الحريري على أعتاب بيروت.. تسوية.. أم صدام؟

يكثّف رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري مشاوراته في منزله بالعاصمة الفرنسية باريس مع الحلقة الضيقة من مستشاريه المقربين وهم: وزير الداخلية نهاد مشنوق، والوزير غطاس خوري، والنائب السابق باسم السبع، ومدير مكتبه وابن عمه نادر الحريري.

وعلمت "عربي21" من مصادر في تيار المستقبل أنّ المداولات شملت الخطة التي سيقودها الحريري في المرحلة المقبلة، وتشمل خطوة ما بعد تقديمه للاستقالة رسميا لرئيس الجمهورية.
وتحدثت المصادر عن إمكانية إيجاد "حل مؤقت لمنع توتير الأوضاع في لبنان"،  لكن الأمر "مرتبط بمدى التزام الجميع بمبدأ تحييد لبنان عن الصراعات الخارجية".

وكان الحريري أعلن في تغريدة له على موقع تويتر عن توجهه، الثلاثاء، إلى مصر في زيارة سريعة للقاء رئيس الجمهورية المصري عبد الفتاح السيسي، قبل التوجه إلى بيروت لبدء مشاوراته السياسية مع مختلف الأطراف.

ما هي خارطة الطريق؟

وقال النائب عن كتلة المستقبل نضال طعمة في تصريحات لـ"عربي21": سيحضر الرئيس الحريري إلى بيروت في موعد أقصاه، الأربعاء المقبل، ليشارك في عيد الاستقلال كما أعلن عن ذلك سابقا، ومن ثم سيقدم استقالته رسميا إلى رئيس الجمهورية بعد إعلانه لها سابقا".

وحمّل طعمة حزب الله مسؤولية انهيار التسوية، فقال: "سعد الحريري تحمّل كثيرا وأخذ على كاهله إنجاز التفاهم على قاعدة تحييد لبنان عن الصراعات الخارجية، لكن طرفا في لبنان رفض النأي بنفسه وأقحم البلاد في أتون الصراعات الدائرة في المنطقة"، مشيرا إلى أن "العودة عن الاستقالة من سابع المستحيلات، وهي جدية في ظلّ ما يقوم به حزب الله من تدخلات في شؤون العديد من دول المنطقة"، كما قال.

وحدّد طعمة خارطة الطريق لإحياء التسوية مجددا، فقال: "يتوجب على حزب الله الانسحاب من سوريا ووقف تدخلاته في اليمن والبحرين والعديد من الدول العربية"، مؤكدا أن "عودة حزب الله إلى لبنان تدفع الأمور إلى الحلحلة وتوقف عدّاد التأزم".

وفي حال أعيد تكليف الحريري لتأليف حكومة جديدة، اعتبر طعمة الأمر"بديهيا؛ كونه الشخصية الوحيدة المهيئة لإنجاز أي تسوية في لبنان، وهذا ما دفع أغلب الأطياف السياسية في لبنان إلى تأكيد إعادة تسميته؛ أملا في الاستقرار في البلاد"، على حد تعبيره.

وحمّل طعمة حزب الله مسؤولية تأزيم الأمور في لبنان، مستغربا ما يقول إنّه: "إصرار لحزب الله بعدم الخروج من المستنقع السوري، وإبقاء أجندته حاضرة في ملفات المنطقة العربية".

وحول الحديث عن إشعال الحريري للأوضاع في لبنان في حال تمسّكه بالاستقالة، اعتبر طعمة أن "بقاءه على رئاسة الحكومة في مثل ظروف كهذه، يرفع منسوب المخاطر على لبنان، في ظل استنفار السعودية ومواقفها المتشددة والمندفعة تجاه لبنان، وسياساتها المتجهة إلى ما تقول إنه التصدي للمحاولات الإيرانية الهادفة إلى زعزعة أمن المنطقة"، مضيفا: "موقف لبنان أمام الدول العربية على المحك، ويتطلب ذلك وحدة اللبنانيين لمواجهة التحديات المفروضة عليهم بعقلانية وحسّ وطني كبير"، وفق قوله.

المساكنة انتهت

من جهته، رأى الكاتب والمحلّل السياسي إبراهيم بيرم أن "مؤشر التوقعات يُرجح تمسك الحريري باستقالته، كي لا يفسّر التراجع عنّها بأنّه انكسار للسعودية في حملتها الأخيرة"، متابعا في تصريحات لـ"عربي21": "ستتجه الأمور إلى استشارات نيابية ملزمة، وهذا ما يفتح المجال أمام المخاوف من تصاعد الأزمة على وقع ارتدادات الصراع بين المحورين الإيراني والسعودي".

وفي ظلّ ما يدور الحديث عنه حول محاولات يقوم بها رئيس الجمهورية لمنع التأزم السياسي في لبنان، قال: "التجربة السابقة أثبتت نجاعتها في إطار حكومة (مساكنة) تقبّلها المحوران السعودي والإيراني، وخلال عام حقق لبنان إنجازات بفعل هذا الاستقرار".

وقلّل بيرم من إمكانية تشكيل حكومة جديدة في ذروة التأزم السياسي، وتوقع "استمرار حكومة سعد الحريري في تصريف الأعمال لغاية الانتخابات النيابية المقرّرة في مايو/ أيّار المقبل، في ظل الرغبة السعودية بتعديل موازين القوى في الحكومة اللبنانية وتعديل البيان الوزاري بتضمينه تعهدا بعدم مشاركة حزب الله في أيّ نشاط خارجي والتشديد على الحياد اللبناني". مشيرا إلى أن ما يطلبه السعوديون "يصعب تحقيقه في الوقت الراهن"، بحسب ما قال.

الحريري "الجديد"

وفيما يتعلق بحضور جديد للحريري على المستوى السياسي في المرحلة المقبلة، قال بيرم: "أداء الحريري السياسي تطوّر خلال السنوات الماضية، فمع بداية توليه زعامة تيار المستقبل كان جامحا يسعى لفرض واقع جديد في لبنان بمشاركة ما يعرف بقوى 14 آذار، لكنه اصطدم عام 2011 بإخراجه من الحكومة والمجيء بنجيب ميقاتي رئيسا لحكومة من لون واحد"، مضيفا: "أثرت هذه المرحلة عليه من النواحي كافة، الشعبية، والمالية، قبل أن يغيّر أسلوبه السياسي ويتوّج ذلك في التسوية الأخيرة مع التيّار الوطني الحر".

وتحدّث بيرم عن أن "فريق الحريري يسعى إلى احتواء سخونة التشنجات السياسية في لبنان، وذلك بفعل الاستفادة من التجارب السابقة التي لم تفض إلى نجاحات للتيار ولرئيسه"، بحسب تعبيره.