بعد تحويل التحالف السري بين
العرب و"
إسرائيل" إلى العلن، بلقاءات قادة ومسؤولين عرب تم تسريب بعضها للإعلام، هل نحن مقبلون على مرحلة
تطبيع شعبية وثقافية؟
التساؤل يطرح نفسه عقب ما تم تداوله في
مصر على مدار اليومين السابقين؛ من توثيق حالة تطبيع ثقافية وفكرية بطباعة خريطة الوطن العربي بكتاب خارجي للصف الثاني الإعدادي؛ تحمل علم "إسرائيل"، وتنتزع اسم وعلم فلسطين من قلب الخريطة. وهو الموقف الذي حدث في الجزائر في أيلول/ سبتمبر 2016، عندما انتزع اسم فلسطين من كتاب مدرسي لتحل "إسرائيل" مكانه، أيضا.
تطبيع سري
وكشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في 12 حزيران/ يونيو الماضي، عن لقاء سري، عُقد في 2016 في القاهرة، بين قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأقر نتنياهو بعقد لقاء سري مع العاهل الأردني عبد الله الثاني والسيسي، في الأردن، في آذار/ مارس الماضي.
وكشفت صحيفة "ميكور ريشون" الإسرائيلية، الأحد، أن محمد بن سلمان ولي العهد السعودي زار إسرائيل الأسبوع الماضي؛ سرا، والتقى نتنياهو.
وقال نتنياهو في 6 أيلول/ سبتمبر الماضي، إن "التعاون مع الدول العربية أكبر من أي فترة كانت منذ إقامة إسرائيل، وما يحدث اليوم لم يحدث مثله في تاريخنا والتعاون قائم بقوة وبمختلف الأشكال والطرق والأساليب، رغم أنه لم يصل للحظة العلنية، لكن ما يجري تحت الطاولة يفوق كل ما حدث وجرى بالتاريخ".
تطبيع ثقافي
وإلى جانب دعوات كتاب ومثقفين وفنانين مصريين للتطبيع الثقافي مع "إسرائيل"، على مدار السنوات السابقة، شهد عهد السيسي تطبيعا ثقافيا فعليا عام 2016، حيث شهد معرض القاهرة الدولي للكتاب؛ جناحا للكتب الإسرائيلية، وتمت ترجمة إصدار لصحفي بإذاعة الجيش الإسرائيلي إلى العربية.
وفي 2015، وضع متحف مصري صورة رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة، غولدا مائير، على أساس أنها واحدة من أهم النساء الرائدات على مستوى العالم.
وفي آب/ أغسطس 2016، دعا الكاتب السعودي الليبرالي، محمد آل الشيخ،
السعودية؛ إلى التطبيع الثقافي مع إسرائيل.
وقال الكاتب السعودي أحمد عبد الرحمن العرفج، بمقال بصحيفة الجمهورية المصرية نهاية 2016: "لا أعرف سببا مقنعا لهذه الحساسية من كل ما هو إسرائيلي، أو عبري أو يهودي، مع أنهم يتداخلون مع الثقافة العربية، ويتقاطعون معها على أكثر من صعيد".
ودعا وزير الاستثمار السوداني مبارك الفاضل، في آب/ أغسطس الماضي، السودانيين؛ للتطبيع مع "إسرائيل"، واعتبر أن القضية الفلسطينية أضرت بالعالم العربي.، وفي ذات الشهر طالب الفنان الشهير حامد كسلا، بذات المطلب.
وفي شباط/ فبراير الماضي، دعا رئيس حزب الوسط الإسلامي في السودان، يوسف الكودة، بلاده للتطبيع مع "إسرائيل" بدون شروط.
"النخبة المرتزقة والانتهازية"
من جانبه، رصد الكاتب والمحلل السياسي، خالد الأصور، بدايات التطبيع العربي مع "إسرائيل"، مؤكدا أنه "ليس وليد اليوم، ولكنه يعود لأكثر من ربع قرن بالتزامن مع عودة العلاقات العربية مع مصر نهاية الثمانينيات، ثم انهيار النظام العربي باحتلال العراق للكويت، وحدوث اختراقات كثيرة بفعل الحضور العسكري الغربي بالمنطقة لصالح التطبيع مع الصهاينة".
وفي حديثه لـ"
عربي21"، أضاف الأصور: "كانت البداية بإضعاف مكتب المقاطعة العربية للكيان الصهيوني وكافة الشركات والمؤسسات الأمريكية والأوروبية المتعاملة معه، وكانت هذه المقاطعة في شقها الاقتصادي فاعلة جدا، وتم إنهاء عمل هذا المكتب تماما"، مشيرا إلى أن "أمين عام الجامعة العربية الحالي أحمد أبو الغيط من أكبر المطبعين مع الصهاينة"، على حد وصفه.
وحول بداية التطبيع السري أوضح الأصور، أنه "نشأت علاقات من تحت الطاولة وأخرى كانت سافرة عبر مكاتب تمثيلية في بعض العواصم العربية والخليجية، وإن جري إغلاق بعضها دون أن تتأثر المساعي الصهيونية الحثيثة لإحداث اختراق على صعيد العلاقات العربية".
