سيطر
تنظيم الدولة على مدن كاملة في
ليبيا أو أجزاء منها، مثل
سرت ودرنة وبنغازي وصبراتة منذ عام 2013، وفي فترات متفاوتة.
وتوقع التنظيم أن تكون ليبيا شاطئه الرابع إذا ما تزحزح عن مناطق نفوذه الأم في سوريا والعراق، وأن تصبح المدن الليبية بسبب الفوضى الأمنية والسياسية ملجأ له ولقياداته، حتى تعيد ترتيب أوراقها، وتدرس انتشارها في أماكن أخرى، وفق ما ذهب إليه كثير من المحللين.
التوسع الجغرافي
بدأ تنظيم الدولة في مدينة
درنة شرق ليبيا بالتزامن مع تحركات مشابهة له في مدينة بنغازي، في تكوين خلاياه الأولى، وتنفيذ عمليات أغلبها ضد عسكريين ينتمون للنظام السابق منذ عام 2013، بينما بسط التنظيم سيطرته بالكامل مطلع عام 2015، واحتل مدينة صبراتة لفترة قصيرة قبل القضاء عليه.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، أعلن أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة في العراق والشام عن قبوله لبيعة من أسماهم بالمجاهدين في ليبيا، وتكليف بعض الولاة.
إثر ذلك، بايعت أغلب المجموعات الجهادية تنظيم الدولة في بنغازي ودرنة، عدا جماعة
أنصار الشريعة التي حافظت على استقلاليتها، بينما أعلنت كتيبة شهداء أبوسليم وكتيبة صلاح الدين ومجموعة من الثوار تأسيس مجلس شورى مجاهدى درنة.
بينما خرج تنظيم الدولة في سرت من رحم تنظيم أنصار الشريعة الذي كان بمدينة سرت منذ 2012، إلا أن عددا من قادة أنصار الشريعة رفضوا مبايعة التنظيم، وهربوا من المدينة، بعد أن أصبحوا مطاردين ومطلوبين للقتل من التنظيم.
في حين كانت للتنظيم خلايا نائمة في مدينة صبراتة غرب ليبيا تجمعت من عدة مدن ومن جنسيات عربية وإفريقية مختلفة، أبرزها الجنسية التونسية، إذ إن صبراتة كانت قاعدة للتخطيط وإطلاق الهجمات ضد أهداف في تونس.
وكشف القصف الأمريكي على مدينة صبراتة في شباط/ فبراير 2016 عن هذه الخلايا، الذي قتل فيه أكثر من أربعين مسلحا من التنظيم، ودخول مسلحين من مدن عدة لقتال التنظيم، وتجفيف منابعه وخلاياه في المدينة، في أقل من شهر.
وسعى تنظيم الدولة إلى احتلال مدن ساحلية قريبة من البحر والتمركز فيها، قريبة من المداخل الصحراوية، مثل درنة وبنغازي وسرت وصبراتة، حتى يستطيع الخروج والدخول دون التعرض للخطر.
ففي نيسان/ أبريل عام 2016، استطاع مسلحو التنظيم الفرار والخروج من مدينة درنة أقصى الشرق الليبي، عبر خط صحراوي، وصل من خلاله إلى مدينة سرت وسط البلاد.
وهي الخطوة ذاتها التي أقدم عليها التنظيم عندما انسحب في كانون الثاني/ يناير من العام الجاري من مدينة بنغازي، بعدما ضيقت قوات عملية الكرامة الخناق عليه.
ورغم الاتهامات الموجهة إلى قوات حفتر بالتواطؤ وتسهيل خروج التنظيم من درنة وبنغازي، وعدم التعرض له بالقصف الجوي، إلا أن الطبيعة الجغرافية القريبة من منافذ الصحراء الواسعة سمحت بالفرار والخروج الآمن إلى مناطق أكثر أمنا بالنسبة للتنظيم.
تمويل التنظيم
كشف مدير مكتب التحقيقات في مكتب النائب العام الليبي الصديق الصو، في الثامن والعشرين من أيلول/ سبتمبر الماضي عن أهم مصادر تمويل تنظيم الدولة في ليبيا، التي تعود إلى مؤسسات رسمية ليبية، مثل وزارتي الدفاع والداخلية، أو سرقة المصارف.
