هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اتخذت الحكومة المصرية، في مثل هذا اليوم من العام الماضي، أحد أسوأ القرارات الاقتصادية في تاريخ السياسة النقدية بمصر، حيث قرر البنك المركزي المصري صباح الخميس 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 تحرير سعر صرف الجنيه "تعويم الجنيه".
وقال خبراء ومحللون اقتصاد لـ "عربي21"، إن هذا القرار كان الأفشل في تاريخ البنك المركزي المصري، بداية من الإعلان عن القرار والتربح من ورائه، ثم التخبط في التطبيق، الذي هوى بقيمة الجنيه المصري إلي قاع تاريخي، ثم الاضطرار إلى التعويم المدار وتدخل البنك المركزي خلال الأشهر الستة الأخيرة، بتثبيت سعر الصرف والدولار الجمركي في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وأكدوا أن المؤشرات الاقتصادية كافة، بعد مرور عام كامل على اتخاذ هذا القرار، تبعث بالرسائل السلبية سواء فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي الحالي أو التوقعات المستقبلية.
اقرأ أيضا: اقتصاديون لـ"عربي21": هذا دليل أكذوبة تعافي اقتصاد مصر
وأوضح أستاذ الاقتصاد في الجامعة العالمية للتجديد بتركيا، أحمد ذكر الله، أن فلسفة "تعويم الجنيه" نبعت من شح مصادر النقد الأجنبي، الناتج من سوء الإدارة الاقتصادية، بالإضافة لغياب منهج الأولويات الاقتصادية في اختيار المشروعات، والتردي السياسي والأمني، لا سيما في الحالة السيناوية المكلفة ماديا وبشريا.
وأضاف في تصريحات لـ "عربي21"، أن "الحكومة المصرية روجت أن "التعويم" وخفض قيمة الجنيه سيزيد من الصادرات ويحسن عجز الموازنة، ولكن ما حدث على مدار عام كامل بعد قرار "التعويم"، تكشفه المؤشرات الاقتصادية الرسمية.
وقال إن الحكومة المصرية تروج أن الانخفاض الرقمي لعجز الميزان التجاري من 38.6 مليار دولار إلى 35.4 مليار دولار، تسوقه الحكومة المصرية كأحد النتائج الإيجابية لتعويم الجنيه المصري، نتيجة لزيادة 16% في قيمة الصادرات، من 18.7 مليار دولار إلى 21.7 مليار دولار، يحتاج لبعض التحليل.
وأكد أن الصادرات المصرية لا زالت في مستويات أقل كثيرا من مستوياتها، التي قاربت على 27 مليار دولار في سنوات مالية سابقة، مما يدلل على استمرار فشل الحكم العسكري في زيادة الإنتاج المصري ورفع كفاءته.
وأشار إلى أن الواردات احتفظت بمستواها نفسه تقريبا، مسجلة انخفاضا هامشيا قدره 0.5% مقارنة بالعام المالي الماضي، (من 57.4 مليار دولار إلى 57.1 مليار دولار). وبذلك لم تعكس الواردات أية ثمار للتعويم.
ولفت إلى أن "جزءا من الوفر البالغ 2 مليار دولار في الواردات غير البترولية هو مصطنع بشكل أو بآخر، حيث إنه يعد ناتجا عن "صدمة" أكثر منها استجابة طبيعية أو تدريجية من السوق بإحلال الواردات ونحوه.
وأردف: "فقد ساهمت بعض الإجراءات -كزيادة الجمارك على بعض الواردات، وحصر الحصول على العملة الأجنبية على السلع الضرورية- في تقييد حجم الواردات غير البترولية، ومع تخفيف بعض تلك الإجراءات قد تعود بعض الواردات للارتفاع مجددا، خاصة أن الطلب على بعض الواردات ذو طبيعة غير مرنة للأسعار، مع التعافي التدريجي المتوقع للنشاط الاقتصادي ككل، سيعود الطلب على استيراد السلع الوسيطة وخاصة مرتفعة التقنية منها، التي تعد ضرورية للإنتاج ولا يوجد لها بديل محلي حاليا".
وأكد ذكر الله أن النظام المصري فشل في إدارة سعر الصرف وهوى الجنيه إلي سعر أقل من سعره العادل، رغم اضطرار البنك المركزي لإدارة التعويم، مما تسبب في ارتفاع تاريخي غير مسبوق للتضخم الذي بلغ 33%، ما أدى إلى وقوع أكثر من 60% من المصريين تحت خط الفقر العالمي ( 2 دولار في اليوم).
اقرأ أيضا: متى يتخلص المصريون من "كارثة" تعويم الجنيه؟
واستطرد الخبير الاقتصادي، خلال حديثه لـ "عربي21"، " الدين الخارجي، كنتيجة طبيعية للمشروعات غير ذات الجدوى قفز من 30 مليار عام 2013 إلي 79 مليار دولار، واضطرت الحكومة إلي طلب تأجيل سداد بعض الديون فوافقت السعودية والإمارات ورفضت الكويت وليبيا وتركيا، وكذلك اضطرت الحكومة إلى استبدال الديون قصيرة الأجل بأخرى طويلة الأجل".
وقال إن مظاهر الإنفاق الحكومي البذخي لا تزال هي المسيطرة، وتزايد عجز الموازنة المتوقع في العام المالي الحالي من 370 مليار جنيه إلى 450 مليار جنيه، وذلك قبل الزيادة الأخيرة في أسعار البترول المحسوب في الموازنة بسعر 55-57 دولارا للبرميل وتجاوز 60 دولارا حاليا، وكل دولار يكلف الموازنة 4 مليار جنيه عجزا إضافيا.
وعلى مستوى الدين الداخلي، أكد ذكر الله أنه قفز، كنتيجة للفشل في تحجيم عجز الموازنة، إلى 3 تريليون جنيه، مضيفا: "ورغم كل إجراءات رفع الدعم وقانون القيمة المضافة ورفع الجمارك ورفع رسوم الخدمات الحكومية وغيرها لا يزال عجز الموازنة ضخما، خاصة أن فوائد الديون تبلغ أكثر من نصف الإيرادات العامة".
وأوضح ذكر الله أن من بين الآثار السلبية المترتبة على تعويم الجنيه، هو توريط الهيئات الحكومية في الديون، قائلا: "لأول مرة نرى بنك مصر يقترض 2.5مليار دولار، والبنك الأهلي ما يقارب المليار، وهيئة قناة السويس اقتربت ما يقارب 3مليار دولار، وهيئة الكهرباء ما يزيد عن 25 مليار جنيه، وهيئة السلع التموينية حوالي 10 مليار جنيه، وغيرها من الهيئات والشركات العامة التي لم تقل الحكومة كيف تسدد هذه القروض، والحل سيكون ببيع أجزاء منها واليوم فقط أعلن عن نية الحكومة بيع جزء من شركة الحديد والصلب".
وأشار إلى أن انهيار الأوضاع الاقتصادية في مصر يعود إلى جملة من القوانين والسياسات التي ابتدعها النظام العسكري ومنها الإسناد بالأمر المباشر، وإقطاع الأراضي بالجملة إلى المحاسيب، وإلغاء جواز الطعن على العقود المبرمة مع الحكومة وغيرها، وهو ما أدى إلى تراجع ترتيب مصر في كل التقارير الدولية وآخرهم تقرير ممارسة الأعمال.
ولفت إلى أن "ما كان يفعله نظام مبارك هو إعطاء مسكنات للمرض الاقتصادي، أما النظام الحالي أدخل تشكيلة من الفيروسات الاقتصادية إلى اقتصاد مصر المريض من الأساس".