هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
إثر القرار الأمريكي اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، تثار التساؤلات حول مستقبل المبادرة العربية للتسوية: هل ستبقى على الطاولة بعد الآن؟ وهل ستظل أمريكا راعيا وحيدا لعملية التسوية ووسيطا بعد القرار؟ وهل عقد القرار التسوية أم سرع في حلحلتها؟
أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء، الذي قال إنه "سيساعد عملية السلام"؛ غضبا في العالم العربي والإسلامي، ورفضا من شركاء واشنطن، حيث أكد سفراء السويد وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا بالأمم المتحدة الجمعة، أن القرار "لا يتطابق مع قرارات مجلس الأمن الدولي" وأن القدس الشرقية جزء من فلسطين المحتلة.
مبادرة السعودية
ومبادرة السلام العربية، أطلقها ملك السعودية الراحل عبد الله بن عبد العزيز، أثناء القمة العربية ببيروت عام 2002، بهدف إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967، وعودة اللاجئين الفلسطينين، وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل.
وفي آذار/ مارس الماضي، قال وزير الأمن الإسرائيلي بنيامين بن إليعازر، لصحيفة "معاريف" إن "المبادرة العربيّة للسلام كانت أكبر إنجاز حققته إسرائيل منذ تأسيسها، ذلك لأن المبادرة العربية شملت تطبيعا كاملا مع إسرائيل، مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حزيران/ يونيو 1967.
وردا على قرار ترامب؛ طالبت حركة الجهاد الإسلامي منظمة التحرير بسحب الاعتراف بـ"إسرائيل" وسحب المبادرة العربية للسلام، وإنهاء اتفاق "أوسلو"، فيما دعا رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، إلى دعم المبادرة العربية للسلام وفق حل الدولتين.
المسار سقط كاملا
ويرى المحلل السياسي اللبناني المتخصص بشؤون الشرق الأوسط، نضال السبع، أن الشيء الأكيد هو أن المبادرة العربية التي قدمها ملك السعودية الراحل، وأضاف على بنودها الرئيس اللبناني إميل لحود، بند عودة اللاجئين؛ لم تعد تلقى أذنا صاغية من الإدارة الأمريكية وإسرائيل، وبعد 15 عاما لم يطرأ على المبادرة أي تقدم".
السبع، أكد لـ"عربي21"، أن "إسرائيل تريد العلاقات الدافئة مع العرب فقط بينما تتنكر لحقوق الفلسطينيين"، وقال: "ليست المبادرة العربية فقط التي سقطت بل إن اتفاقية أوسلو عام 1993، انتهت هي الأخرى من الناحية القانونية والفعلية برعاية أمريكا".
وأضاف السبع، أنه "وحسب المبادرة العربية؛ كان مقررا أن تؤجل النقاط الخلافية للمرحلة النهائية في المفاوضات، مثل وضع مدينة القدس وعودة اللاجئين وحدود الدولة الفلسطينية؛ ولكنه عمليا بعد ما فعله ترامب فلا توجد تسوية حيث إنه قدم ملف القدس على مراحل التفاوض، ووقف على يمين المتطرفين الإسرائيليين وقدم القرار هدية لتل أبيب".
واعتبر السبع أن "القرار الأمريكي إجراء من طرف واحد؛ من المفترض أن يدفع الفلسطينيين للتخلص من اتفاق (أوسلو) الذي تم بين الرئيس ياسر عرفات والإسرائيلي إسحاق رابين، والذي على أساسه اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية ولم تعترف حتى الآن بالشعب الفلسطيني ولا بدولته".
وحول بقاء الولايات المتحدة راعيا وحيدا لعملية التسوية ووسيطا بعد القرار، أكد الباحث اللبناني، أن قرار ترامب أنهى هذا الدور وأثبت فشل التسوية العربية بشكل كامل وليس فقط المبادرة العربية السعودية ولا اتفاقية (أوسلو)، بل إن الاتجاه القديم لدى العرب نحو المسار السلمي والنقاط العشر قبل 40 عاما ومنذ عام 1974، سقط هو الآخر، ووصل الفلسطينيون إلى حائط مسدود، وأثبتت الأحداث حتى قرار ترامب، أنه لا فاعلية للمفاوضات".
