بعد مرور شهر تقريبا على اندلاع الاشتباكات العنيفة بين قوات الشرطة
المصرية وأهالي
جزيرة الوراق والتي أسفرت عن مقتل مواطن وإصابة العشرات من الجانبين واعتقال 27 شخصا، أرسل قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسى عددا من قيادات القوات المسلحة للاجتماع مع الأهالي والتفاوض معهم على حل الأزمة وديا وإقناعهم بإخلاء منازلهم مقابل تعويضات مالية.
وبينما تقول الحكومة إن منازل الأهالي مبنية على أراضٍ مملوكة للدولة، يؤكدون من جانبهم أنهم يملكون عقودا رسمية تثبت ملكيتهم لهذه الأراضي وأنهم حصلوا من قبل على العديد من الأحكام القضائية التي تؤيد موقفهم.
مندوب السيسي
واجتمع وفد يضم مسؤولين بجهاز المخابرات وقيادات القوات المسلحة والشرطة برئاسة اللواء كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، المقرب من السيسي، مع ممثلين لأهالي الوراق يوم الخميس الماضي داخل الجزيرة.
وخلال الاجتماع تواصل السيسي هاتفيا مع الأهالي عبر الهاتف الخاص برئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وأكد لهم حرص الدولة على عدم الإضرار بأي مواطن وطمأنهم بعد تهجيرهم من منازلهم بالقوة.
اقرأ أيضا:
"دولة العسكر".. يد تبطش ببسطاء الوراق وأخرى حانية للكبار
كما أكد كامل لهم حرص الدولة على حقوق المواطنين وتعهد بعدم حدوث اشتباكات جديدة بين الأهالي وقوات الأمن عند تنفيذ حملات الإزالة أو وقوع ضحايا ومصابين.
واقترح على الأهالي دفع مبالغ مالية عادلة للتخلص من المباني العشوائية وإزالة "التعديات" على أملاك الدولة، وعرض شراء الفدان مقابل 4,8 مليون جنيه، ووزع عليهم كشوف للحصول على مستحقاتهم، كما أعلن إقامة مؤتمر جماهيري غدا الأحد، لعرض مخطط تطوير الجزيرة على الأهالي.
مسيرة رافضة
يشار إلى أن جزيرة الوراق هي منطقة عشوائية تقع في موقع استراتيجي داخل نهر النيل في شمال القاهرة ويسكنها أكثر من 100 ألف نسمة، وتخطط الدولة لإزالة مساكن الفقراء منها لإقامة مشروعات سياحية وعقارية فاخرة عليها، تملكها شركات إماراتية، بحسب تقارير صحفية.
وفي حين أعلنت وسائل إعلام محلية أن مجموعة كبيرة من أهالي الجزيرة وافقوا على عرض الوزير إلا أن المئات من أهالي الجزيرة خرجوا في مسيرة حاشدة يوم الجمعة الماضية رفضا لبيع الأراضي والمنازل بعد ساعات من اجتماع كامل الوزير مع ممثلين لأهالي الوراق، وكذبوا الأخبار عن التوصل لاتفاق لبيع الأراضي مقابل مبالغ مالية.
وردد الأهالي خلال المسيرة هتافات معارضة للنظام وأعلنوا رفضهم لمحاولات بيع الجزيرة، كما طالبوا بالإفراج عن عشرات الشباب الذين تم اعتقالهم خلال الاشتباكات التي وقعت أثناء اقتحام الشرطة للجزيرة مؤخرا.
"خطورة الموقف"
وتعليقا على هذه التطورات، قال الباحث السياسي عمرو هاشم ربيع إن "السيسي أدرك خطورة تهجير أهالي جزيرة الوراق باستخدام القوة وبدأ يراجع نفسه".
وأوضح ربيع، في تصريحات لـ "
عربي21"، أن "السيسي في البداية كان يتصرف معتقدا أن لديه شعبية كافية وأن الناس لن تعترض على إزالة منازلهم بالقوة، وأن الأهالي سيخافون من الوقوف أمام قوات الشرطة ولن يجرؤوا على مواجهتها بسبب حالة الخوف المسيطرة على قطاع عريض من الشعب المصري وخاصة الطبقة الفقيرة.
وتابع: "لكن ما حدث من اشتباكات عنيفة وهجوم للأهالي على قوات الشرطة والتي نقلتها وسائل الإعلام العالمية، جعل السيسي يعرف أنه أمام خطر حقيقي، خاصة وأنه لم يتجاوز بعد آثار أزمة تيران وصنافير، لذلك قرر تحجيم الأزمة عبر
التفاوض مع الأهالي وإقناعهم بقبول مبالغ مالية أكبر كتعويض عن هدم منازلهم، وأرسل لهم قيادات من الجيش كوسيط مقبول من الأهالي، وتعمد إلقاء مسئولية الاشتباكات العنيفة على قوات الشرطة والأجهزة المحلية.
الشعبية
من جانبه، قال الباحث السياسي جمال مرعي إن النظام الحالي ارتكب العديد من الأخطاء السياسية في أزمة الوراق، حيث رضخ لرجال الأعمال والمستثمرين العرب والمصريين الذين وعدوه بضخ أموال في الاقتصاد المصري في مقابل تجاهل حقوق المواطنين البسطاء، وقرر تهجير أهالي الجزيرة من منازلهم وأراضيهم بحجة أنها مملوكة للدولة، على الرغم من أن أهالي الوراق لديهم عقود رسمية تثبت ملكيتهم لهذه الأراضي.
وأضاف مرعي، لـ"
عربي21"، أن صمود أهالي الجزيرة أمام قوات الشرطة كان مفاجئا للجميع، حتى أن الشرطة ذاتها فقدت السيطرة على الأوضاع في الجزيرة، وهذا كان بمثابة إنذار بالخطر للنظام والسيسي، خاصة بعد مقتل أحد الشباب على يد الشرطة.
وتابع: "لم يكن أمام السيسي ونظامه سوى اللجوء للحل الودي مع الأهالي، لأن التصعيد معناه مقتل مزيد من الأهالي على يد الشرطة وهو ما لا يريده السيسي في هذه المرحلة خصوصا وأنه مقبل على انتخابات الرئاسة العام القادم ويحتاج أن يحافظ على ما تبقى من شعبيته.