نشرت صحيفة "ديلي تلغراف" تقريرا للكاتبة آنا أيساك، حول الصكوك أو السندات الحكومية التي طرحتها
بريطانيا وأوروبا، وهي تتماشى مع الشريعة الإسلامية؛ لتشجيع المسلمين على الاستثمار فيها.
وتبدأ الكاتبة تقريرها بقولها إن
الربا حرام في الإسلام، بنص الآية القرآنية الكريمة "وأحل الله البيع وحرم الربا"، والأحاديث الشريفة، وغيرها من التعاليم الإسلامية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "هذا هو السبب في ابتكار أشكال من الاستثمار للمقترضين، وأحد هذه الأشكال هو الصكوك، وهي تشبه السندات الحكومية، لكنها تعمل على مبدأ أرباح الأسهم، ويمكن للصكوك أن تأخذ أشكالا مختلفة، أكثرها شيوعا هي صنف من السندات السيادية يعرف بالإجارة،. والفكرة من الإجارة هي أن المستثمر يشتري أصلا ثم يقوم بالتأجير، بدلا من السندات الغربية القائمة على نسبة ثابتة، حيث يربح مالك السند مبلغا محددا من الفائدة".
وتلفت الصحيفة إلى أن الحكومة البريطانية أدركت حجم الفرصة التي توفرها سوق التمويل الإسلامي الدولية، وكانت أول دولة خارج العالم الإسلامي تعرض صكوكا سيادية في حزيران/ يونيو 2014، بقيمة 200 مليون جنيه إسترليني، مشيرة إلى أن الطلب في 2014 كان كبيرا، وحرص المستثمرون في المملكة المتحدة والشرق الأوسط وآسيا على أن يشتروا تلك السندات الإسلامية، وبعد ذلك قامت لوكسمبورغ بطرح
صكوك إسلامية، فكانت الحكومة الأولى بتصنيف "أأأ" التي تصدر تلك السندات الإسلامية.
وتبين أيساك أن فترة من الهدوء سادت بعد ذلك، ولم تتحقق الآمال بأن تتمتع سوق الصكوك الدولية بنمو سريع، لافتة إلى أن أحد الأسباب هو أن أسعار النفط كانت متدنية منذ ذلك الحين، وهو ما أثر على ثراء الدول الإسلامية.
ويورد التقرير نقلا عن مدير عام مؤسسة "أكريديتاس" الاستشارية في دبي خالد هاولادر، قوله إنه في ظل ظروف معدلات الفائدة المتدنية، فإن مصدري الصكوك الغربية هم أقل اهتماما بفوائد التنويع التي تجلبها الصكوك، وأكثر قلقا على قلة السيولة والتكلفة الأعلى، ويضيف هاولادر: "في الوقت الذي كانت فيه هناك سياسة واضحة، ودعم سياسي لجعل المملكة المتحدة مركز التمويل الإسلامي، فإن وزارة المالية تسعى في المحصلة لتأمين التمويل الأقل تكلفة للحكومة.. وكون المملكة المتحدة مركزا، فهي بحاجة لتطوير حاضنة للخدمات المالية الإسلامية، لكن الأطراف الأساسية (البنوك الإسلامية والصناديق والشركات) غير موجودة، وفي ماليزيا عرضت الحكومة مراعاة في الضرائب؛ كتشجيع اقتصادي لمساعدة نمو هذا القطاع.. لكن يجب أن يكون هناك طلب محلي (في المملكة المتحدة) لهذه الخدمات".
وتنوه الصحيفة إلى أنه بحسب شركة التقييم المالي "S&P Global Ratings"، فإن الأصول المالية الإسلامية وصلت إلى تريليوني دولار في نهاية 2016، وكان ذلك أدنى من المتوقع، مشيرة إلى أن الشركة تعتقد بأن ما يعيق السوق هو غياب معايير موحدة، وسبب ذلك هو الخلافات المبدئية بين علماء المسلمين، حول ما هي مواصفات المنتج المالي حتى يمكن اعتباره شرعيا.
