أثار طلب الرئيس
السوداني عمر
البشير، من
روسيا إقامة قاعدة عسكرية ببلاده على البحر الأحمر أثناء زيارته موسكو الشهر الماضي، تساؤلات، خاصة وأنه يتزامن مع السماح لموسكو بإقامة قاعدة عسكرية شمال غرب
مصر بحلول 2019.
وناقش البشير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الدفاع سيرغي شويغو، خلال زيارته لموسكو 23 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية روسية بالسودان.
وفي 28 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي أيضا، كشفت الحكومة الروسية عن اتفاق مع مصر يسمح للطائرات العسكرية للدولتين بتبادل استخدام المجال الجوي والقواعد الجوية.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2016، قال موقع "برافادا" الروسي، إن روسيا استأجرت قاعدة عسكرية في مدينة "سيدى براني" بمطروح، شمال غرب البلاد في اتفاق يتم تنفيذه بداية 2019، مقابل تحديث روسيا للمنشآت العسكرية المصرية على البحر المتوسط.
وكان الاتحاد السوفيتي سابقا يمتلك قواعد عسكرية وبحرية في مدينة عدن اليمنية، وبربرة بالصومال، وإثيوبيا، وفي مصر بمنطقة مطروح شمالا.
والسؤال: "هل تلعب روسيا مع القاهرة أم مع الخرطوم في ظل ما بينهما من حالة تنافس بملفي مياه النيل و(حلايب وشلاتين)؟ ولماذا يسعي قائد الانقلاب عبدالفتاح
السيسي والبشير لكسب ود بوتين؟".
للخرطوم دوافع ليست لدي القاهرة
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية، الدكتور بدر شافعي، في مقال له بعنوان "أبعاد القاعدة العسكرية الروسية في السودان"، إن "البشير فاجأ الجميع بمطالبته الروس إقامة قاعدة لهم بأراضيه لحماية بلاده من التهديدات الأمريكية التي أدت لتقسيم السودان لخمس دول".
وأضاف شافعي أن "موسكو هي الداعم الأول للسودان بمجال التسليح في ظل توتر العلاقات مع واشنطن"، مشيرا إلى منح الخرطوم المقاتلة سوخوي 35 التي تسلم السودان دفعة منها قبل زيارة البشير ليعد أول دولة عربية تحصل عليها.
وأشار الخبير بالشؤون الأفريقية، إلى أن أحد دوافع البشير من القاعدة الروسية ببلاده، "قد تكون مغازلة مصر والسعودية اللتين تشاركانه الإطلالة على البحر الأحمر، في ظل توتر العلاقات مع كليهما بسبب أزمة حصار قطر، وبشأن (حلايب وشلاتين)".
وقال شافعي: "وربما يُخشى أن تكون هذه الخطوة في إطار التنافس مع القاهرة التي عقدت صفقة بـ3.5 مليار دولار مع موسكو لشراء أنظمة دفاعية عام 2014، ثم أعلن مؤخرا أن القاهرة بصدد السماح لموسكو بإقامة قاعدة عسكرية بحلول 2019".
وأوضح أن السيسي والبشير "قد يراهنان على روسيا ويرغبان في كسب ودها، وإن كان هذا مقبولا بالنسبة للخرطوم بسبب الخلاف مع واشنطن، فإنه لا يزال يحمل العديد من الاستفهامات بالنسبة للقاهرة لاسيما في ظل علاقاتها الراهنة بإدارة ترامب".
وعلى الجانب الآخر، قال الكاتب يوسف أيوب، في مقال له إن "عرض البشير يشير لرغبة الخرطوم فى البحث عن ترتيبات أمنية جديدة بالبحر الأحمر، من وجهة النظرة السودانية دون الأخذ بالاعتبار ما يمثله من أهمية للدول المطلة عليه"، معتقدا أن البشير يهرب بهذا الأمر من مشاكله الداخلية.
