اتهمت مجلة "إيكونوميست" في عددها الأخير الإدارة الأمريكية لدونالد
ترامب بتجاهل
الشرق الأوسط، وتقديم سياسة مضطربة أدت إلى مفاقمة مشكلات العالم العربي.
ويذهب التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن منح ترامب السعوديين اليد المطلقة يعمل على زعزعة استقرار المنطقة، ويقول إن "السفارة الأمريكية قيد الإنشاء في لبنان، ستكون ثاني أكبر سفارة في العالم حال الانتهاء منها، ومع ذلك كانت فرنسا هي التي تدخلت وحلت الأزمة السياسية الأخيرة، ففي 4 تشرين الثاني/ نوفمبر تحدث رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من الرياض، وأعلن عن استقالته بطريقة مفاجئة، وما تبع ذلك من أحداث كان ملحمة غريبة استمرت أسبوعين، وبدا وكأنه قيد الإقامة الجبرية في
السعودية، ورغم انتقاد وزارة الخارجية الأمريكية التحرك، إلا أن فرنسا هي التي فاوضت لتأمين عودة الحريري إلى بيروت، حيث علق استقالته منذئذ".
وتعلق المجلة قائلة إن "ترامب في الحكم منذ عام تقريبا، إلا أن استراتيجيته الشرق الأوسطية لا يمكن وصفها إلا بأنها مزيج من (الإهمال والارتباك)، وتتزامن فترة حكمه مع تغيرات في السعودية، حيث تخلى الملك سلمان وابنه ولي العهد القوي عن السياسة الخارجية الحذرة، وفضلا سياسة حازمة وعدوانية، وأدهشت تصرفاتهما الأصدقاء والجيران، وحتى أن
الإسرائيليين، الذين ليسوا في العادة من المعجبين بسعد الحريري، وصفوا التحرك السعودي في لبنان بالمتهور، الذي هدد بفك التوازن الطائفي الحساس الذي تقوم عليه اللعبة السياسية في البلد".
ويستدرك التقرير بأن "السعوديين وجدوا جمهورا يدعم تصرفاتهم في البيت الأبيض، خاصة جارد كوشنر صهر ومستشار الرئيس، ويعتقد فريق ترامب أنه قام بتشجيع لبرلة الاقتصاد والإصلاحات الدينية والاجتماعية للأمير محمد، إلا أن ترامب لم يظهر أي اهتمام بالحملة التي تقودها السعودية في اليمن، التي أدت بدعم أمريكي إلى تحويله إلى أرض خراب، وأثنى بشكل علني على الحصار الذي قادته السعودية على قطر، والاعتقالات الأخيرة داخل المملكة، رغم الشكوك التي أبداها الدبلوماسيون الأمريكيون حول السياستين".
وتشير المجلة إلى أنه "في الوقت الذي رحب فيه الكثير من السوريين في نيسان/ أبريل بالصواريخ التي أطلقها الجيش الأمريكي على قاعدة عسكرية في
سوريا، بعد هجوم كيماوي على بلدة في محافظة إدلب، إلا أن الرئيس الأمريكي يبدو كأنه فقد الاهتمام بها، وملأت إيران وروسيا الفراغ، وساعدتا نظام الرئيس بشار الأسد على استعادة المناطق التي خسرها".
ويلفت التقرير إلى أن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استقبل بحرارة رئيس النظام السوري الأسد في منتجع سوتشي الشهر الماضي، وبعد ذلك بيومين عقد قمة مع الرئيسين التركي والإيراني، وكلاهما يدعمان استمرار الأسد في الحكم".
وتنوه المجلة إلى "مؤتمر جنيف، الذي بدأ جولات المفاوضات في جنيف، حيث ضم وفد المعارضة رموزا مستعدة لتجاوز فكرة بقاء الأسد في السلطة، وهو تحول قامت السعودية بهندسته، واستقال رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، وهو أحد الناقدين الأشداء للنظام بضغوط سعودية، وربما يأمل السعوديون بهذا التحرك في دق إسفين بين إيران وروسيا، إلا أن الأمريكيين لم يقولوا شيئا".
