نشرت مجلة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا لمراسلتها دينا كرافت، تقول فيه إن الخلاف السياسي والأيديولوجي
الفلسطيني بين حركتي
حماس وفتح تحول إلى حرب أهلية قبل 10 سنوات، وكانت هناك اشتباكات واغتيالات في الشوارع.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الاقتتال الداخلي تسبب بمقتل 600 شخص، لافتا إلى أنه بحلول ربيع 2007 تحول ذلك الاقتتال إلى حرب باردة وانقسام في السلطة، حيث سيطرت حركة حماس على السلطة في قطاع غزة، فيما تولت حركة
فتح السلطة في الضفة الغربية.
وتستدرك كرافت بأنه بالرغم من الجهود المتكررة للمصالحة من عدد من الأطراف الإقليمية، فإن الطرفين بقيا في مأزق، مشيرة إلى أن
مصر، المتلهفة لاسترجاع مكانتها الإقليمية في الشرق الأوسط، بصفتها صانعة قرار، ستستضيف جولة جديدة من المحادثات هذا الأسبوع، حيث أن المسؤولين في حركة فتح توجهوا إلى غزة الأسبوع الماضي لأول مرة منذ ثلاثة أعوام، وعقدوا اجتماعا مشتركا للحكومة، و"يبدو أن هناك تحولا في مواقف الطرفين".
وتلفت المجلة إلى أن حركة حماس، التي تضم جناحا سياسيا وآخر عسكريا، وتصنف على أنها منظمة إرهابية من كثير في المجتمع الدولي، قالت إنها مستعدة لتقديم بعض التنازلات؛ مدفوعة برغبتها في التخلي عن عبء حكم غزة للسلطة التي تسيطر عليها حركة فتح.
ويفيد التقرير بأن الظروف في قطاع غزة، حيث يعيش حوالي مليونا شخص في أكثر بقاع العالم اكتظاظا، مأساوية، فنسبة البطالة تصل إلى 40%، وهناك حصار مفروض عليها من
إسرائيل ومصر، بحيث يصعب على السكان استيراد حاجاتهم الضرورية، وحتى العلاج خارج القطاع، أضف إلى ذلك انقطاع التيار الكهربائي اليومي ونقص المياه.
وتبين الكاتبة أنه بالنسبة لحركة فتح، فإن عقدا من الانقسام ساعد الحكومة الإسرائيلية على القول إنه ليس هناك شريك لمناقشة السلام معه، لافتة إلى أنه بالنسبة للفلسطينيين جميعا، فإن المصالحة ستعني أنه أخيرا يمكن لحكومتهم أن تتحدث بصوت واحد؛ للتعامل مع الشأن الداخلي، والمساعدة في تحقيق هدف إقامة الدولة.
وتنوه المجلة إلى أن أصعب القضايا هي مسألة الذراع العسكري لحركة حماس، حيث نشأت حركة حماس بصفتها حركة مقاومة، مشيرة إلى أن إيجاد معادلة تؤدي إلى تخلي المقاتلين عن السلاح سيكون صعبا، وقد يوضع جانبا حتى يتم التوصل إلى صفقة مصالحة، حيث لدى حركة حماس آلاف المقاتلين والقادة معظمهم في كتائب القسام، التي قادت الحرب مع إسرائيل والقتال مع حركة فتح عام 2006 و2007.
ويذكر التقرير أن اللاعبين الرئيسيين في هذه المصالحة هم حركة حماس وحركة فتح ومصر وإسرائيل، أما حركة حماس فتجد نفسها في مرحلة مفصلية وتحت الضغط؛ بسبب الوضع المتدهور في قطاع غزة، بالإضافة إلى أنها تبحث عن داعمين ماليين في المشهد السياسي الجغرافي المتغير في الشرق الأوسط.
وتقول كرافت: "لطالما اعتمدت حركة حماس على الدعم الإيراني والسوري، لكنها تحولت إلى الاعتماد على قطر وتركيا بعد الربيع العربي عام 2011، واستثمرت قطر حوالي مليار دولار للمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية وغيرها من الخدمات في غزة، لكن قاطعتها عدد من جاراتها الخليجيات حديثا؛ بحجة أنها تدعم مجموعات متطرفة وإيران، فحركة حماس الآن بحاجة للدعم الدبلوماسي من مصر، التي كانت تدفع نحو محادثات المصالحة، وقامت حركة حماس رسميا في أيلول/ سبتمبر بحل حكومتها المدنية في غزة".
وتنقل المجلة عن المدير السابق لـ"يو أس آيد" في الضفة الغربية وغزة هوارد سومكا، قوله: "لم تبد حركة حماس اهتماما أو مقدرة على التصرف بصفتها حكومة محلية.. بل انتقلت من حلقة إلى أخرى في البناء العسكري والتصعيد ضد إسرائيل.. وتهدأ الأمور لفترة ثم يكون هناك محاولة للتصالح، إنها حلقة محزنة جدا".
