توقف الباحث الأمريكي الشهير سايمون هندرسون عند مسألة انتقال العرش السعودي في ظل شائعات حول قرب تنازل
الملك سلمان عن الملك لنجله ولي العهد محمد.
وهندرسون، هو زميل "بيكر" ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، وله في هذا المضمار كتابان؛ الأول بعنوان "بعد الملك فهد.. الخلافة في
السعودية"، 1995، و"بعد الملك عبد الله.. الخلافة في السعودية"، 2009.
وذكّر هندرسون في مقاله الذي نشره معهد واشنطن، بأن
محمد بن سلمان هو الشخص الثالث من العائلة المالكة الذي يحصل على لقب ولي العهد منذ اعتلاء الملك سلمان العرش في عام 2015، "لكنه يُعتبر على نطاق واسع خيار والده الحقيقي ليكون الملك التالي".
مضيفا أنه "قد يكون لموعد وظروف حصول ذلك تبعات مهمة بالنسبة للسعودية، والعالم الإسلامي الأوسع، وسوق النفط الدولي".
ويرى هندرسون أن حمل الملك سلمان لقبين آخرين أيضا، وهما خادم الحرمين الشريفين ورئيس الوزراء، قد "يوسّع نطاق احتمالات نقل المسؤوليات إلى محمد بن سلمان". أما السيناريوهات المحتملة لذلك فيلخصها على النحو الآتي:
الأول: تخلّي سلمان وانتقال الحكم إلى محمد بن سلمان. لا يعتبر "التنازل" على الأرجح خيارا مفضلا في المملكة. وقد تمّ اللجوء إليه في المرة الأخيرة عام 1964 عندما اضطر الملك سعود الذي أسرف في التبذير إلى التنازل بعد توترات دامت ست سنوات مع أخيه غير الشقيق فيصل، الذي حل محله.
ويستعدي هندرسن التاريخ هنا بالقول إنه "في عام 1902، قاد ابن سعود (الذي كان في الثانية والعشرين فقط من عمره في ذلك الوقت) مجموعة من المقاتلين من المنفى لاستعادة قرية أجداده "الدرعية" الواقعة في وسط الجزيرة العربية. وردا على ذلك، تنازل والده عبد الرحمن عن قيادة بيت آل سعود إليه. واليوم، يُقال إن الملك سلمان يرى شخصية ابن سعود في نجله، وقد نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" أنه سبق أن أعدّ شريط فيديو يعلن فيه أن محمد بن سلمان سيكون ملكا".
الثاني: تخلي سلمان عن العرش لكن مع الحفاظ على لقب خادم الحرمين الشريفين. منذ أن استولى ابن سعود على المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة عام 1925، تولى الحكام المتعاقبون مسؤولية هذين المقامين الإسلاميين. وقد أضفى الملك فهد طابعا رسميا على هذا الدور عام 1986، فغيّر لقبه من "جلالة الملك" إلى "خادم الحرمين الشريفين". وسيكون الحفاظ على اللقب الديني وسط التخلي عن القيادة السياسية متسقا مع اعتبار اللقب الأول أكثر أهميةً - فهو عنصر أساسي في مطالبة السعودية بقيادة العالمين العربي والإسلامي الأوسع.
الثالث: تعيين سلمان لمحمد بن سلمان في منصب رئيس الوزراء. في الوقت الراهن، يشغل الملك منصب رئيس الوزراء، في حين يشغل ولي العهد منصب نائب رئيس الوزراء. غير أن الاجتماعات الأسبوعية لمجلس الوزراء التي يرأسها رئيس الوزراء، لا تعدّ اللقاءات الأهم لاتخاذ القرارات في البلاد، بل يضطلع بهذه المهمة "مجلس الشؤون السياسية والأمنية السعودي" و"مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية"، وهما هيئتان تمّ تأسيسهما في عام 2015، ويرأسهما حاليا محمد بن سلمان. ومن الناحية الإدارية، يمكن القول بأن تعيين الأمير محمد رئيسا للوزراء قد يكون أكثر تنظيما من الترتيب الحالي. ولكن هذه المسألة قد تكون حساسة: فقد دخل فيصل والملك سعود في شدّ الحبال من أجل السيطرة البيروقراطية قبل ارتقاء الأول العرش، لذلك يجب أن يكون سلمان راغبا حقا في التخلي عن هذه المهمة إذا كان هذا التقسيم للأدوار سينجح اليوم.