ويفيد التقرير إلى أنه "في السياق ذاته يشعر حلفاء آخرون بالارتباك، حيث قرر ترامب قطع الدعم العسكري عن قوات سوريا الديمقراطية، التي دعمها في الحرب ضد تنظيم الدولة، وعندما سئلت المتحدثة باسم الخارجية عما إذا كانت الولايات المتحدة سترسل مبعوثا خاصا للتوسط بين أكراد كردستان والحكومة في بغداد، فإنها ردت قائلة: (يستطيعون حل خلافاتهم بأنفسهم)".
وتقول المجلة: "حتى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير راض عن اتفاق خفض التوتر في جنوب سوريا، الذي رتبته أمريكا مع روسيا، وسمح للمليشيات الشيعية بالتحرك في المنطقة، التي لا تبعد سوى 5 كيلومترات عن الحدود مع إسرائيل".
ويستدرك التقرير بأنه "رغم علاقات الأردن القوية مع الولايات المتحدة إلا أنه يشعر بأنه ترك وحيدا، حيث ستوقف الولايات المتحدة دعمها للجماعات المقاتلة في جنوب سوريا الشهر المقبل، بالإضافة إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي التقى ترامب أثناء الحملة الانتخابية، وكان أول رئيس يهنئه على فوزه، فوجئ عندما خفضت الإدارة 100 مليون دولار من المعونة السنوية، وعلقت 195 مليون دولار (حتى ترى إشارات على تقدم في الديمقراطية)".
وترى المجلة أن "ترامب لا يستحق اللوم كله على السياسة الموحلة في الشرق الأوسط، حيث دعا باراك أوباما لرحيل الأسد دون أن يفعل أي شيء لدعم المعارضة، وبدأت الحرب في اليمن تحت نظره، لكن الرئيس ترامب عمل على جبهة التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبعد سلسلة من الرحلات المكوكية قام بها المبعوث الخاص للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، فإن ترامب يخطط للكشف عن خطته بداية العام المقبل".
ويجد التقرير أن "التسوية هي طريق التعميد للرؤساء الأمريكيين الذين حاولوا وفشلوا كلهم، ولا سبب يدعو للاعتقاد بأن ترامب سينجح حيث فشل الآخرون، فلا تزال تقود إسرائيل حكومة يمينية متطرفة لا تريد تقديم تنازلات، والفلسطينيون منقسمون تقودهم حكومة فقدت الشرعية، لكن السعوديين أخبروا رئيس السلطة الفلسطينية أن ترامب سيقدم خطته النهائية وعليه قبولها، ويشعر السعوديون أن دعمهم لترامب في التسوية يعطيهم اليد الحرة في اليمن ومناطق أخرى".
وتستدرك المجلة بأنه "رغم أن ترامب لا يوفر فرصة لانتقاد سلفه، إلا أنه يكرر الأخطاء التي وقع بها أوباما ذاتها، حيث اتهم أوباما بالبحث عن اتفاقية مع إيران بأي ثمن متجاهلا تدخلات إيران في العراق وسوريا، أما ترامب فهو مهووس بتخريب الاتفاق دون أن يفعل أي شيء لاحتواء تأثير إيران في المنطقة، بل يعمل على تقوية الديكتاتوريين في مصر، وفقد ثقة الحلفاء القريبين، مثل إسرائيل والأردن".
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالإشارة إلى أنه "في الوقت ذاته يشعر السعوديون بالحرية لمواصلة سياساتهم التي تزعزع المنطقة، وأصبح مستقبل سوريا في يد الروس والإيرانيين، حيث يقول دبلوماسي غربي: (هذا ليس هو الوقت الذي نختفي فيه.. نريد نوعا من الإشراف)".