نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا عن "الحرب التي تخوضها الحكومة السعودية ضد مشايخ الوهابية؛ لنشر المزيد من فضاءات الترفيه والتسلية في المملكة، التي تشح فيها مثل هذه المراكز، على غرار دور السينما والمسارح".
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن "المملكة كانت مسرحا لمئات العروض الترفيهية خلال سنة 2016. وفي الأثناء، تواصل الحكومة السعودية المضي قدما في حربها؛ بهدف تغيير طابع المجتمع السعودي المحافظ والمنغلق. ولكن، ما لا شك فيه أن جهودها ستصطدم بفتاوى مشايخ الوهابية".
وأشارت إلى أنه "في إحدى ليالي نيسان/ أبريل، تحول مجمع سكني في ضواحي مدينة الرياض إلى بلدة يونانية؛ حيث تزينت الأكشاك بالطلاء الأبيض والأزرق، في حين تعالت بعض ألحان موسيقى السيرتاكي الشعبية اليونانية، وامتلأت المدرجات بالعديد من الشباب، الذين قدموا لعرض سلعهم من البرغر، وأدوات الزينة، والمجوهرات، والهواتف الذكية. وعلى المنصة التي أقيمت وسط المجمع، تناوب عدد من الموسيقيين والبهلوانيين ورواة القصص على تقديم عروضهم، التي تم بثها عبر شاشات عملاقة".
وأضافت أن "هذا الجو، الذي امتزجت فيه أسواق السلع الفاخرة بحفلات الهواء الطلق، يعدّ غريبا عن المجتمع السعودي؛ لأن المملكة تخضع لنظام إسلامي يرتكز بالأساس على المذهب الوهابي، الذي يحرم السينما، ويمنع المرأة من قيادة السيارة، كما يضع الموسيقى على رأس لائحة المحرمات".
ونقلت الصحيفة عن مهندس سعودي يدعى "أحمد" قوله إن "هذا المجمع السكني يعد من بين الأماكن القليلة التي يمكن أن نستمع فيها إلى نغمات الموسيقى بشكل مباشر".
وأفادت بأن "هذا العرض فُتح للعامة، حيث سُمح للإناث والذكور الذين قدموا من أرقى أحياء العاصمة الرياض بالاختلاط والاحتفال جنبا إلى جنب دون حواجز، وذلك في تَعدّ واضح على العرف الأخلاقي الذي يفرض فصلا صارما بين الجنسين. وفي السياق ذاته، قررت بعض النساء الحاضرات إزاحة الحجاب؛ للكشف عن بعض شعورهن، في حين فضلت أخريات انتزاعه بالكامل. وفي الحالتين، يعد هذا انتهاكا صارخا للعرف السعودي التقليدي، مع العلم أن أغلبهن كن يضعن مواد تجميل".
ونقلت الصحيفة عن أحد الطلبة السعوديين قوله، إن "أغلب الشباب الحاضرين في هذا العرض قدموا في الحقيقة من أجل التعارف. ففي معظم الوقت، يتبادل الفتيات والشباب أطراف الحديث لدقائق، قبل أن يتبادلوا أرقام هواتفهم النقالة، أو حساباتهم على تطبيق سناب شات".
وقال شاب سعودي آخر، إن "هذا التغيير لا يعد ثورة، ولكننا فقط في مرحلة تتسم برغبتنا في خلق مجتمع طبيعي".
وأكدت الصحيفة أن "هذا العرض حظي بموافقة الحكومة السعودية؛ حيث أعطت الضوء الأخضر منذ خريف سنة 2016 لمختلف الجهات لتنظيم مثل هذه الفعاليات، التي تندرج ضمن المشروع الترفيهي، الذي وعد ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، بأن يكون من بين المشاريع ذات الأولوية ضمن برنامج الإصلاح الشامل، وذلك في إطار رؤيته لمستقبل جديد للمملكة تحت شعار (رؤية 2030)".
وأوضحت الصحيفة أن المهرجانات والفعاليات التي أطلقتها الحكومة منذ عام 2016 اشتملت على حفلات بيانو وموسيقى الجاز، ومباريات مصارعة، وسباق سيارات رباعية الدفع، وسباق جمال، فضلا عن منتديات للشعر العربي، "ومن المثير للاهتمام أن أغلب هذه التظاهرات كانت تنظم في مدينة جدة، التي تعد من بين المدن الأكثر تحررا في المملكة".
وأوردت الصحيفة تصريحات نجل العاهل السعودي الأمير محمد بن سلمان بشأن الأسباب الكامنة وراء بعث هذا البرنامج الترفيهي، التي قال فيها إن "عجز ميزانية المملكة يتفاقم؛ نظرا لتراجع عائدات النفط، لذلك وجب البحث عن بدائل لتلافي هذا العجز في الموازنة"، مضيفا أن "من الأجدر إلحاق المملكة بركب الدول التي تولي أهمية للمتعة والترفيه".
وأوضحت أنه "في حال جسدت رؤية محمد بن سلمان على أرض الواقع، فستتمكن المملكة من استعادة حوالي 22 مليار دولار من إجمالي ما ينفقه السعوديون سنويا على المتعة والترفيه في دول أجنبية".
ولفتت إلى أن مفتي الديار السعودية قال إن مثل هذه التظاهرات الاحتفالية "غير أخلاقية"؛ نظرا لأنها تشجع على الاختلاط بين الجنسين. وفي هذا الصدد، نقلت الصحيفة عن أحد الدبلوماسيين الغربيين قوله إن "60 بالمئة من الشعب السعودي أعمارهم أقل من 30 سنة. فكيف للمفتي الذي تجاوز سقف الـ75 سنة أن يقف في وجه هذا الجيل الناشئ؟".
وتابع: "سئم هؤلاء الشباب من شرب الشاي في الصحراء مثل أجدادهم، وهم يرغبون في وسائل جديدة للترفيه.. وفي الحقيقة، لا يمكن إيقاف موجة التغيير في المملكة".
وفي الختام، نقلت الصحيفة عن فوزية البكر، الأخصائية في علم الاجتماع، وأحد رموز ما يسمى "النخبة المثقفة" في السعودية، قولها: "لقد خرجنا بصحبة عائلاتنا، واختلطنا ذكورا وإناثا في جو من المرح والترفيه.. لقد أخذ المجتمع السعودي في التغيير بسرعة كبيرة، وأنا أتمنى أن نتخلص نهائيا مع الطابع المحافظ المتشدد".