وتنقل الكاتبة عن مدير قسم التمويل الإسلامي العالمي في "S&P Global Ratings" محمد دماك، قوله: "لا نزال اليوم في وضع يمكن فيه تصنيف بعض المنتجات بأنها موافقة للشريعة بحسب مذهب دون آخر.. ويشكل ذلك إعاقة للأسواق، بالإضافة إلى أن التوثيق القانوني لا يخضع لمعايير موحدة، وهذا يبطئ من عملية إصدار الصكوك".
ويجد التقرير أنه ليس هناك تمثيل أوضح للمشكلات المتعلقة بعدم وجود معايير موحدة أكثر من قضية "دانا غاز"، التي تتم في لندن؛ لأن عقود الصكوك مكتوبة بحسب القانون الإنجليزي، والقضية ترتكز على ما إذا كان بإمكان شركة "دانا غاز" إعادة هيكلة 700 مليون دولار من الديون بناء على كون السندات التي باعتها أصلا لم تعد إسلامية في رأي بعض العلماء، لافتا إلى أن من بين المستثمرين فيها "غولدمان ساكس" و"بلاك روك".
وتقول الصحيفة إنه يخشى أن تؤدي النتيجة إلى إحباط في السوق الناشئ، ويصل سوق الصكوك العالمي إلى 400 مليار دولار, بحسب عدد من التقديرات، مشيرة إلى أنه مع وجود 65 منتجا ماليا بقيمة 48 مليار دولار في بورصة لندن، فإن المملكة المتحدة تعد مركزا رئيسيا للسندات الإسلامية.
ويعتقد دماك بأن المنظمات، مثل مجلس الخدمات المالية الإسلامية، ستساعد في التوجه نحو توحيد المعايير، ويقول إنها ستكون لحظة حاسمة عندما يصبح إصدار الصكوك بسهولة إصدار أي صك ذي دخل ثابت.
وتفيد أيساك بأن للنظام القضائي والتنظيمي البريطاني أثرا كبيرا، ليس فقط في كتابة الاتفاقيات، كما هو الحال بالنسبة لشركة "دانا غاز"، لكن أيضا في القوانين الأوسع من ذلك، حيث يقول عمر شيخ إن مجلس التمويل الإسلامي في المملكة المتحدة، الذي هو عضو فيه، درس استخدام تدقيق شرعي خارجي؛ للتأكد من التزام المنتجات المالية بالقواعد الإسلامية، بتعريف فحوصات إضافية، ومنذ صدور التقرير قام البنك المركزي البحريني بتعريف مقاييس للتدقيق الخارجي، كما تم تطبيق ذلك من بنك باكستان والبنك المركزي في عمان.
ويقول شيخ للصحيفة إنه مع أن الصكوك في المملكة المتحدة لم يتم شراؤها بالسرعة التي كانت مأمولة، إلا أن التمويل الإسلامي مزدهر "فنرى (في البرلمان) نقاشا حول إطلاق قروض طلابية (مطابقة للشريعة)، كما شهدنا البنك الإسلامي الوحيد في المملكة المتحدة، الريان، يصل في موازنته إلى أكثر من مليار ويحقق الربحية".
ويضيف شيخ أن التمويل الإسلامي لم يحقق نموا رائعا في المملكة المتحدة فحسب، بل إنه يندمج ويبدع في "أول مشروع مشترك بين التمويل الإسلامي والكنيسة (في أسكتلندا) لإيجاد تمويل أخلاقي مفتوح للجميع في المجتمع، بغض النظر عن الديانة أو الخلفية، وقائم على القيم المشتركة الدينية والعرفية".
وتختم "ديلي تلغراف" تقريرها بالإشارة إلى أن بنك إنجلترا أعلن في نيسان/ أبريل عن خطط لتوفير خدمة ودائع تلتزم القواعد الشرعية، لافتة إلى أن الحكومة أعلنت في أيلول/ سبتمبر خططا لإعادة إصدار الصكوك لدى نضوج السندات في 2019.