الرابع: محمد بن سلمان يصبح الوصي على العرش. وفقا لوكالة الأنباء السعودية "واس"، عندما يسافر سلمان إلى الخارج، كما فعل عندما توجه إلى موسكو في وقت سابق من هذا الشهر، "ينيب" محمد بن سلمان "لإدارة شؤون الدولة ورعاية مصالح الشعب خلال فترة غيابه". وتبرز نسخة عن خيار - الوصاية - هذا في حالات المرض أو العلاج الطبي الطويل في الخارج. ومع ذلك، يمكن أن تكون الوصاية المطوّلة مثيرة للجدل. فبعد إصابة الملك فهد بجلطة دماغية شديدة في أواخر عام 1995، تمّ تعيين ولي العهد الأمير عبد الله وصيا على العرش، لكنه شغل هذا المنصب لأسابيع قليلة فقط - على ما يبدو لأن إخوته الأشقاء النافذين (سلطان ونايف، وسلمان) حرصوا على عدم السماح لعبد الله بالتمتع بالسلطة المطلقة. وعلى الرغم من الحالة الصحية السيئة للملك بعد ذلك، لم يتولَّ عبد الله الصلاحيات الرسمية الكاملة إلا حين اعتلائه العرش عام 2005.
الخامس: وفاة سلمان. بصفته وليا للعهد، سيصبح محمد بن سلمان ملكا شرط أن يقرّ كبار أفراد بيت آل سعود، الذين يجب أن يبايعوه، بقيادته. غير أن الانشقاقات داخل العائلة المالكة التي تمّ تداولها قد تدفع ببعض الشخصيات إلى تحدي سلطته الجديدة. وعندما قرر العاهل السعودي تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد قبل أربعة أشهر، صوّت ثلاثة من الأمراء الأربعة والثلاثين في "هيئة البيعة" ضده. ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، لم يتخلَ سلفه، محمد بن نايف، عن الدور ولم يعلن ولاءه لمحمد بن سلمان إلا بعد حرمانه من النوم والأدوية؛ وتردّد أنه لا يزال مسجونا في قصره حتى اليوم. ويبرز خصم محتمل آخر هو متعب بن عبدالله، ابن الملك السابق ورئيس "الحرس الوطني"، وهذا الأخير يشكّل قوة عسكرية كبيرة في حال نشوب نزاع على الخلافة.
وفي حال وفاة الملك، سيتمكن محمد بن سلمان من المناورة لتذليل هذه العقبات العائلية من خلال اختيار ولي عهد جديد بعناية، وهو حق يتمتع به الملك. ولكن في الوقت الحالي، لم تتضح بعد هوية ولي العهد. وكحل بديل، بإمكانه أن يؤخر ذلك التعيين، كما فعل الملك فيصل في ستينيات القرن الماضي قبل أن يسمي الأمير خالد في نهاية المطاف.
وعن التداعيات السياسية لتولي ابن سلمان للعرش، يقول هندرسون إنه "بغض النظر عن العقبات الداخلية، يبدو أن عملية تسليم العرش إلى محمد بن سلمان أصبحت راسخة أساسا، ويتمثل السؤال الرئيسي في موعد إتمام ذلك. ورغم أن الأعمال الداخلية لبيت آل سعود هي عامل الحكم النهائي، فقد تكون عوامل السياسة الداخلية والخارجية مهمة أيضا. فطموحات ولي العهد لإحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية، مصورة ضمن مشروعه "الرؤية 2030"، والإعلان مؤخرا عن السماح للنساء بقيادة السيارات، يعززان مكانته وشعبيته في الوقت الراهن. لكن كيفية التعامل مع عوامل خارجية على غرار الطريق المسدود الذي وصلت إليه الحرب في اليمن والتوترات بين دول الخليج وقطر ومجموعة من المشاكل مع إيران، قد ترسم بدورها معالم عملية الخلافة".