"تعذر صرف المعاشات قبل عيد الأضحى، وسيتم صرفها بعد إجازة
العيد".. جملة قصيرة تضمنها بيان مقتضب لوزارة التضامن الاجتماعي في
مصر، تسببت في إصابة نحو 10 ملايين مواطن من أصحاب المعاشات بالإحباط.
ويصادف عيد الأضحى اليوم الأول من شهر أيلول/ سبتمبر، ما يعني أن ملايين الأسر من أصحاب المعاشات سيقضون العيد وقد نفدت معاشات شهر آب/ أغسطس، وعليهم الانتظار لما بعد العيد لصرف المعاش الجديد.
بلادة وعدم إحساس بالفقراء
وأعلنت الوزارة عدم صرف معاشات شهر أيلول/ سبتمبر قبل حلول عيد الأضحى، وبررت ذلك بوجود مشكلة تقنية تمنع تغيير موعد صرف المعاشات قبل موعدها المعتاد أول كل شهر، الأمر الذي أثار موجة من الانتقادات الحادة للنظام، حيث حُرم الملايين من البسطاء من توفير احتياجات العيد الأساسية.
وفسر البعض هذا القرار برغبة الحكومة في الانتظار لما بعد العيد؛ حتى تحصل على فوائد هذه الأموال من البنوك، والتي تقدر بملايين الجنيهات.
وفي مقال له بصحيفة "المصري اليوم"، وصف الصحفي حمدي رزق، المؤيد للنظام، رفض الحكومة صرف المعاشات قبل العيد بأنه "بلادة وعدم إحساس بمعاناة الفقراء"، فيما علق الإعلامي معتز مطر، المعارض للانقلاب، ساخرا بقوله: "لو جنكيز خان يحتل مصر لتعاطف مع البسطاء وصرف لهم المعاشات قبل العيد".
اللحوم للأغنياء فقط
من جانب آخر، تشهد أسواق الأضاحي حالة من الركود قبل أيام قليلة من العيد بسبب عجز كثير من المصريين عن الشراء بعد تدني دخولهم وارتفاع الأسعار إلى ما يقارب ضعفي مثيلتها في العام الماضي، بسبب السياسات الاقتصادية الحكومية في الأشهر الأخيرة، وعلى رأسها تعويم الجنيه.
وارتفعت أسعار اللحوم بشكل غير مسبوق، وصلت إلى نسبة 60 في المئة، ليسجل سعر كيلو اللحم 150 جنيها بعد أن كان 90 جنيها العام الماضي، الأمر الذي جعل الإقبال عليها ضعيفا للغاية.
وقال نائب رئيس شعبة القصابين باتحاد الغرف التجارية، محمد شرف، لوكالة "رويترز"، إن الإقبال على شراء اللحوم قبل يومين فقط من عيد الأضحى أقل من المتوسط، وهو ما أكده كثير من المواطنين الذين تحدثت إليهم "
عربي21"، حيث قالوا إن أسعار الأضاحي أصبحت تفوق قدرتهم على الشراء.
وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للإحصاء قبل أسبوعين أن معدل
التضخم السنوي في مصر قفز إلى 33 في المئة في تموز/ يوليو الماضي، من 29.8 في المئة في حزيران/ يونيو، وهو أعلى معدل يسجل في البلاد منذ أكثر من ثلاثة عقود، وثاني أعلى مستوى على الإطلاق منذ بدء تسجيل بيانات التضخم عام 1958.
البسطاء يعانون
وتعليقا على هذه الأوضاع، قال الخبير الاقتصادي مصطفى عطوة؛ إن المواطن البسيط يتكبد المعاناة بسبب فشل الحكومة، مشيرا إلى أن نحو 10 ملايين شخص كانوا ينتظرون هذه المعاشات قبل العيد، لكنهم لن يحصلوا عليها بسبب "مشكلات روتينية عقيمة".
وأكد عطوة، في حديث لـ"
عربي21"، أن "الحكومة تتعامل مع المواطن محدود الدخل أو أصحاب المعاشات باعتبارهم عالة عليها وعلى المجتمع، ولذلك لا تهتم بما يتعرضون له من ضغوط اقتصادية أو اجتماعية بسبب أخطاء النظام"، كما قال.
ورأى أن "هذه ليست المرة الأولى التي تتقاعس فيها الحكومة عن صرف المعاشات، حيث تأخرت عن صرفها قبل عيد الفطر الماضي، لولا تدخل بعض العقلاء الذين حذروها من تسببها في إحراج بالغ لعبد الفتاح السيسي الذي وعد المواطنين بصرف علاوة اجتماعية مع المعاشات قبل العيد، وفي النهاية قامت الحكومة بصرف المعاشات فقط وأجلت صرف العلاوة لما بعد العيد".
السيسي هو المسؤول
من جانبه، قال المحلل السياسي عمرو هاشم ربيع؛ إن الحكومة ليست المسؤول الأول عما حدث لأصحاب المعاشات، مؤكدا أن الحكومة مجرد "أطقم سكرتارية" تنفذ ما يطلبه منها عبد الفتاح السيسي.
وأكد ربيع لـ"
عربي21"؛ أن "النظام لا يشعر بالأزمات أو حساسية التوقيت، ولا يعي أننا في موسم أعياد ولا بد من صرف الرواتب والمعاشات للناس في وقتها، خاصة وأن موظفي الحكومة أو أصحاب المعاشات ليس لهم مصدر دخل آخر يعتمدون عليه"، مشيرا إلى أن "النظام يتعامل بتراخ مع الأزمة، ولسان حاله يقول: إن الأموال موجودة وسيتم صرفها بعد العيد، فأين المشكلة؟".
ووصف ما حدث بأنه "كارثة من وجهة نظر ملايين الفقراء، ولا بد من تدخل سريع من أي مسؤول لحل الأزمة خلال الساعات المقبلة؛ لأن الشعب اقترب من الانفجار ولم يعد يحتمل أي ضغوط اقتصادية مع الزيادة شبه اليومية في أسعار السلع والخدمات"، وفق قوله.