نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية مقال رأي للأستاذ المختص في تاريخ الشرق الأوسط بمعهد الدراسات السياسية بباريس، جان بيير فيليو، الذي أكد أن نظام بشار
الأسد يعد المسؤول الأول عن الدمار والخراب الذي لحق بسوريا، كما أنه يعتبر المستفيد الأول من عملية إعادة إعمارها.
وذكر الكاتب، في هذا المقال الذي ترجمته "
عربي21"، أن الخسائر البشرية التي نتجت عن الصراع في
سوريا، المستمر منذ ست سنوات ونصف، وصلت إلى قرابة نصف مليون قتيل في دولة يبلغ تعداد سكانها 22 مليون نسمة. وفي الأثناء، اضطر نصف سكان سوريا إلى مغادرة البلاد واللجوء إلى دول أخرى.
وبين الكاتب أن البنك الدولي قدر تكلفة الدمار الذي لحق سوريا بأربعة أضعاف ناتجها المحلي الإجمالي المسجل بتاريخ سنة 2010. ويعاني سوريان من أصل ثلاثة من الفقر المدقع. في المقابل، أعرب المستفيدون من هذه الحرب عن استعدادهم لضخ مبالغ مالية ضخمة لإعادة إعمار البلاد بما يخدم مصلحة نظام الأسد.
وأشار الكاتب إلى أن الدعم الجوي الروسي والحضور الإيراني برا من خلال المليشيات التابعة لها، لعبا دورا في نجاح النظام في "تحرير" بعض المناطق التي أصبحت أشبه بالأطلال. فضلا عن ذلك، ساهمت هذه المساندة العسكرية في دفع عدد هام من الأهالي إلى النزوح. كما كثف النظام من عملياته التخريبية بصفة ممنهجة منذ سنة 2012، مستهدفا الأحياء المناهضة له. وفي هذا الصدد، ترتكز استراتيجية العمليات العسكرية طويلة المدى أساسا على ثلاث مرتكزات:
التدمير، والطرد، ثم الاحتلال.
وذكر الكاتب أن هذه الاستراتيجية تسببت في إرغام ملايين السوريين على الفرار إلى دول أخرى. أما بالنسبة لممتلكاتهم، فقد تخلوا عنها بعجالة حتى يتمكنوا من دفع تكاليف الخروج من البلاد والعيش في المنفى. وفي الأثناء، تنتفع شبكة كاملة من هذه الممتلكات، حيث تتعاون مع مختلف الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد، وتربط هذه الحلقة من "الوحوش" علاقة وطيدة بحلفاء دكتاتورية الأسد من خارج سوريا، وعلى رأسهم إيران ومليشياتها.
وأفاد الكاتب أن التوجهات الدينية تقف بالأساس وراء تدخل إيران ومليشياتها في سوريا، حيث تحتضن إحدى ضواحي مدينة دمشق مرقد السيدة زينب ابنة الإمام علي وشقيقة الحسين، في حين تعد هذه الشخصيات مقدسة عند الشيعة. من جانبه، شدد حليف ثان للنظام، ألا وهو الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، على تعهد بلاده بإعادة تشييد أكبر مسجدين في كل من مدينة حمص وحلب، علما أن المسجدين قد دمرا على يد النظام في سنة 2013.
وفي السياق ذاته، يبدو أن مشروع قديروف السني ومشروع الحرس الثوري الإيراني الشيعي لا يستجيبان لرغبة نظام الأسد؛ الذي يريد أن يكافئ شركاءه الأجانب من خلال تخصيص حصة أكبر لهم في سوق "إعادة إعمار سوريا".
ونوه الكاتب إلى أن التحدي الأكبر في خضم معضلة إعادة إعمار سوريا يرتكز أساسا في مدينة حمص، حيث تم تدمير قرابة 23 في المئة من منازلها، كليا أو جزئيا. وأشار البنك الدولي إلى أن حجم هذا الدمار يصل إلى نسبة 31 في المئة في مدينة حلب. ولكن هناك شكوك تحوم حول مدى دقة هذه النسب، نظر لأن نصف الأراضي في سوريا ليست مسجلة بشكل دقيق.
وأكد الكاتب أن هناك أطرافا أجنبية أخرى تنوي المشاركة في عملية
إعادة الإعمار، لكن دون أن تبادر بوضع يدها في يد النظام. وفي هذا السياق، نظم الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة مؤتمرا حول إعادة إعمار سوريا، خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي في بروكسل. وبالتزامن مع هذا المؤتمر، قصف طيران الأسد مدينة خان شيخون، مما أكد أن فكرة "إعادة الإعمار" قد طرحت قبل أوانها.
ومباشرة، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه لن يشارك في هذه العملية إلا إذا شهدت البلاد "انتقالا سياسيا كاملا، وحقيقيا، وشاملا". وأكد الاتحاد أن "تكاليف إعادة الإعمار ينبغي أن يتحمل مسؤوليتها بصفة خاصة أولئك الذين يغذون الصراع في سوريا".
وقال الكاتب إن كلا من إيران وروسيا "اللتين تُغذيان الصراع" الدائر في سوريا؛ تعملان على الدفع نحو "انتقال سياسي" يتماشى مع مطامع نظام الأسد. وفي الوقت نفسه، يشدد النظام على إعادة إعمار سوريا بما يتفق مع مصالح حلفائه. وبالتالي، لا جدوى من محاولة إقناع الأسد بضرورة الامتثال لانتقال سياسي في البلاد، أي أن زمام عملية إعادة الإعمار ستبقى بين يديه.