فتح إعلان القوى الكردية في شمال
العراق عزمهم على عقد استفتاء للاستقلال في أيلول/ سبتمبر المقبل باب التساؤل عن العقبات والصعوبات التي ستترتب بعيد الانتهاء من الاستفتاء وبدء الشروع الفعلي بتطبيقه واقعا على الأرض.
وأعلن رئيس
إقليم كردستان الواقع شمالي العراق، مسعود بارزاني، في السابع من حزيران/ يونيو عن استفتاء على الاستقلال في المناطق الكردية داخل العراق في الخامس والعشرين من أيلول/ سبتمبر المقبل.
ورحب العديد من الأكراد العراقيين بالإعلان عن إجراء الاستفتاء وإقامة
الدولة بعد التصويت المتوقع بـ"نعم".
وتلقى الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي ضربة مزدوجة جراء النزاع وانخفاض أسعار النفط، واستضافة أكثر من مليون نازح، نتيجة حربه مع "تنظيم الدولة".
ورغم أن التصويت غير ملزم، فإنه يشكل قاعدة لإقامة دولة مستقلة مشروعها يختمر منذ نال أكراد العراق حكما ذاتيا من حكومة بغداد بعيد حرب الخليج في العام 1991.
وقال وزير الخارجية العراقي السابق وكبير المفاوضين في عملية استقلال كردستان، هوشيار زيباري، في تغريدة على "تويتر": "إن القرار يشير إلى أن الأكراد وصلوا إلى نقطة اللاعودة".
ويشير المحلل السياسي ناثانيال ريبكين إلى أن "أكبر عقبتين أمام استقلال كردستان هما مسألة حدودها مع العراق والاعتراف الدولي".
اقرأ أيضا: بعد تركيا.. إيران تعلن رفضها استفتاء أكراد العراق
ويوضح ريبكين، وهو مدير تحرير نشرة "إنسايد" المعنية بالسياسة العراقية، أنه "في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق مع بغداد على الحدود، فإن دولا عدة ستتردد في الاعتراف باستقلال معلن من جانب واحد".
ورفضت
تركيا وإيران الاستفتاء، وهما أقوى جارين لكردستان العراق، ويضمان أيضا أقليات كردية ويدعمان أحد الحزبين الرئيسين في الإقليم.
وإلى جانب التحديات الأمنية والاقتصادية الواضحة التي يتعين التغلب عليها من أجل الوصول إلى مشروع دولة قابل للحياة، فإن الظروف الضرورية الأخرى لذلك هي الوحدة الداخلية والموافقة الخارجية. والاثنتان غير مضمونتين.
ضمانات أمريكية
واعترضت واشنطن على توقيت التصويت، لكنها أعربت مرارا عن تأييدها لمبدأ تقرير المصير.
وتقول المحللة، أمبرين زمان، من مركز "ويلسون" للأبحاث، ومقره الولايات المتحدة، إنه "من دون ضمانات أمنية أمريكية متينة، فإن استمرارية كردستان مستقلا أمر مستبعد".
وأشارت إلى أن "الأمر يرجع إلى زعماء الأكراد لدفن الخلاف وضمان أن هذا الحلم الذي راهن عليه الأكراد ترجم أخيرا إلى واقع".
اقرأ أيضا: دولة جديدة على خارطة العالم.. هذا ما ينتظر العراق بعد داعش
ويحظى القادة الأكراد العراقيون بدعم قوي في الكونغرس الأمريكي، ويبدو أنهم يراهنون على أن واشنطن ستكون واقعية وستؤيد أمرا واقعا، كما حصل قبل ربع قرن من الزمن عندما استخدم الأكراد منطقة الحظر الجوي التي فرضتها الولايات المتحدة لبدء بناء مؤسساتهم.
ولطالما اختارت أمريكا اللعب بالورقة الكردية لتستطيع مواصلة سياساتها في سوريا والعراق أمام تركيا وإيران، إذ يحظى الأكراد اليوم بدعم أمريكي بارز، ما يعزز مطامحهم في قيام دولتهم الحلم، بحسب محللين.