وحول احتمال دخول أطراف جديدة بدلا من واشنطن كوسيط بالمفاوضات، أكد السبع، أنه "حتى لو تدخلت تلك الأطراف فما هي قدرتها على تطبيق القرارات التي تنتج عن المفاوضات أو إلزام إسرائيل بقبول القرارات الدولية؟"، مشيرا إلى "روسيا كطرف قادر على رعاية المفاوضات وعرض حلول وبدائل؛ ولكن هل تملك إجبار إسرائيل على تطبيق القرارات؟".
ما الحل؟
ويرى السبع، أن الحل الوحيد لمواجهة القرار الأمريكي والصلف الإسرائيلي؛ هو سحب الاعتراف والتخلص من اتفاقية أوسلو (1993)، واتفاق السلام الأردني الإسرائيلي (وادي عربة 1994)، ومن قبلهما اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية (كامب ديفيد 1978).
ودعا إلى "إغلاق السفارات ومكاتب التمثيل الإسرائيلية في بعض الدول العربية والإسلامية، ووقف عمليات التطبيع السياسي والثقافي والتجاري والتأكيد على عودة الصراع العربي والإسلامي الإسرائيلي"، مطالبا باستراتيجية جديدة لمواجهة التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل، مؤكدا أنه "في هذه الحالة ستقبل إسرائيل بعملية تفاوض حقيقية مع الفلسطينيين".
وقال إن المطلوب من الفلسطينيين كخطوات عملية للحل "أولا: أن يتم فك حصار قطاع غزة، وثانيا: التوجه للقاهرة لإقامة حوار فلسطيني فلسطيني برعاية مصر، وثالثا: وضع برنامج سياسي لمواجهة إسرائيل".
سلة الأمريكان
من جانبه، يعتقد الباحث في الشؤون الإسرائيلية لدى "مركز رؤية للتنمية السياسية"، صلاح الدين العواودة، أن "المبادرة العربية السعودية قد قتلت عدة مرات؛ الأولى عندما رفضها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون، بداية، ثم عندما طلب خلفه بنيامين نتنياهو تعديلها بما يوافق رؤيته للحل من خلال الاعتراف بيهودية الدولة ومطلبه بأن تنص على إلغاء حق العودة للاجئين".
العواودة، أضاف لـ"عربي21"، أن المبادرة العربية "قتلت في المرة الأخيرة من أصحابها في الرياض عندما مضت القيادة السعودية في التطبيع مع الاحتلال دون موافقتة على المبادرة وجاء إعلان ترامب ليعلن وفاتها".
وأكد الباحث الفلسطيني، أنه "وبالتالي ستظل المبادرة كجثة ميتة على طاولة التسوية لمن ما زالوا يتمسكون بخيار التسوية رغم علمهم بموتها لأنهم لا يملكون خيارا آخر ولا يريدون لخيار آخر أن يكون بديلا عن التسوية؛ وهو خيار المقاومة ورفض التسوية".
وعن الدور الأمريكي أوضح العواودة أنه "لم يكن يوما منصفا ولا محايدا وكان تاريخيا منحازا للجانب الصهيوني رغم تغاضي أو تعامي الجانب الفلسطيني والعربي عن هذه الحقيقة بناء على رؤية خاطئة لموازين القوى الدولية".
وقال إن "الإدارة الأمريكية في عهد ترامب أصبحت أكثر وقاحة في عدائها للعرب والمسلمين والفلسطينيين وهذا يحتم على الفلسطينيين التسليم بهذه الحقيقة"، مضيفا أنه "للأسف الشديد يبدو أن هناك طرفا عربيا وربما فلسطينيا أيضا قد وضع بيضه كله في سلة الإدارة الأمريكية ولن يستطيع التراجع".