وقال الصور في المؤتمر الصحفي: "إن بعض التنظيمات التي انضمت في وقت لاحق لتنظيم الدولة كانت ممولة من الحكومات الليبية المتعاقبة بوصفها منضوية تحت أجهزة رسمية، ما ساعد على انتقال هذه الإمكانيات إلى التنظيم".
وأضاف مدير مكتب التحقيقات أن مسلحين تابعين لتنظيم الدولة اعتدوا على سبعة مصارف ليبية في بنغازي ودرنة وسرت ومناطق أخرى متفرقة من البلاد، وسرقوا منها أموالا بالعملة المحلية وأخرى أجنبية، وهذا ما دعا المؤسسات النقدية الدولية إلى منع توريد عملات صعبة إلى ليبيا.
واعتمد تنظيم الدولة في جزء من تمويل تحركاته وعملياته في ليبيا على السطو المسلح والنهب لأموال عينية ونقدية، ممن يصفهم بـ"الكفر" والخارجين عن الدين، إضافة إلى الاتجار في الهجرة غير الشرعية والسلاح، عن طريق خطوط صحراوية ممتدة في الجنوب الليبي.
حدود القوة
من جهته، رأى مسؤول عسكري في قوات عملية البنيان المرصوص أن الخطر الأمني لعناصر تنظيم الدولة في ليبيا، ما زال حاضرا، ويمكنه شن هجمات على المدن والمواقع الحيوية التي يسعى لاستهدافها.
وقال المسؤول العسكري لـ"
عربي21" -فضل عدم الكشف عن اسمه- إنه لا يمكن للتنظيم في الفترة الحالية العودة والسيطرة على أي مدينة ليبية مهما كانت هامشية بسبب الهجمة التي تعرض لها في أكثر من مدينة ليبية.
إلا أن المسؤول استثنى من ذلك قدرة عناصر التنظيم على مفاجأة المدن والمنشآت الحيوية مثل المطارات والمحاكم، وذلك بسبب عدم توفر أجهزة الكشف على المتفجرات سواء في البوابات الأمنية أو داخل المؤسسات الاستراتيجية.
واستدل بآخر عملية نفذها التنظيم، إذ استهدف محكمة مدينة مصراتة بسيارات مفخخة في الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، إلا أنها لم تنفجر، مضيفا أن إخفاء المتفجرات داخل السيارات لا يمكن الاستدلال عليه أو كشفه نظرا لعدم توفر أجهزة.
وذكر المسؤول أن تنظيم الدولة يعمل على تجنيد مزيد من العناصر، مستقطبا المهاجرين غير الشرعيين من الجنسيات الإفريقية التي تدخل إلى ليبيا عبر الجنوب الغربي والشرقي إلى ليبيا، مستغلا حاجة وفقر هؤلاء المهاجرين.
وعن إمكانية فرار مسلحي التنظيم الفارين من سوريا والعراق إلى ليبيا، أكد المسؤول بقوات البنيان المرصوص إمكانية ذلك، في ظل عدم قدرة الدولة الليبية السيطرة على أغلب حدودها الغربية والجنوبية والشرقية، بسبب الانقسام السياسي وتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية وضعف الحكومة الحالية والسابقة.
وانتهى المسؤول العسكري إلى أن التنظيم استفاد من ترسانة الأسلحة التي خلفها نظام العقيد الراحل معمر القذافي خلفه، بعد اندلاع ثورة السابع عشر من شباط/ فبراير عام 2011، نافيا أن يكون التنظيم حصل على أسلحة من الخارج.
وهي النتيجة ذاتها التي صرّح بها الباحث في المعهد النرويجي للشؤون الدولية فرانشيسكو ستازاري، الذي قال لـ"بي بي سي" إن التنظيم استغل الكم الهائل من الأسلحة في ليبيا في ظل الصراع بين الحكومتين اللتين تحاولان التخلص من بعضهما البعض.