لجوء منطقي
ويرى المحاضر في معهد الشرق الأوسط بجامعة سكاريا التركية، الدكتور محمد الزواوي، أن "لجوء السودان إلى روسيا يعد أمرا منطقيا، بالنظر إلى العقوبات المفروضة بإيعاز غربي على نظام البشير، بالإضافة إلى الاتهامات التي وجهها الرئيس السوداني للولايات المتحدة بشأن نيتها تقسيم السودان إلى خمس دويلات".
وأضاف الزواوي، لـ"
عربي 21": "إن اللجوء السوداني إلى روسيا يعد منطقيًا بل متأخرا للغاية، نظرا للصعوبات الاقتصادية التي واجهتها البلاد في الفترة الأخيرة وكذلك بعد انفصال الجنوب، والذي عزاه البشير كذلك إلى مؤامرات أمريكية".
وأوضح أن "السودان لديها بالفعل منظومات دفاع سوفيتية قديمة، وطالب البشير روسيا بتحديثها سواء فيما يتعلق بطائرات سوخوي 30 و35 أو بطلبه لمنظومة الدفاع الجوي إس 300، كما أن القاعدة العسكرية لروسيا على البحر الأحمر تعد ضمانة للسودان من أي أطماع خارجية لبلاده نظرا للموقف العدائي الأمريكي للنظام في الخرطوم".
وقال الباحث والأكاديمي المصري إنه "من ناحية أخرى، فربما يفهم ذلك الطلب السوداني بأنه لتدعيم الموقف الدفاعي السوداني أمام مصر التي تصر على مصرية مثلث (حلايب وشلاتين)، في حين تتمسك السودان بأحقيتها به، فوجود قاعدة روسية في السودان على البحر الأحمر ربما تعمل على ضبط إيقاع الصراع بين مصر والسودان، بإدخال روسيا كوسيط للتفاوض من أجل الضغط على مصر قبل أن تلجأ السودان إلى المحكمة الدولية كما هددت مسبقا".
وأكد الزواوي أنه "في المجمل، فإن النظامين لديهما مشكلات داخلية تتعلق بملف حقوق الإنسان وارتكاب مذابح جماعية، ومن ثم فإن لجوء البلدين إلى روسيا الشمولية والتي تتعرض لعقوبات غربية كذلك لسجلها بحقوق الإنسان وكذلك لضمها لشبه جزيرة القرم يعد أيضا منطقيا، باعتبار أن روسيا تمثل بوابة لاستيراد السلاح وتخفيف الضغوط الغربية، وكذلك اللعب بورقة الارتماء في أحضان روسيا الساعية لاستعادة مكانتها الدولية من جديد أمام الضغوط الغربية على كلا الدولتين".
الوجبة مفتوحة
بدوره، رأى الكاتب الصحفي محمد الصباغ، أن "الوجبة مفتوحة بالنسبة للدب الروسي"، متسائلا "فلماذا تمتنع موسكو من الاستفادة من الجانبين؟".
وفي سؤال حول حرص السيسي على إرضاء بوتين، رغم قربه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في الوقت الذي يعد سعى البشير بالتقرب من بوتين مبررا لسوء علاقاته بواشنطن، أكد الصباغ، لـ"
عربي21"، أن "بوتين له نفوذ حت علي ترامب"، وأوضح أن "الروس يسعون للعودة إلى مقدمة دول العالم ومعهم الصينيون"، متوقعا أنهم "سيتحكموا في العالم قريبا"، مضيفا "لقد انتهت أمريكا بالفعل".
وقال الصباغ إن "الروس يمكنهم التوفيق بين رغبات السيسي ومطالب البشير"، موضحا "أنهما على نفس الأهمية ودرجة المنفعة بالنسبة لبوتين"، مضيفا أن "الروس يعلمون جيدا أن الاثنين ساقطان سياسيا، ولكن الحل لدى الروس أن يحصلوا على أقصى مكاسب حاليا لأنها لاشك ستنفع في المستقبل".