استراتيجيات ترامب "الجديدة" في أفغانستان: إحياء طالبان

من الواضح الآن أن إدارة ترامب تنوي التصعيد العسكري في الجبهة الأفغانية. النية تتجه نحو ترفيع في القوات العسكرية الأمريكية وفي الوقت ذاته تصعيد الضغط على إسلام أباد المتهمة بالتنسيق مع طالبان. يتم تقديم ذلك على أنها استراتيجيات "أكثر حزما" من التي اتبعها أوباما، وأنها ستنهي "طالبان". الحقيقة أن هذه السياسة ليست جديدة كما أنها سترسخ وتقوي وجود طالبان لا غير، وبالتالي ستوفر ملاذا جديدا للقوى "الجهادية" المتطرفة في المنطقة، وهو ما سيزيد في عمرها. ففي لحظات احتضار "داعش" نحن بصدد مشاهدة لحظات ولادة جيل آخر لقوى الإرهاب المتطرف. 

كتب السفير السابق زلماي خليل زادة، وأحد أهم أعمدة السياسة الخارجية النيومحافظة لبوش الابن، في النيويورك تايمز مادحا لاستراتيجيات إدارة ترامب: "إن الاستراتيجية الجديدة ليست شاملة فحسب، بل أيضا تطورا كبيرا في السياسة الأمريكية. وعلى الرغم من أنه لم يحدد الأرقام، أشار الرئيس إلى أنه سوف يزيد في عدد قوات الولايات المتحدة، دون جدول زمني لانسحابها، وهو خطأ إدارة أوباما". 

يضيف خليل زادة: "تغيير رئيسي آخر من عهد أوباما هو قرار ترامب إعطاء القادة الأمريكيين في الميدان المرونة التي سعى إليها منذ فترة طويلة في مساعدة القوات الأفغانية، التي تقاتل طالبان والمتمردين الآخرين. واعتمد الرئيس أيضا موقفا واقعيا بشأن محادثات السلام، بعيدا عن مسعى الرئيس باراك أوباما للمصالحة بغض النظر عن تدهور الوضع العسكري". 

ثم يختم: "ومن العناصر الرئيسية في الاستراتيجية الجديدة الاعتراف بأن أمريكا تحتاج إلى نهج جديد تجاه باكستان. وخلافا لسابقيه في المكتب البيضاوي، اختار ترامب أن يتناول حقيقة أن باكستان لعبت لعبة مزدوجة. ودعا بلا لبس باكستان إلى وقف التظاهر بأنها شريك وتلقي مساعدات أمريكية واسعة النطاق، في الوقت الذي توفر فيه الملاذ والدعم لطالبان وشبكة إرهابي حقاني التي تقتل الأمريكيين والأفغان". 

نحن هنا بصدد اجترار سياسة تم استخدامها خلال عهد بوش الابن، ومن بين من أشرف عليها خليل زادة نفسه. وهي السياسة التي لم تقض بكل تأكيد على "طالبان" بل وفرت أسسا "شرعية" للتنظيم المتطرف وساهمت في إعاقة تحول أفغانستان نحو وضع سياسي عادي لقوى تقبل بعضها بعضا، وساهم في بقائها في إطار الاستقطاب القبلي الطائفي، وهو السياق الذي تنتعش فيه وستتنعش فيه قوى مثل "طالبان". إدارة ترامب تضيف إلى هذا التمشي الكارثي معطى آخر، وهو التصعيد تجاه الباكستان، واعتباره "ملجأ للإرهابيين". 

الرد الباكستاني كان قويا وحازما، وأبرز التصريحات كانت لوزير الخارجية خواجة آصف الذي قال: "وينبغي ألا تجعل واشنطن باكستان كبش فداء لإخفاقاتها في أفغانستان." في المقابل تصاعدت تصريحات القوى المتطرفة داخل باكستان ومن بينها تصريحات الملا سامي الحق، وهو المشرف على المدارس التي تخرجت منها طالبان: "الحكومة الباكستانية يجب أن تنسحب من التحالف من أجل الحرب ضد ما يسمى بالإرهاب، السماوات لن تسقط إذا غضبت أمريكا علينا". بمعنى آخر تتعرض حكومة الباكستان لضغط مزدوج، من الداخل بسبب تعاونها مع واشنطن، ومن واشنطن بسبب ما تدعيه الأخيرة من تعاون باكستاني غير كاف، بل دعم ضمني للإرهاب. إضعاف واضح لأهم حليف أمريكي في المنطقة. 

فعلا نحن نحتاج لإعادة تفحص الإخفاقات الأمريكية في أفغانستان، وهو ما يشير إلى سياسة لم تستفد من الدروس الضرورية. سأعود هنا لمقال لستيفان والت في نشرية "فورين بوليسي" سنة 2013 حيث يمكن أن نجد تشخيصا دقيقا لأسباب هذا الإخفاق المزمن. 

يذكر والت من بين الأسباب: "لم نتمكن من دفع قرضيّ للإصلاح؛ لأنه كان اللعبة الوحيدة في المدينة، وكان يعرف ذلك. وما لم تكن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على استعداد للاستيلاء على البلاد بأسرها ومحاولة حكمها بأنفسنا - وهي مهمة كان من شأنها أن تجعل العراق محتلة تبدو سهلة- فقد اضطررنا للعمل معه رغم عيوبه العديدة. ومع ذلك، تتطلب عمليات مكافحة التمرد الناجحة شركاء محليين شرعيين فعاليين، ولم يكن لدينا أحد". 

لكن أهم ما ذكره والت يتعلق بالجانب الاستراتيجي لمعنى "الانتصار"، أي ماذا يعني أن "تنتصر" الولايات المتحدة في أفغانستان: "فشلت مؤسسة الأمن القومي بأكملها في الاعتراف أو عدم الاعتراف بعدم التوافق الأساسي بين 1) المصالح الأمريكية (التي كانت محدودة)، 2) أهدافنا المعلنة (التي كانت طموحة جدا)، 3) الموارد والصبر الهائل الذي كان سيطلب تحقيقه تلك الأهداف. وكان الفوز يتطلب منا أن ننفق أكثر بكثير من الفوز يستحق، والقيام بأعمال محفوفة بالمخاطر وغير مؤكدة إلى حد كبير تجاه بلدان مثل باكستان. وقد اختار قادة الولايات المتحدة بحكمة عدم القيام بهذه الأمور، لكنهم فشلوا في إدراك ما يعنيه ذلك للمجهود الحربي نفسه". 

الوجود الأمريكي العسكري في ذاته هو جزء من المشكل، بوصفه بديلا عن ديناميكية أفغانية فعلية بقيت معطلة لأسباب ذاتية، لكن أيضا لأسباب موضوعية تخص التدخلات الخارجية المتعددة. ما ستقوم به الإدارة الأمريكية تحت ترامب الآن سيعمق في المشكل ويرسخ الأسسس الموضوعية لوجود "طالبان"، لا أكثر ولا أقل. وهو ما يعني تواصل ملاجئ التطرف الإرهابي التي تهدد أمننا القومي العربي ذاته.