وردت أخبار كلها تشير إلى الحالة الانقلابية التي تجسدت في نظام الثالث من تموز/ يوليو التي لا تجد من سبيل لاستقرارها سوى أن تمارس حلا أمنيا يستند إلى عقلية حكم فاشي، وطريقة بوليسية في تسيير الأمور.
المعلومة بالنسبة لهؤلاء شر مستطير، والمعارضة عمل إجرامي، والاحتجاج ليس إلا محاولات لزعزعة استقرار النظام أو الشروع في قلب نظام الحكم.
هكذا يروج النظام المستبد لعمليات بطشه وطغيانه بكل أساليب تفزيعه وترويعه، بكل طرائق ترهيب شعبه وتركيعه، إنها عقلية المستبد التي تقوم على قاعدة من صناعة الخوف.
وهي إذ تجعل من هذه الصناعة كل همها فلا ترى من حل سياسي، وتدخل مع معارضيها في معركة صفرية، لا تقبل بأي تهاون أو ما تعتبره تنازل، تصل تلك السلطات المستبدة في بطشها إلى الحدود القصوى لا تستخدم القوة المفرطة فحسب بل إنها قد تصل إلى أقصى سقف؛ تقتل وتخنق، تشرد وتطارد، تعتقل وتعذب، تختطف وتصفي جسديا خارج إطار القانون.
تفعل كل ذلك وكأنها من حقوق الحفاظ على سلطانها، تخشى من أي صيحة، وتخاف من كلمة "لا"، إنها لا تقبل إلا التركيع، وتطبيع عقلية القطيع.
الحل الأمني تلجأ فيه لكل مصادر القوة وكل أنواع البطش، وتلوح بعد كل فترة إلى أنها تستطيع على حد تعبيرها "أن تفرد قوات الجيش في 6 ساعات"، وتجعل من قوات الشرطة جيشا مستقلا لترويع الناس والقيام بكل الأعمال القذرة فيما يتعلق بالمواطنين.
إن جيش الشرطة هدفه نشر الخوف لا يرضى عن ذلك بديلا، ومن العجيب حقا أن ترى أن أجهزة الشرطة قد تضخمت إلى الحد الذي تفوق فيه في أعدادها الجيوش المحاربة، رغم ما قد تدعيه سلطات الاستبداد من أن أعداء خارجيين يستهدفون أمن الوطن وأمن المواطن.
ومع ذلك، فأعداد الجيش تتقلص، وأعداد جهاز الشرطة تتضخم، ومع هذا، فإن هناك أجهزة أمنية أخرى صارت تقوم بأدوارها في التجسس على المواطن حتى تضمن تكميم أفواهه ومنعه من الكلام أو الاحتجاج، تؤكد له إن أراد أن يحافظ على كيانه أو حياته فعليه أن يصمت وعليه أن يخضع.
فإذا كان من المواطنين الصالحين في عرفهم، فهو فقط ذلك المواطن الذي يخضع، ولكنه كذلك المواطن الذي يخدع، القابلية للخداع عمل يقوم على خداع الذات وتمثيل حال الخنوع والخضوع والانخداع، ومع ذلك إنه لا يكتفي بكل هذا؟!
الحل الأمني حلقة مفرغة، الجيش وتدخله لا يكفي، والشرطة كها بأجهزتها قد لا تجدي، والأجهزة الأمنية من مخابرات عامة، ومخابرات حربية لم تعد تقوم بأدوارها في متابعة العدو الصهيوني.
ولكن تتابع أبناء شعبها لتضمن "صناعة عملية الخضوع الكبرى" و"الانخداع والخديعة العظمي"، هذا ما تريد، ومع تعدد هذه الأجهزة وتضخمها إلا أن المستبد الطاغية لا يشبع من قوة.
إنه يحاول من كل طريق أن يخترع أجهزة أخرى تكون طوع يمينه، وتقوم بأدوار أخرى في تركيع الشعب والمجتمع، في هذا السياق تبحث القوة الباطشة وطلبها المتزايد على الطغيان الباطش واحتراف عمليات الظلم الفادح والفاضح كطقس يومي.
فتزيد هذه القوة من "جيش من البلطجية"، قوة أخرى توظف من هم خارج القانون ومن يصنفون في خانة المسجل الخطر ليخدم السلطة مقابل إطلاق يده في بلطجته.
ولكنه يكلف بمهام أشد قذارة، خاصة في الأوقات الاستثنائية، يستدعون لكل أعمال الغدر والبطش والتفزيع، جيش البلطيجة هذا قدر في بعض التقديرات -لا ندري حقيقتها- إلى ما يقرب من ثلاثمائة ألف عنصر في كافة المحافظات يٌطلقون ويتحركون بـ"الريموت كنترول" للقيام بأعمال تجمع ما بين القذارة والبطش المريع.
لا يقصدون منها إلا نشر حالة من الفزع والخوف لدى المواطن في حال إذا ما فكر أن يعترض أو يحتج وإن أردنا الدقة أن يختلف، إنهم لا يريدون إلا مواطنة تصنع على أعينهم "مواطن لا يسمع، لا يرى، لا يتكلم"، إنه المواطن الصالح/ الصامت في عرفهم.
