هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا لمراسلها من كركوك باتريك كوكبيرن، يقول فيه إن هزيمة الأكراد في كركوك كانت مدمرة وتامة، حيث يصف المسؤول الكردي أسو مامند تلك الهزيمة بمرارة، قائلا: "كنا نسيطر هنا والآن لسنا كذلك".
ويعلق كوكبيرن قائلا إن "المسؤول الكردي اختصر بذلك ما حصل من سقوط لكركوك وحقول النفط الكبيرة في أيدي القوات الحكومية العراقية، ويتمنى أن يتم الترتيب لمشاركة في السلطة، ويحذر من العواقب إن لم يتم هذا الأمر، لكنه لا يبدو متفائلا جدا".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن كركوك كانت توصف بـ"برميل بارود" العراق؛ بسبب ادعاء ملكيتها من كل من الأكراد والحكومة في بغداد، لافتا إلى أن ما يزيد من خطورتها هو تنوع سكانها من عرب وأكراد وتركمان، ما يجعلها مدينة منقسمة.
وتستدرك الصحيفة بأنه بالرغم من هذه النزاعات الحاقدة والفروق عندما تفاقمت المشكلة في 16 تشرين الأول/ أكتوبر، إلا أن التحول بين السيطرة الكردية والحكومة الفيدرالية كان سريعا وسلميا.
وينقل الكاتب عن مامند، قوله إنه لم تكن هناك معركة؛ لأن الأكراد ببساطة لم يمتلكوا القوة العسكرية لإبقاء المدينة تحت سيطرتهم، لكنه رافض لنظريات المؤامرة ووقوع خيانة.
ويلفت التقرير إلى أنه لدى سؤال مامند عما إذا كان بالإمكان مقاومة تقدم الجيش العراقي لو كان الحزبان الكرديان الرئيسيان، الحزب الذي ينتمي له: الاتحاد الوطني الكردستاني، وحزب الرئيس مسعود بارزاني، وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني، موحدين، فإنه أجاب قائلا: "بالطبع لا، فالقوات العراقية تملك دبابات وطائرات، ولم تكن أمامنا فرصة، ربما كان بإمكاننا الاستمرار يوما لو حاربنا، لكن كانت النتيجة الوحيدة ستكون سفك الدماء".
ويقول كوكبيرن إن "الكثير من الأكراد فروا وقتها، ولم يعد جميعهم، إلا أنه ليس هناك الكثير من آثار الدمار من القتال، والأسواق والمتاجر مفتوحة، لكن عاصفة رعدية أخلت الشوارع قليلا عندما كنا هناك، لكن عدا ذلك، كانت حركة السير كثيفة، ولم يكن سوى عدد قليل من الجنود يحرسون الحواجز العسكرية، ويسأل المحافظ بالوكالة راكان سعيد علي الجبوري، وهو عربي وكان نائبا للمحافظ، الذي تغير مكتبه قليلا عنه عندما كان يجلس فيه المحافظ الكردي نجم الدين كريم، الذي اضطر إلى الهروب من أربيل: (هل ترى أي شيء غير عادي؟)، وقال الجبوري إن الشرطة المحلية هي ذاتها، وهناك كتيبتان لمكافحة الإرهاب في كركوك، وهذا يعني عدة مئات من الجنود".
وتستدرك الصحيفة بأن مامند يقول إن الأمور ليست كما تبدو، وإن "على الحكومة أن تفعل شيئا لتهدئ الشارع الكردي"، حيث يقترح تعيين محافظ كردي، أو وضع صيغة من صيغ مشاركة السلطة، مشيرة إلى أنه لدى سؤاله عما إذا وقعت أي حوادث أمنية مهمة، فإنه أشار إلى إطلاق أحد رجال الشرطة المنتمين للحزب الديمقراطي الكردي النار على أحد الحواجز العسكرية.
وينوه التقرير إلى أنه في الوقت الذي كان يتحدث فيه مامند تقريبا وقعت حادثة قتل بشعة في بلدة تسمى داقوق، جنوب مدينة كركوك، ما يبرر مخاوف مامند بأن إمكانية وقوع العنف تكمن تحت السطح، لافتا إلى أن الضحية أركان شريفي (50 عاما)، وهو مصور تلفزيوني كردي، يعمل لصالح تلفزيون كردستان، وتم قتله طعنا، حيث اقتحم أربعة أو خمسة رجال بيته، وقاموا بحبس زوجته وأطفاله في غرفة، وعندما خرجوا بعد خمس ساعات وجدوا جسده المشوه في بركة من الدماء، وقد غرست سكين في فمه، وهو دليل على أن قتله جاء على خلفية شيء قاله أو نقله للتلفزيون.
