التوصل إلى عدد القتلى بين
المدنيين العزل خلال معركة مدينة
الموصل شمالي
العراق هي مهمة صعبة ومعقدة للغاية، لا سيما أن المعركة دارت في ثاني أكثر المدن كثافة بالسكان بعد العاصمة بغداد.
المصادر الرسمية تتكتم على الحصيلة الحقيقية لهذه الخسائر؛ خشية تأجيج الرأي العام العراقي والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، وإفراغ النصر على تنظيم "داعش" من مضمونه.
في العاشر من الشهر الماضي، أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر
العبادي، اكتمال استعادة الموصل، مركز محافظة
نينوى، من "داعش"، بعد حملة عسكرية، بدأت 17 أكتوبر الماضي، بدعم من طيران ومدفعية قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
ورغم إعلان النصر، إلا أن اشتباكات متقطعة استمرت أسبوعين في منطقة المدينة القديمة بالجانب الغربي من الموصل، حيث كان مسلحون من "داعش" يختبئون في سراديب، تحت المدينة، التي كان يسكنها ما بين مليونين ومليونين ونصف المليون نسمة، غالبيتهم من السُّنة.
3176 قتيلا
على مدى أسبوعين تم السعي للحصول على حصيلة بعدد الضحايا المدنيين من جهات رسمية (طبية، أمنية وسياسية)، لكنها رفضت جميعا؛ بدعوى أنها غير مخولة بالإفصاح عنها.
أحد الكوادر العاملة في دائرة الطب العدلي (حكومية) بالجانب الشرقي للموصل، وافق على الحديث، شريطة عدم نشر اسمه "خشية على حياته".
المصدر قال إن "دائرة الطب العدلي تملك قوائم بعدد أغلب القتلى المدنيين، الذين سقطوا في الموصل، لكنها غير مخولة بالإعلان عنها أو تقديم نسخ منها إلى المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان، وذلك بضغط ليس محليا فحسب، وإنما خارجيا أيضا"، دون مزيد من الإيضاح.
وتابع أن "أغلب قوائم الضحايا نُقلت إلى بغداد بسرية تامة وتحفظ شديد، وآخر عدد اطلعت عليه يفيد بأن 3176 مدنيا قتلوا خلال معارك الموصل، أغلبهم أطفال ورجال، وهذا عدد غير نهائي، فالعمل ما يزال جاريا يوميا لانتشال جثث من تحت الأنقاض".
ذلك العدد هو أكثر من ضعف العدد الذي أعلنته السلطات العراقية، في 20 تموز/يوليو الماضي، حين أفادت خلية الإعلام الحربي، المعنية بإصدار بيانات الحرب ضد "داعش"، بمقتل 1429 مدنيا خلال المعركة.
وكانت الخلية ترد على تقرير لصحيفة "إندبندت" البريطانية، نقلت فيه عن وزير الخارجية العراقي السابق، هوشيار زيباري، قوله إن 40 ألف شخص قتلوا خلال المعركة التي استمرت قرابة تسعة أشهر.
ورغم أن التقديرات قبل المعركة كانت تفيد بوجود نحو 7 آلاف مقاتل من "داعش" في الموصل، فقد أعلنت خلية الإعلام الحربي مقتل 30 ألفا من مسلحي التنظيم خلال الحملة العسكرية.
الأطراف المسؤولة
وفق المصدر في دائرة الطب العدلي، فإن "العدد الكبير من المدنيين القتلى سقطوا في الجانب الغربي للموصل"، التي كان "داعش" يسيطر عليها منذ 10 حزيران/ يونيو 2014.
وأوضح أن "من تسببوا بقتل المدنيين العزل، حسب المعلومات التي ترافق وصول الجثث إلى دائرة الطب العدلي، هم: تنظيم داعش والقوات العراقية والتحالف الدولي وطيران القوة الجوية العراقي، بعد أن أفرطوا في استخدام القوة، لاسيما في الأيام الأخيرة من عمر المعركة".
المصدر تابع أن "الأيام الأخيرة من عمر المعركة كانت تسجل مقتل أكثر من 100 مدني يوميا، وسط تكتم رسمي، للحفاظ على زخم المعركة، وعدم التسبب بانحراف مسارها، وبالتالي توقفها وضياع تحقيق النصر فيها".
وتحدث عن "وجود جهات سياسية (لم يسمها) تمتلك مافيات مسلحة، تقدم على تصفية أي جهة مهما كان شأنها إذا حاولت الكشف عن حجم الخسائر البشرية بين المدنيين العزل، وقد تعرضت كوادر طبية لتهديدات بالقتل في حال سربت أي معلومة أو وثيقة بهذا الخصوص".
جثث بلا حصر
تم التجول في مناطق السرجخانة، الشعارين، باب الطوب، شارع خالد بن الوليد والميدان، من المدينة القديمة بالجانب الغربي من الموصل، حيث تنبعث رائحة الموات من كل مكان وتظل آثار الدمار شاخصة للعيان بلا حاجة إلى بحث ولا تفتيش.
في الشوارع تنتشر جثث اختفت ملامح أصحابها؛ نتيجة تحللها في ظل حرارة صيف مرتفعة تقترب من 50 مئوية.
بينما يشير إلى تل من الركام في منطقة الميدان، قال النقيب في الشرطة الاتحادية (ج، غ البدراني) للأناضول: "قمت أنا ومجموعة من الجنود والضباط، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، بنقل أكثر من 200 جثة لعناصر داعش ومدنيين، بينهم نساء وأطفال، من أزقة الحي، وإلقائها خلف تلك التلة، ووضع الركام عليها بواسطة جرافة، وتعيين المكان بعلم أحمر للوصول إليه بسهولة وقت الحاجة".
وأضاف أن "الجثث بدأت تتفسخ، جراء الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، ولم تستطع الجهات المعنية لحد الآن رفع جميع الجثث من المناطق التي شهدت معارك شرسة للغاية".
ووفق النقيب البدراني، فإن "1750 جثة تم العثور عليها في الموصل القديمة وحدها، والقليل منها تعود لمسلحي داعش، بينما الغالبية الساحقة لمدنيين عزل قضوا قتلوا وسط الحرب، وما تزال جثث الكثيرين تحت الأنقاض تتنتظر من ينتشلها".
وخلال يومين فقط، سيطر "داعش" على الموصل، صيف 2014، بعد أن فر عشرات الجنود العراقيين دون قتال أمام بضعة مئات من مقاتلي التنظيم، الذي اتخذ من المدينة معقلا رئيسيا له في العراق.
لكن فاتورة استعادة الموصل كانت باهظة بشريا وماديا، حيث قتل عدد غير معلوم تحديدا حتى الآن من المدنيين، وتدمرت 80% من البنى الأساسية للخدمات، فضلا عن تسوية آلاف المنزل بالأرض.