرين من المناطق الداخلية على غرار ولاية تطاوين، وتوزر، وسيدي بوزيد، والقصرين. وتتلخص مطالب أبناء هذه المناطق في أمر واحد: "الحق في التشغيل".
وتجدر الإشارة إلى أن شرارة الثورات العربية انطلقت من صفوف أبناء هذه الجهات التونسية، حيث يعاني أغلبهم من
البطالة على الرغم من أنهم من أصحاب الشهادات الجامعية. وفي الإطار نفسه، وفي حين تمكنت تونس من استنشاق نفس ديمقراطي تجلى من خلال حرية التعبير والتظاهر، فضلا عن انتخابات شفافة، إلا أن الأوضاع الاجتماعية في البلاد لم تشهد تغييرا يذكر. فما زالت البلاد تعيش حالة من الركود الاقتصادي، حيث بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي واحدا في المئة سنة 2016.
وأفادت الصحيفة أن حكومة يوسف الشاهد في موقف لا تحسد عليه، حيث أنها مطالبة بإخماد موجة الاحتجاجات التي تغمر البلاد. وفي الوقت نفسه، تسعى الحكومة إلى الحد من العجز في الميزانية، في حين تعمل على تكثيف جهودها لإجراء إصلاحات هيكلية، وذلك حتى تحظى بقرض من صندوق النقد الدولي.
وكانت الحكومة التونسية قد تلقت سنة 2016 الدفعة الثانية من القرض الممنوح من قبل صندوق النقد الدولي، حيث بلغت قيمة هذه الدفعة 2.9 مليار دولار، أي ما يعادل 2.58 مليار يورو.
وفي الأثناء، نفذت السلطات التونسية اعتقالات طالت رجال أعمال متهمين بالفساد. ومن بين أهم هؤلاء، شفيق جراية، الذي يعد من كبار المهربين في عهد بن علي، قبل أن يتحول إلى شخصية هامة في البلاد بعد الثورة مباشرة، علما بعض الصحف المحلية لم تستبعد فرضية أن يكون شفيق جراية من الأطراف "الممولة" للاحتجاجات التي تشهدها ولاية تطاوين.