وينقل الكاتب عن عائلة الضحية، قولها إن القتلة تحدثوا باللغة التركمانية، مبينا أن ذلك قد يشير إلى أن ما حصل قد يكون ناتجا عن حالة العداء بين الأكراد والتركمان الشيعة المستعرة، خاصة في جنوب كركوك.
ويقول كوكبيرن: "مررت بالسيارة من المنطقة التي وقعت بها الجريمة، في وقت سابق من ذلك اليوم، ولم يكن هناك أي مؤشر على العنف في ذلك المكان أو في أي مكان آخر على الطريق من بغداد، الذي تتم حراسته بشكل مشدد، لكن عملية القتل تذكرنا بأن العراق بلد فيه عنف كثير طيلة الوقت، وتحدثت مع عضو تركماني في الحشد الشعبي، اسمه جودت عساف، وقال إنه من قرية تدعى (تيسين خادم) كان قد دمرها صدام حسين عام 1980، حيث قال: (نجوت لأنني لم أكن أبلغ من العمر 15 عاما، لكنهم قتلوا 353 شخصا، كل شخص فوق 15 عاما، بينهم والدي وإخواني.. اتهمونا بمناصرة حزب الدعوة، مع أننا بالكاد سمعنا به)".
وتكشف الصحيفة عن أن "قتل أركان شريفي كان وحشيا للغاية، لكن على مدى الأربع عشرة سنة الماضية قتل ما لا يقل عن 465 صحافيا عراقيا، وعدا عن ذلك كان أخذ كركوك هادئا على غير المتوقع، لكن الحزب الديمقراطي الكردي يتهم الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي كان دائما مسيطرا في المدينة، بالتورط في صفقة من ترتيب إيراني مع بغداد، وكان مقاتلو الحزبين انسحبوا معا من المدينة دون قتال، ولو اضطرت القوات العراقية للقتال لدخول المدينة لفجر ذلك صراعا عرقيا وطائفيا أكبر في المناطق المتنازع عليها".
ويفيد التقرير بأن "هذه المواجهة المتوقعة لم تحدث، لكن خسارة كركوك هي أكثر من مجرد صفعة معطلة لآمال الأكراد بالاستقلال، وفي ظل قيادة منقسمة على نفسها، وغياب الحلفاء في الخارج، ودون خيار عسكري، بدأ الأكراد بخسارة شبه الاستقلال، الذي بنوه لأنفسهم منذ هزيمة صدام حسين في 1991، وانسحاب الجيش العراقي من المحافظات الكردية الثلاث".
ويستدرك الكاتب بأن هذه العملية بدأت بالتراجع الحثيث، حيث قامت القوات العراقية بوضع نقطة تفتيش على معبر إبراهيم الخليل يوم الثلاثاء، وهو أهم معبر يربط كردستان العراق بتركيا، وأصبحت المركبات التي تعبر الحدود تفتش ثلاث مرات، من الأتراك والأكراد والعراقيين، وصرح رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، قائلا: "لقد تم تسليم بوابة هابور الحدودية للحكومة المركزية منذ صباح هذا اليوم".
وتجد الصحيفة أنه مع "الدعم التركي والإيراني للحكومة العراقية، فإنه لم يكن بإمكان الأكراد مقاومة تسليم سلطاتهم للحكومة المركزية، وجعل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الأمور واضحة في مقابلة مع (إندبندنت)، حيث قال إنه ينتظر أن تسيطر الدولة العراقية على قوات البيشمركة الرئيسية، وإنتاج النفط وتصديره، والرحلات الدولية، وإصدار التأشيرات".
ويذهب التقرير إلى أن "أخذ كركوك بهذا الهدوء قد يكون خادعا قليلا، حيث يظهر الأكراد في موقف ضعف الآن، لكن الظروف السياسية قد لا تكون دائما ضدهم ومع الدولة العراقية، لقد ظهر الأكراد مهزومين عام 1975، عندما وقع صدام اتفاقية الجزائر مع شاه إيران، الذي تخلي عن تحالفه السابق مع الأكراد، لكن اشتعال الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، اضطر صدام إلى سحب قواته من كردستان العراق، فسيطرت عليها القوى الكردية الوطنية، ثم قام صدام بقمعهم، لكن هزيمة صدام عام 1991 سمحت للأكراد بأن يبدأوا في بناء دويلتهم، التي أصبحت لاعبا قويا عندما غزت أمريكا العراق عام 2003".
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالقول: "إن استغلت الحكومة المركزية في بغداد تفوقها الحالي على الأكراد بطمع كبير، فإنها قد تتسبب بردة فعل موحدة قوية من الشعب الكردي، ومن المتوقع أن يقاوم العبادي مثل هذه السياسة، لكن كان سيوافق عليها سلفه نوري المالكي، خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في شهر أيار/ مايو القادم، وفي السياسة العراقية ينتهي الجميع تقريبا بأن يفرطوا في لعب أوراق القوة لديهم".