أحد أبرز عناوين الحصار غير المسبوق الذي تقوده
السعودية، ومن ورائها الإمارات وبعض من يسير في ركبهما، على قطر؛ هو العلاقة الإيجابية التي تربط الدوحة بالإخوان المسلمين. وإن كان البعض يشير إلى أن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الخلاف السعودي- الإماراتي المستحكم مع قطر لا علاقة لها بالأسباب المعلنة، وأن
الإخوان المسلمين هي شمّاعة يتم استخدامها لحشد الدعم والتأييد العالمي في الحملة على قطر.
ربما لم تشهد العلاقة بين الإخوان المسلمين من جهة والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى في العقود الماضية شهور عسل، لكنها على الأقل لم تصل حد العداء السافر الذي هو قائم اليوم. فلا يختلف اثنان على أن العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام السعودي تمر هذه الأيام في أصعب مراحلها.
يحار المرء في إيجاد توصيف ثابت للعلاقة التاريخية التي ربطت الإخوان المسلمين بحكام المملكة العربية السعودية. فكل ملك من ملوك آل سعود كانت لديه طريقته الخاصة في كيفية التعامل مع جماعة الإخوان، ولم تكن سياسة ثابتة لدى الجميع. لكن المسلّم به هو أن فترة حكم الملك فيصل بن عبد العزيز (رحمه الله) شكلت العصر الذهبي بالنسبة للإخوان المسلمين، فساندهم واحتضنهم ووظّف المئات منهم في الجامعات والمدارس، وعيّن بعضهم في مناصب مهمة. الرعاية السعودية لم تكن حباً بالإخوان، بقدر ما كانت ردة فعل على الاختلاف الذي كان مستحكماً بين الملك فيصل والزعيم المصري جمال عبد الناصر الذي كان يطارد الإخوان ويسجنهم وينفذ أحكام الإعدام بهم.
بعد الملك فيصل استمرت العلاقة بين الإخوان والنظام السعودي وإن بوتيرة أقل دفئاً وأكثر جفاء، إلى بداية التسعينيات من القرن الماضي، حيث شهدت العلاقة بين الطرفين توتراً كبيراً في حرب الخليج الثانية بسبب رفض الإخوان تأييد التدخل الأميركي لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي.
لم تختلف مرحلة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز عما سبقها، إلا في سنوات حكمه الأخيرة التي تزامنت مع اشتعال ثورات الربيع العربي في أكثر من قطر، فتصدر الإخوان المسلمون للمشهد باعتبارهم القوة الشعبية المنظّمة الأبرز في بلدان الربيع العربي. وجد النظام السعودي، كما بقية الأنظمة العربية المتهالكة، في هذا الربيع تهديداً لعروشهم، ومقدمة لإيقاظ شعوب نائمة منذ عقود. فشكل النظام السعودي مظلّة للانقلاب العسكري في مصر الذي ارتكب مجزرة دموية في ميدان رابعة أودت بحياة الآلاف، وما زالت هذه المظلّة قائمة لإبعاد الإخوان المسلمين عن الصفوف الأولى للحكم في تونس وليبيا واليمن وسوريا... في المقابل، واصل الإخوان المسلمون خطب ودّ آل سعود، وتوجيه رسائل الود والتقدير لهم، فكان الجواب على هذا الودّ نهاية عام 2013، عندما وضعت الرياض الإخوان المسلمين ضمن قائمتها للتنظيمات
الإرهابية، وشكل هذا القرار قطعاً سعودياً لشعرة معاوية. رغم ذلك حرص الإخوان على عدم الإساءة للمملكة، واعتبارها مرجعية إسلامية، وحاول الإخوان إقناع أنفسهم ما حصل هو سحابة صيف لا بد أن تمر.
حين وصل الملك سلمان بن عبد العزيز إلى سدة الحكم، تنفس الإخوان الصعداء، واعتقدوا أن أوان عودة الدفء للعلاقة مع رأس الحكم في السعودية قد حان، خاصة أن الملك أخذ بعيد وصوله سلسلة من القرارات قلَّصت مراكز القوى التي ثبّتها الملك عبد الله منذ توليه عرش المملكة. وكان من بين من تمت الإطاحة بهم، أبرز خصوم الإخوان وسبب رئيس في ضرب العلاقة مع الملك السابق، كرئيس الديوان الملكي الذي لعب دوراً حاسماً في إيغال قلب الملك على الإخوان. بل إن البعض بالغ في تفاؤله من خلال الحديث عن وساطة ربما تقدم عليها المملكة للمصالحة بين الإخوان والنظام الانقلابي في مصر، وتسوية المشكلات القائمة مع تنظيمات محسوبة على الإخوان كحركة حماس. لكن أجواء التفاؤل هذه سرعان ما وجدت أسباباً لتندثر بعدما تبيّن أن لا شيء يدعو للتفاؤل.
السؤال الذي حرت في إيجاد جواب له: لماذا يكره النظام السعودي الإخوان المسلمين؟ ما هي الجريمة التي ارتكبها الإخوان مع هذا النظام كي يستحق منه كل هذا العداء والمحاربة؟ ما الذي يدفع نظام يعاني أزمة افتصادية لصرف مئات ملايين الدولارات ودعم كل فاسد على هذه الأرض فقط كي يقتل ويعذب ويعتقل ويحاصر الإخوان؟ من أين أتت المملكة السعودية ومن معها بكل هذا الحقد، ما الذي أخطأ به الإخوان كي يستحقون ذلك؟