من هم المستفيدون؟
قال عضو الاتحاد العلماء المسلمين شكري الحاسي: "إنه لا يمكن إنكار وجود تنظيمات إرهابية في ليبيا، كتنظيم القاعدة والدولة، إلا أن الانقلاب العسكري الذي أعلنه اللواء المتقاعد خليفة حفتر والانشقاق السياسي الذي تسبب فيه، والدعم المباشر له من قوى إقليمية زاد من انتشار التنظيم في ليبيا وعزز روافده".
وأضاف الحاسي لـ"
عربي21" أن الانقلابيين في ليبيا والدول الإقليمية الداعمة وأزلام النظام السابق استفادوا من الجماعات الإرهابية في ليبيا، بحجة محاربتهم خارج أطر الدولة والحكومة الرسمية المعترف بها من المجتمع الدولي والدول الكبرى.
واستدل عضو الاتحاد العالمي، بما وصفه تسهيل قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وتغاضيها عن هروب التنظيم من درنة وبنغازي، وانتقال عناصره هذه المسافة الطويلة دون التعرض له بالقصف الجوي، حتى وصل إلى مدينة سرت.
وقال الحاسي: "إن القيادي في النظام السابق المقيم في مصر أحمد قذاف الدم سبق وأن أثنى على تنظيم الدولة، في مقابلة مع الإعلامي المصري وائل الإبراشي على قناة دريم الفضائية، في منتصف كانون الثاني/ يناير من عام 2015، حيث قال قذاف الدم إن تنظيم الدولة الإسلامية، يحمل "مشروعا، وإن الشباب المنضمين إلى تنظيم الدولة الإسلامية لم يجدوا بديلا عنه يحطم الحدود بين الدول العربية".
الملاذ الجديد
اختار تنظيم الدولة -بحسب مسؤولين محليين- مدينة بني وليد، ما حولها، جنوب شرق العاصمة طرابلس، ملاذا جديدا لأنها تفتقر إلى هيكل أمني خاص بها، ولا توجد بها قوات أمنية، ولهذا فمن السهل الاختباء داخلها.
وصرّح الناطق باسم وزارة الدفاع في حكومة الوفاق الوطني محمد الغصري لصحيفة "التايمز" البريطانية بأن "قوات البنيان المرصوص رصدت تحركات للتنظيم في منطقة وادي اللود جنوب مدينة سرت، وفي المناطق الصحراوية الداخلية، التي يصعب مراقبتها بشكل دائم".
ونقلت الصحيفة، عن مسؤولين أمنيين لم تسمهم أن هناك قرابة ألف من مقاتلي تنظيم الدولة في ليبيا، معظمهم يتجمعون جنوب مدينة سرت شرق العاصمة طرابلس، معقلهم السابق في ليبيا.
وأشارت إلى ظهور عناصر من التنظيم في المناطق الصحراوية جنوب سرت، مع تدهور الوضع الأمني هناك، بعد أن نجحت قوات عملية "البنيان المرصوص" التابعة لحكومة الوفاق الوطني، في طرد عناصر تنظيم الدولة من سرت، في كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي.
ونشر تنظيم الدولة، صورا على صفحة تابعة له في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أظهرت عناصره في نقطة تفتيش جنوب سرت.
ونشرت وكالة "أعماق" النافذة الإعلامية لتنظيم الدولة، مقاطع فيديو تظهر بوابات لعناصر تنظيم الدولة جنوب منطقة أبوقرين قرب سرت.
ونقلت "ذا تايمز" عن المستشار الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي حسن الهوني قوله، إنه "لدينا تقارير تفيد بأن مجموعة من عناصر التنظيم يعيدون تجميع صفوفهم جنوب غرب مدينة سرت، المقاتلون الذين هربوا من المدينة خلال العمليات العسكرية يحاولون التجمع مجددا".
ويتفق الجميع أنه رغم النجاح الذي حققته القوات الليبية بمساندة أجنبية في القضاء على التنظيم وإخراجه من المدن الرئيسة، إلا أنه سيكون قادرا على الاستفادة من الصراع المسلح بين العديد من الأطراف التي تتقاتل من أجل السيطرة، وتعدد الحكومات والسلطات التشريعية والتنفيذية في البلاد.