ويشير التقرير إلى أن حركة حماس انتخبت يحيى السنوار زعيما لها في غزة، لافتا إلى أن السنوار أحد مؤسسي الذراع العسكري لحركة حماس، وقضى 20 عاما في السجون الإسرائيلية قبل أن يطلق سراحه في صفقة تبادل عام 2011، ويعرف عنه أنه متشدد، إلا أنه يملك دهاء وفطنة، ويتخذ قرارات صعبة وبراغماتية.
وتورد الكاتبة أن بعض المراقبين يعتقدون أن السنوار رأى أن على حركة حماس أن تعود لجذورها في المقاومة، وتقلل من مشاركتها السياسية، وتترك للسلطة الفلسطينية التعامل مع الشؤون اليومية، مستدركة بأن هناك رأيا مغايرا، وهو أنه وبعد ثلاث حروب مع إسرائيل زادت معاناة أهل غزة، فإن السنوار قرر أن يقلل من العمل العسكري، ويركز بدلا من ذلك على كسب موطئ قدم سياسية في الضفة الغربية.
وتنقل المجلة عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة مخيمر أبو سعدة، قوله: "لقد كان ذلك درسا قاسيا لحركة حماس على مدى العشر سنوات الماضية، فبالإمكان رفع شعار المقاومة إلى الأبد، لكن النتيجة هي تدمير شعب وبنى تحتية وحياة يومية"، وأضاف أن حركة حماس تريد أن تركز على حماية غزة من إسرائيل، وترى يد إسرائيل المطلقة في المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية تحذيرا.
ويوضح التقرير إلى أنه بالنسبة لحركة فتح، فإن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قضى عقدا من الشلل بين الانقسام مع حركة حماس، وعدم إنجاز أي تقدم في مسار المفاوضات مع إسرائيل، وكان أقرب تلك المفاوضات مع إسرائيل في 2014، لكنه فشل بسبب استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، والخلاف على شكل المصالحة بين حركتي فتح وحماس.
وتجد كرافت أن من مصلحة حركة فتح أن يكون هناك رئيس وحكومة واحدة، حيث تشعر بالضغط من الشعب في الضفة وغزة، الذين يلومون كلا الفصيلين وإسرائيل لوضعهم، ويعتقدون أن الوحدة ستجلب لهم التقدم، "كما يبدو أن عباس أدرك أن فرص تحقيق السلام مع حكومة إسرائيلية متطرفة ضئيلة جدا، ولذلك عليه التركيز على البناء الداخلي بصفته أفضل الخيارات".
وتقول المجلة إن قرار عباس الضغط على حركة حماس بقطع رواتب موظفيها في غزة، وعدم دفع فواتير الكهرباء، نتجت عنه تنازلات من حركة حماس، لكنه أوضح أنه لن يقبل بأن تحتفظ حركة حماس بقوتها العسكرية، منوهة إلى أن حركة فتح تقوم بالتركيز على الحكم، كما يفعل حزب الله في لبنان، وقد تكون شعرت بالضغط الشعبي للمصالحة، بالرغم من مخاوفها، مثل إسرائيل، بأن المصالحة قد تقوي من شوكة حركة حماس في الضفة الغربية.
ويلفت التقرير إلى أن إسرائيل لطالما اعتبرت حركة حماس عدوها الأول، وأنها مصممة على تدمير الدولة اليهودية، ودخلت معها في ثلاث حروب، مستدركا بأن وجود عنوان واحد تتعامل معه إسرائيل أمنيا مع السلطة الفلسطينية هو سلاح ذو حدين، فقد يجعل التنسيق الأمني أسهل، وقد يؤدي إلى الهدوء المتوخى من جبهة غزة.
وتستدرك الكاتبة بأن ذلك يضعف من حجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي يلجأ اليها لتبرير عدم الدخول في مفاوضات، وهي عدم وجود شريك للتفاوض ما دام الفلسطينيون منقسمين، بالإضافة إلى أن التعامل مع السلطة وهي متوافقة مع حركة حماس ينافي موقف إسرائيل الثابت من أنها لن تتعامل مع حركة حماس.
وبحسب التقرير، فإن نتنياهو انتقد الأسبوع الماضي جهود المصالحة، واصفا إياها بأنها تصالح بين طرفين فلسطينيين "على حساب وجودنا".
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى أنه في مصر يسعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتحسين صورته وصورة مصر، بصفتها قائدة للعالم العربي، ويرى في أداء دور الوسيط طريقة لتحقيق ذلك.