نشرت صحيفة "روسكايا فيسنا" الروسية تقريرا، تحدثت فيه عن إبرام أنقرة لصفقة أسلحة هي الأبرز في تاريخ العلاقات التركية الروسية. وفي هذا الإطار، أعلن الرئيس التركي رسميا عن توقيع صفقة توريد منظومة الدفاع الجوي إس-400، التي تثير العديد من التساؤلات حول سبب اختيار أنقرة للأسلحة الروسية دون غيرها.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن هذا الاتفاق جاء بعد عناء طويل من بحث أنقرة عن سبل جديدة لتعزيز قواتها الدفاعية، والتغلب على مخاوفها والتهديدات المحيطة بها. فضلا عن ذلك، ترغب أنقرة منذ زمن في الحصول على أنظمة صواريخ مضادة للطائرات بعيدة المدى.
وأكدت الصحيفة أنه خلال العقدين الماضيين، ظل الصاروخ متوسط المدى طراز ميم-23 نايك أقوى نظام دفاع جوي في القوات المسلحة التركية، الذي لا يتجاوز مداه 50 كيلومترا. انطلاقا من هذه المعطيات، تعدّ قدرات هذه الأنظمة ضعيفة جدا، وغير قادرة على تلبية حاجيات
الجيش التركي في ساحة المعركة.
وأفادت الصحيفة بأن الوضع السياسي الحالي في
تركيا أصبح أكثر حدة، ما يعني أن الأمن التركي مهدد، على الرغم من عضويتها في حلف شمال الأطلسي. ففي وقت سابق، نشر التحالف الدولي نظام صواريخ باتريوت في تركيا، بيد أن تأثير هذه المنظومات، التي لا يسيطر عليها الجيش التركي، في خضم تدهور العلاقات بين أنقرة وحلفائها في الحلف، أصبح أمرا مثيرا للقلق.
وبينت الصحيفة أن تركيا تحاول البحث عن نظام الدفاع الصاروخي القادر على حماية مصالح تركيا وسيادتها ودورها في المنطقة. ففي حال قررت أنقرة القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق ضد الأكراد، من الممكن أن يؤدي ذلك إلى الاشتباك مع قوات التحالف الدولي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في ظل الظروف الراهنة، سيكون اختيار أنقرة لأسلحة أمريكية أو أوروبية أمرا محفوفا بالمخاطر بالنسبة لتركيا. ففي حال نشوب صراع حقيقي بين تركيا والغرب، سيكون الخصم على علم مسبق بجميع قدرات نظام الدفاع الجوي التركي، ما قد يعجّل بهزيمة تركيا.
كما أوضحت الصحيفة أن الخيارات المتاحة أمام تركيا كانت تقتصر على خيارين؛ إما الأسلحة الروسية أو الصينية. على خلفية ذلك، كان رد فعل الولايات المتحدة سريعا وقاسيا على أثر إعلان تركيا عن إبرام صفقة أسلحة مع
روسيا. وفي هذا الصدد، أكد جيمس ماتيس في صيف 2017، أن أنظمة إس-400 لن تتناسب مع معدات حلف شمال الأطلسي.
ونوهت الصحيفة بأن السبب الرئيسي لمزاعم حلف شمال الأطلسي فيما يتعلق بشراء تركيا للأسلحة الروسية سياسي بحت. في الواقع، لا يواجه حلف شمال الأطلسي أي مشكلة في التعاون مع أنظمة الدفاع الجوي السوفيتية/ الروسية المعتمدة من قبل الدول غير الأعضاء في الحلف.
وخير دليل على ذلك أن الحلف يشارك في التدريبات المشتركة مع فنلندا وأوكرانيا ومصر وعدد من البلدان الأخرى. وبالتالي، ليس من المرجح أن يواجه مشكلة في التعاون مع تركيا في حال امتلكت أسلحة روسية.
وطرحت الصحيفة سؤالا، مفاده: لماذا اختارت تركيا الأسلحة الروسية بالذات؟ يعدّ ذلك أمرا مثيرا للاهتمام، خاصة أن العلاقات التركية الروسية مرت بفترة حرجة، في تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2015، عندما تم إسقاط الطائرة الروسية في شمال سوريا. ولكن، عادت العلاقات الروسية التركية بصفة تدريجية بعد فشل محاولة الانقلاب في تركيا.
وأوردت الصحيفة أنه بينما تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي بدعم الأكراد في العراق وشمال شرق سوريا، لا تزال موسكو الشريك الوحيد القادر على لعب دور الوسيط بين الرباعي (أنقرة-الأكراد - دمشق- بغداد). علاوة على ذلك، بإمكان موسكو دعم تركيا في مواجهة تنظيم الدولة، واحتواؤها في حال تدهورت العلاقات أكثر مع الغرب.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الخطوة بالنسبة لموسكو هي وسيلة طبيعية لزيادة نفوذها في تركيا، وفرصة لزيادة حجم مبيعاتها في هذا المجال، خاصة أن تركيا حليف مهم. ورغم كل ما ذُكر آنفا، من الصعب أن نقول إن هذه الشراكة ستستمر طويلا، إلا أنه يمكن لموسكو استخدامها ضد حلف شمال الأطلسي عن طريق جذب أحد أهم أعضائه.
وذكرت الصحيفة أن تركيا سوف تتلقى أربعة أنظمة إس-400، بتكلفة ملياري دولار؛ وهذا يعني توفير 32 قاذفة لكل منها أربعة صواريخ، فضلا عن عدد كبير من المعدات الضرورية الأخرى المتعلقة بمراكز المراقبة ومحطات الرادار والنقل وآلات الشحن وغيرها من المعدات. بالإضافة إلى ذلك، من الواضح أنه سيكون من الضروري توفير خدمات لتدريب الموظفين الأتراك.
وأفادت الصحيفة بأن تركيا أصبحت الدولة الثالثة الأكثر اعتمادا على أنظمة إس-400، بعد روسيا والصين. وبالنظر إلى النفقات العسكرية المتوقعة بين سنة 2018 و2025، سيكون على روسيا إيجاد مستوردين جدد. فإلى جانب تركيا والصين، اللذين يعدّان من أهم الموردين، ترغب الجزائر في الحصول على أنظمة الدفاع الروسية، كما تقيم الهند مفاوضات مع روسيا حيال هذا الشأن. فضلا عن ذلك، يتنافس عدد من البلدان الأخرى، من بينها إيران، للتمكن من تطوير قواتهم الدفاعية.
وفي الختام، بينت الصحيفة أن تركيا لا تزال بحاجة إلى المزيد من الأسلحة، ومن الواضح أن أربع أنظمة دفاع جوي لا تغطي احتياجاتها؛ لذلك من المتوقع أن تتلقى المزيد. وحتى الآن، تدرس أنقرة إمكانية أخذ منظومة ثاد الأمريكية، إلا أن الوضع السياسي الراهن يعطي فرصة لروسيا من جديد، خاصة أن المنتجات الروسية تعمل على تطوير قدراتها باستمرار.