"مع القمع ذلك أضمن".. رسالة بعثتها كل المؤسسات المعنية وغير المعنية، في
مصر، في ردها على تقرير منظمة هيومن ريتس ووتش حول
التعذيب المنهجي في السجون المصرية، تحت حكم الجنرال السيسي، طبيب الفلاسفة ورسول السلام الذي ولد ساجدا بعد هذا التقرير "الأسود"، الذي يستهدف النيل من جيش وشرطة مصر بحسب الخطاب الرسمي وشبه الرسمي للرد على التقرير "المشين".
الخطاب الرسمي الذي قادته كل من وزارة الخارجية والإعلام عقب صدور التقرير مباشرة، اعتمد على التشكيك في حيادية التقرير والمنظمة التي أصدرته، بدعوى أنها منظمة صهيونية أخوانية ماسونية، تستهدف الإضرار بمصر وبنظام مصر الشريف العفيف الذي لم تجد مصر أحدا قبله يحنو عليها، ويعذبها كما فعل، متهمة هيومن رايتس بالتغاضي عن تعذيب "مرسي" وتلفيق التعذيب اللطيف في عهد مبارك للرئيس الحنين "عبد الفتاح السيسي"، مؤكدين أن العسكر لم يعذبوا أحدا في الفترة الانتقالية الأولى عقب الثورة ولا الثانية عقب انقلاب تموز/ يوليو "المبارك" بخبرات "حبيب" في التعذيب والقمع.
الرد المصري على التقرير الذي وُصف بأنه الأكثر انتقادا للملف الحقوقي في مصر منذ الانقلاب حتى اليوم؛ صاحبته حملة لتسويق حنيّة الشرطة والجيش بألسنة إعلاميي النظام ومؤسساته الإعلامية والقائمين على أمرها؛ بتأكيد أن المنظمة العدوة لفقت تقريرها "الإخواني" لتشويه ملائكة الرحمه في سجون رسول المحبة وقائد الثورة الدينية ومحرر "العبيد"، لكي تشغل المصريين عن إنجازاته ببناء 21 سجنا في أكبر مشروع قومي أنجزه منذ قدومه، بعد مشروعه الاقتصادي الأنجح في "قناة السويس"، ما يثبت أن التقرير المفبرك لا يعني شيئا للمصريين الذين يعيشون الرخاء في سجن مصر الكبير.
إقحام المؤسسات الإعلامية في حملة التبييض
أما الرد الأكثر إثارة فقد جاء على لسان المؤسسة المعنية بتنظيم الصحافة القومية، بقيادة مكرم محمد أحمد وكرم جبر اللذين تبرعا لتبرئة ساحة الداخلية، بمشاركة نقيب الصحفيين السيد عبد المحسن سلامه، ليقحموا كلا من "الوطنية للإعلام" و"الهيئة الوطنية للصحافة" و"نقابة الصحفيين"؛ في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ويقحموا مؤسسساتهم في تبرير جرائم الجيش والداخلية ويستنكرون تجاهل التقرير المعني بـ"التعذيب" لذكر شهداء الجيش والشرطة، فيما يؤكد السيد "نقيب الصحفيين" سابقا و"الشؤون المعنوية" حاليا؛ أن الصحافة في مصر في أزهى عصورها! وأنه لا يوجد في سجون السيسي أي صحفى معتقل في قضايا نشر؛ زاعما أن زملاءه يحظون بمعاملة غاية في الأنسانية في محابسهم، في الوقت الذي تم الاعتداء فيه على هشام جعفر، شيخ الصحافة الالكترونية، وحرمانه من العلاج، حتى بات يشرف على الموت لإهمال علاج سرطان البروستاتا وفقد بصره بنسبة تقترب من 8 في المئة، أو أحمد زهران الذي أمضى نصف عام لا تعرف عنه أسرته أي تفاصيل بعد إصابته بطلقة في المخ أدت لشلل نصفي، ورغم ذلك تم حرمانه من العلاج، وتم إخراجه من عنبر المعتقلين بالقصر العيني إلى محبسه في العقرب "سجن الموت البطيء".
الأغرب؛ أن المؤسسات الإعلامية والمعنية بتنظيم الإعلام تبنت حملة لحجب مواقع المنظمات الحقوقية بعد هيومن رايتس وقبلها، حيث حجبت السلطات مواقع المرصد العربي لحرية الإعلام والشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، وعشرات المواقع الحقوقية لمنظمات محلية ودولية، ضمن حملة بدأتها في حزيران/ يونيو؛ أسفرت عن حجب 450 موقعا، لكنها ومع الفضيحة الدولية التي أحدثها، حجبت تقرير "هيومن رايتس ووتش"، لكنها اضطرت لرفع الحظر عن الموقع، فيما بقيت باقي المواقع المحلية، من إعلامية وحقوقية، محجوبة إلى حين!
رد الفعل الدولية
وجاء رد الفعل الدولي على التقرير المثير للجدل؛ منتقدا لمصر وداعما للتقرير، حيث أدى حجب الموقع لتحرك من الخارجية الأمريكية والفرنسية والألمانية والاتحاد الأوربي، مطالبين بفك حجب الموقع والتوقف عن سياسة تعذيب المعارضين، وهو ما قوبل بصدمة حقيقية من حكومة السيسي التي كانت تنتظر من حلفائها في القمع مزيدا من الدعم المطلق لجرائمها ضد الإنسان والحرث والنسل.
التقرير الأجرأ عن التعذيب في مصر؛ اعتمد على 19 شهادة وبلاغا تتعلق بالتعذيب في مصر؛ واردة من الضحايا وذويهم، وكشفت أسرار أبرز السلخانات، وأبرز وسائل التعذيب وأدواته، وأبرز الجلادين، ما يمثل إدانة مباشرة لكل من النظام ورأسه وداخليته وقضائه؛ الذين اعتبرهم التقرير شركاء في جريمة ضد الإنسانية، وجاء بعده مباشرة تقرير اللجنة الأممية لحقوق الانسان، الذي أكد مصداقية تقرير المنظمة بمعلومات وثقها من مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ولجنة حقوق الطفل، والمقرر الخاص المعني بالتعذيب، والفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، ومن اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
وقدمت اللجنة توصيات عاجلة إلى مصر، طالبت فيها بالقضاء فورا على ممارسة التعذيب وإساءة المعاملة في جميع أماكن الاجتجاز، وأن تكفل أن يدين كبار مسؤولي الدولة بصورة علنية؛ التعذيب، وإساءة المعاملة من جانب موظفي الدولة، وأن تقاضي مرتكبي أعمال التعذيب، بمن فيهم أولئك الذين يتولون مسؤولية قيادية، أو مسؤولية عليا.
لكن المجتمع الدولي اليوم لم يتخذ أي إجراء حقيقي لوقف لك السياسات القمعية الممنهجة، بل وقف ضمنيا مع السيسي باستقباله له في دورة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ ومنحه حق تجميل صورته، ليؤكد أن النظام العالمي يدعم المستبدين لقمع شعوبهم، وأن تلك التقارير الحقيقية أداة ابتزاز من النظام الدولي للمستبدين للحصول من على مزيد من التنازلات، بما يحقق مصالح وليس مصالح المقهورين، ليؤكد أنه، كما كل مؤسسات الاستبداد مع المستبد حى يهلك أو تهدد مصالحهم.