السيسي و"آل سعود"
وأكد أن "التطبيع بلغ ذروته مع انقلاب السيسي ولقاءاته العديدة الملفتة مع المنظمات اليهودية الأمريكية التي تدين بالولاء للكيان الصهيوني".
وحول تطبيع السعودية مع الكيان الصهيوني، تحدث الأصور عما أسماه "تماهي آل سعود مع هذه الأجواء"، مشيرا إلى "صفقة انقلاب الشاب الغر محمد بن سلمان للقفز إلى ولاية العهد تمهيدا ليحل قريبا محل أبيه الملك سلمان الطاعن في السن"، على حد قوله.
وأوضح أن "تلك الصفقة تمت برعاية أمريكية؛ ثمنها الأول هو التطبيع مع الكيان الصهيوني، وصدرت تصريحات رسمية سعودية ولشخصيات مقربة من السلطة، مثل اللواء السابق بالجيش السعودي أنور ماجد عشقي، تدشن لهذه الحقبة من التطبيع".
وأكد الأصور أنه "في ضوء ذلك كله، ليس من المستغرب هذه الإجراءات للتطبيع الثقافي، (رفع اسم فلسطين وخريطتها من المناهج)، ولكن التجربة أثبتت أن التطبيع على المستوى الشعبي لا يلقى نجاحا، بل يجري الترويج له ولا يجد صدى إلا في أوساط بعض النخبة المرتزقة والانتهازية"، بحسب تعبيره.
تطبيع أقلية
من جانبه، نفى الباحث في الشؤون الإسرائيلية لدى "مركز رؤية للتنمية السياسية"، صلاح الدين العواودة، وجود ما يسمى بـ"تطبيع الشعوب"، معتبرا أن "تعريف كلمة شعبية لم يعد متفقا عليه، فالأنظمة أصبح لها شعوب خاصة غير الشعوب التي نعرفها، فشعب السيسي غير الشعب المصري، وشعب بشار غير الشعب السوري، وهلم جرا"، كما قال.
وأضاف لـ"
عربي21": "ستجد من المطبلين للأنظمة وهم قلة وغالبا من الأقليات الطائفية والدينية وخصوصا الفنانين؛ من يؤيدون الأنظمة في كل خطواتها وسيسعون للتطبيع مع الاحتلال الصهيوني".
وتابع: "أما الشعوب؛ فلا يحق لها حتى أن تنتخب من يمثلها، وإذا حصل وانتخبت فيتم الانقلاب على نتائج الانتخابات، وممثلو الشعب بين القتل والسجن والتشريد"، مضيفا: "أما النخب الوطنية، الممثل الحقيقي للشعوب، فهي الأخرى بين القتل والسجن والتشريد".
وأضاف العواودة في هذا السياق؛ أن "الاعتقالات الأخيرة للدعاة بالسعودية هي خطوة على طريق التطبيع مع الاحتلال".
على شرف ترامب
وأكد الباحث الفلسطيني؛ أنه "بعد مؤتمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرياض في أيار/ مايو الماضي، تم تكليف طاقم أمريكي لتدقيق المناهج الدراسية السعودية لملاءمتها مع الكيان الصهيوني، لتحذف منها الآيات التي تتكلم عن اليهود أو المسجد الأقصى، وتتغير كتب الجغرافيا التي فيها فلسطين، وغير ذلك الكثير"، مضيفا: "ما يجري في كثير من البلاد العربية يأتي في هذا الإطار"، كما قال.
وحول سبب تكالب القادة العرب على التطبيع، أوضح العواودة، أن "الأنظمة العربية وبعد أحداث الربيع العربي أدركت أن الشعوب تكرهها، وأنه لا شرعية شعبية لها، لذلك لجأت للتقارب مع إسرائيل كمصدر لشرعيتها"، مشيرا إلى "الجهود التي بذلتها إسرائيل لدى الغرب لتثبيت دعائم الانقلاب بمصر".
وأوضح أنه "اليوم دول الخليج تسعى لدى إسرائيل لنفس الغرض لحمايتها من شعوبها ومن إيران"، معتبرا أن "إسرائيل تستغل هذه الحاجة جيدا لمزيد من التنازلات، ولإجبارهم على تنفيذ المخططات الإسرائيلية بحذافيرها، مثل اعتبار حماس والإخوان جماعات إرهابية، بجانب محاصرة قطاع غزة ومن يدعمه مثل قطر"، على حد قوله.
انتهى زمن غسل الأدمغة
وحول تسريب أفكار التطبيع إلى المقررت الدراسية، رأى العواودة أن "الأمر خطير، لكن في ظل الثورة التكنولوجية والإعلام الحديث فات الأوان على غسل دماغ الشعوب"، مؤكدا أن "ما يجري هو فقط إسقاط الأقنعة عن الوجه الحقيقي للأنظمة التي سوقت نفسها للشعوب على أنها وطنية، وما كان للشعوب أن تصدق هذه الحقيقة دون أن نصل لهذه النقطة".
وأضاف: "لم يمارس بعد على الشعوب العربية ما تم ممارسته على الشعب الفلسطيني، من أجل غسل دماغه، ومع ذلك فشلوا وظل الشعب الفلسطيني أطفالا وشيوخا متفقين على أن فلسطين لهم وأن الاحتلال عدوهم"، وفق تقديره.