الحل الأمني شره طماع، لا يقف عند حد، إنه حينما يطلب القوة الباطشة لا يتوقف عن طلب المزيد، والمزيد لا سقف له، دائما يطلب ويلح "هل من مزيد"، ومن ثم يتفتق هذا الحل الأمني عن ابتداع مصادر أخرى للقوة الباطشة، ليضمن إحكام حلقات الترويع والتفزيع والتركيع، ويضمن صناعة عقلية القطيع.
ليست فقط صناعة بل إنها تصنيع، وهنا تأتي "الطريقة
الفالكونية"، نسبة إلى "فالكون"، وهي شركة أمنية خاصة يهيمن عليها مجموعة من الرتب السابقة من الشرطة والجيش ومن أجهزة أمنية أخرى يقومون بمهام أشد قذارة، ويصدرونها في أمور أشد مرارة.
كشف النقاب عن هذه "البدعة الفالكونية" حينما أرادوا أن يواجهوا الحركة الطلابية في الجامعات، أشرف تلك الحلقات الاحتجاجية التي تواجه تغول المستبد، وكل زبانيته.
الحركة الطلابية لها رصيد كبير، رصيد في التاريخ ورصيد في العمل، بدت هذه الحركة الطلابية رقما صعبا في المعارضة بحركتها الكثيفة في الجامعات في مواجهة هذا الانقلاب الغادر الغاشم.
وتحركت على الفور عقلية البطش الجهنمية: "فلنسند الأمن في الجامعات لهذه الشركات الخاصة" في ظل اللغط الذي ثار حول قانونية عودة الحرس الجامعي، أو التدخل الشرطي في الحُرم الجامعية المختلفة.
بدا هذا هو الحل الأمني الجهنمي، وبدت الأمور تمتزج ما بين تأليب طلاب على بعضهم البعض، وانتقاء جهاز بلطجة من الطلاب، بل والسماح ببلطجية من خارج الجامعة بممارسة إجرامهم داخل ساحة الحرم الجامعي.
ومثل تلك الكاميرات التي أراد الاحتلال أن يثبتها في أرجاء المسجد الأقصى، نشر هؤلاء كاميراتهم في أرجاء الجامعات لمراقبة الحركات والسكنات، هكذا كان الحل في مواجهة حركة طلابية فاعلة.
وتحولت الجامعات إلى ثكنات عسكرية، وأماكن تحاصرها الشرطة، وساحة لإطلاق يد الأمن الإداري/ الداخلي، وشركة أمن فالكون المزعومة، خطة الإحكام والتكميم استطاعت أن تفرض طوقا أمنيا على الجامعات وعلى الحركة الطلابية.
وصار الأمر يتعلق بأفعال تتمثل في قنص الطلاب، أو خطفهم قسريا وقتلهم أو ضربهم وسحلهم بالجنازير، وصار الاحتجاج أمرا مكلفا، في إطار مناخ يمنع التظاهر والاحتجاج.
فالكون هذه المرة تظهر في ثوب جديد، إن كنت تصدق أو لا تصدق، فالكون ستقوم بجمع إيرادات الكهرباء والمياه، وبصورة ذهنية تتعلق برجال بلطجية مفتولي العضلات سيجمعون الإيرادات.
يريدون ترويع الناس، لأن البعض قد أشار عليهم بعصيان مدني، والامتناع عن تسديد الفواتير بعد أن فاقت الحدود وارتفعت الأسعار وصارت الدولة دولة الجبايات والاتاوات.
إنها القوة الباطشة لا تشبع من سلطة، ولا تشبع من ثروة، في هذه المرة يروعون خلق الله بكل أسلوب من التفزيع، أمر يفوق التصور والحدود.
أزيدكم من الحل الأمني أمرا جديدا، الأخبار تٌزًف عن عاصمة جديدة ستخصص لأهل السلطة والنخبة، وإن شئت الدقة "العصابة"، تأتي الأخبار تباعا أنهم سيقيمون أسوارا عالية بسمك كبير.
هذه الأسوار تصل في ارتفاعها إلى سبعة أمتار، ترى ما هي إلا نظرية المنطقة الخضراء، استقاها المستبد الطاغي من المحتل الباغي كما فعل الأمريكان في العراق وأفغانستان، في محاولة لتأمين سلطانهم بالأسوار العالية حتى يأمنوا.
أقول لكل هؤلاء من أصحاب هذا التفكير والحل الأمني؛ الغدر سمتكم، والطغيان طريقتكم، والأسوار العالية والأبراج العاجية أسلوبكم، ولكنها لن تمنحكم الأمن، ولن تعطيكم الأمان.
حينما يجد الجد تسقط قوتكم، وأنتم في حصونكم ويتهاوى طغيانكم، ثورة الشعوب تطاردكم، تتصورون أنكم تٌفزّعون هذه الشعوب، وأنتم من شعوبكم تهربون وتفرون وتفزعون.
والتاريخ مليء بالتجارب التي لم تصمد فيها الأسوار أمام غضب الشعوب وثورتهم على الطاغية والطغيان.