نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للمعلق جدعون رخمان، يتحدث فيه عن الانعكاسات الدولية للأزمة
القطرية.
ويقول الكاتب إن "السنوات الست الماضية شهدت عالمين عربيين منفصلين؛ عالم العنف والتراجيديا، وعالم البريق والعولمة، فهناك سوريا والعراق وليبيا، وإلى حد ما مصر، التي غمرتها الحروب والنزاعات، لكن قطر وأبو ظبي ازدهرتا في ظل مراكز العولمة للسفر والترفيه والتمويل والتجارة، وبدت المدن الخليجية المزدهرة بعيدة عن العنف في الشرق الأوسط، بل استفادت بشكل مباشر باعتبارها ملاجئ آمنة".
ويشير رخمان في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "الجدار الذي فصل بين العالمين العربيين يتحطم الآن، حيث قامت
السعودية والإمارات العربية، بما فيها دبي وأبو ظبي، والبحرين بفرض حصار على قطر، وزعمت أن القطريين دعموا الحركات الجهادية في المنطقة، خاصة في سوريا وليبيا، ونتيجة لذلك، فقد اهتز الوهم من أن الدول الخليجية ستظل بعيدة عن النزاعات الأخرى في الشرق الأوسط".
ويقول الكاتب: "السؤال الآن هل سيتبع الصعود الباهر لدول الخليج سقوطا باهرا لها، ولو حدث هذا فإن التداعيات ستكون دولية، فأحد الأسباب التي جعلت العالم ينظر بلاأبالية باردة تجاه التمزق السوري والليبي أن أيا منهما ليست لاعبا في الاقتصاد العالمي، وهذا لا ينسحب على دول الخليج، فأزمة أمنية سيتردد صداها في غرف وقاعات الوزارات حول العالم".
ويستدرك رخمان بأنه "رغم كونها أماكن صغيرة جدا، حيث لا يتعدى سكان قطر والبحرين عن 2.2 و9.1 ملايين نسمة على التوالي، إلا أن دول الخليج تؤدي دورا أكبر من حجمها في الاقتصاد العالمي، وتعد قطر أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، ولدى سلطة الاستثمار القطرية أسهم كبيرة في الشركات الكبرى، مثل فولفساكن وباركليز، واستثمرت مليارات البترول حول العالم، بما فيها مبنى شارد، أطول برج في لندن ومتجر هارودز، وسيستقبل القطريون مباريات كأس العالم لعام 2022".
ويلفت الكاتب إلى أن "دبي استخدمت وبذكاء قربها لأوروبا وجنوب آسيا وروسيا، وحولت نفسها إلى ملعب الشرق الأوسط، حيث تقع أطول بناية في العالم، برج خليفة، في وسط دبي، وتعد الخطوط الجوية
الإماراتية واحدة من أكبر شركات الطيران في العالم، وتدير هيئة الاستثمار في دبي 800 مليار دولار، بشكل يجعلها ثاني أكبر صندوق سيادي في العالم، وأكبر مالك للعقارات في العالم".
ويبين رخمان أن "السعودية أكبر وأقوى دولة في منطقة الشرق الأوسط، والذي حدد موقعها، بصفتها أكبر منتج للنفط في العالم، أهميتها للسوق العالمية، ومن الصعب الاعتقاد أن النخبة الخليجية تخاطر بحياتها المتميزة بالإيغال في النزاع، لكن حتى قبل الأزمة القطرية فإن التوترات في تزايد في المنطقة".
ويقول الكاتب إن "السعوديين والإماراتيين يشتكون من القطريين، ويتهمونهم بدعم الجهاديين في المنطقة، وهو أمر ردد صداه المسؤولون الغربيون، إلا أن النقاش حول النزاع الحالي له علاقة بالإرهاب تقوضه حقيقة أن السعوديين أنفسهم لديهم سمعة في تصدير الأيديولوجية السلفية، التي تعلم الجهادية العالمية، والترويج لها".
ويؤكد رخمان أن "السعوديين شعروا بالسخط من نجاح القطريين، الذين اختالوا على المسرح الدولي، بصفتهم لاعبين مستقلين، وهو أمر بدا واضحا من دعمهم لقناة (الجزيرة)، التي منحت منبرا للإخوان المسلمين، الجماعة التي يمقتها السعوديون، الذين اعتقدوا أن قطر قد ذهبت بعيدا في تقاربها مع
إيران".
ويفيد الكاتب بأن "هذا الخوف من تصاعد التأثير الإيراني حول المنطقة قاد السعوديين والإماراتيين لشن حرب في اليمن، التي تركت آثارا وخيمة على المدنيين، وأحد نتائج الحصار على قطر هو دفعها للتقارب أكثر مع إيران".
ويقول رخمان إن "الولايات المتحدة في الظروف العادية قد تعمل جهدها لتخفف من حدة النزاع الخطير بين حلفائها في الخليج، إلا أن الظروف ليست عادية في واشنطن، حيث وقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الجانب السعودي في النزاع، وبالتأكيد فلربما منح الرئيس الضوء الأخضر للحصار السعودي خلال زيارته للمملكة الشهر الماضي".
وينوه الكاتب إلى أنه "بالمقارنة، فإن الخارجية والبنتاغون تحاولان أداء دور محايد؛ ليس أقلها أن قطر تستضيف أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط".
ويقول رخمان إن "لقطر سببا ليجعلها شاكرة للوجود الأمريكي في البلد، ولو لم يكن هذا، فإن القطريين سيجدون أنفسهم عرضة للتدخل العسكري السعودي، وحتى في هذا فلا يوجد هناك ما يشي بأن لدى السعوديين والإماراتيين خطة واضحة لنهاية اللعبة، أكثر من استسلام قطر، ولو لم يتم تحقيقه على المدى القصير فإن مخاطر النزاع العسكري تظل كبيرة، والضرر سيتزايد وسينتشر في أنحاء المنطقة كلها".
ويجد الكاتب أنه "بالنسبة لسكان وسياح دول الخليج، فإن حروب الشرق الأوسط تندلع من على الجسر، ومن أماكن يمكن النظر إليها من على بعد آلاف الأقدام، كما يأخذون رحلاتهم من الإمارات، أو عبر طيران الاتحاد إلى أوروبا والولايات المتحدة".
ويخلص رخمان إلى القول إن "أزمة قطر تشير إلى أن الأيام التي كانت فيها مآسي الشرق الأوسط تظل بعيدة عن الخليج المزدهر قد انتهت".