تصريحات دول الجوار
وردت بغداد بشيء من القلق، من خلال التأكيد على ضرورة الالتزام بالدستور وبالوحدة الإقليمية للعراق.
ووعدت الإدارة الكردية بإجراء الاستفتاء بعد استعادة الموصل، لكن آفاق الانفصال صارت محط نقاش فعلي من جانب جميع الأطراف.
وشكلت الحكومة الفيدرالية لجنة لمناقشة شكل العلاقات بين بغداد وكردستان مستقلة مستقبلا.
من جانبها حذرت طهران من أن القرار "يمكن أن يؤدي فقط إلى مشاكل جديدة". وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية
الإيرانية بهرام قاسمي إن "الموقف الأولي لإيران هو دعم وحدة أراضي العراق".
اقرأ أيضا: مؤشرات على توجه خليجي لدعم قيام دولة كردية "نكاية بتركيا"
واعتبرت تركيا أن قرار تنظيم الاستفتاء "اتخذ بطريقة غير مسؤولة" ويشكل "خطأ فادحا"، وهي تعتبر ممرا لصادرات النفط الكردستاني العراقي.
وأعربت تركيا عن استيائها الشديد من موعد إجراء الاستفتاء، ولكنها قد لا تكون مناهضة تماما للاستقلال الكردي في العراق إذا كان ذلك سيساعدها على احتواء النزعة الانفصالية الكردية لديها.
وظهرت مؤشرات في ظل الأزمة الخليجية الحالية تثير شكوكا ومخاوف من اتجاه خليجي لدعم قيام دولة كردية مستقلة، بعد حرب الاصطفاف بين جانبي أزمة قطر، بين فريق مؤيد لمقاطعة الدوحة وآخر رافض لها.
مستعد أم لا
لكن نحو خمسة ملايين كردي في العراق غير متفقين جميعا على الاستفتاء الذي أدى إعلانه إلى ردود فعل مختلفة داخليا، لأن الإقليم غارق في مأزق سياسي.
وانتهت ولاية بارزاني كرئيس قبل عامين تقريبا، وتم تعليق البرلمان بعد أسابيع قليلة، وتكافح الإدارة التي تديرها عشيرة بارزاني لدفع الرواتب وتواجه معارضة قوية، بما في ذلك من حزبين يقولان إن الاستفتاء ينبغي أن يأتي بعد انتخابات برلمانية ورئاسية.
ويوضح المحلل والباحث في معهد الخليج العربي في واشنطن، يريفان سعيد، أن "الاستفتاء يمكن أن يكون بمثابة زورق نجاة للحزب الكردي الحاكم الذي فشل في الحكم بشكل فاعل".
ويضيف: "ما لم يكن هناك شكل من الوحدة الكردية، لا أرى أي مسار قابل للاستمرار نحو الاستقلال الكردي".
اقرأ أيضا: أكراد إيران يسيرون للحرب قائلين: "لا يهمنا مدى قوة العدو"
ويرى البعض أن احتمال الاستقلال قد يكون ما يحتاجه الأكراد للتغلب على مصاعبهم الحالية، وفي حين أن السياقين الداخلي والأوسع نطاقا يبدوان غير مواتيين، فإن اللحظة المثالية قد لا تأتي أبدا.
بدورهم، انتقد عراقيون عرب قرار إجراء الاستفتاء على الاستقلال، بينما رحب أكراد يعيشون في مدينة كركوك الغنية بالنفط شمال البلاد بهذا الإجراء، معتبرين أنه خطوة نحو إقامة دولة كردية مستقلة طال انتظارها.
وتعيش غالبية من السكان العرب الشيعة في جنوب العراق، ويعيش الأكراد والعرب السنة في مناطق مختلفة في الشمال، بينما يعيش مزيج من السكان من مختلف المشارب في الوسط حول بغداد.