هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الحديث عن السيادة السورية لم يعد أكثر من تصريحات غير ملتصقة
بالواقع من أركان النظام في دمشق، تتضارب في مضمونها وتوقيتها مع وفود المليشيات
الموالية لإيران، مقاتلين أجانب مع «داعش» والنصرة وأحرار الشام وغيرهم، قوات
روسية وأخرى صينية، وغيرها أمريكية وتركية، تسرح على الأرض السورية وتمرح.
وزارة
الدفاع الأمريكية أقرت لأول مرة بداية هذا الشهر بوجود 2000 جندي أمريكي في سورية
أي أربعة أضعاف العدد المصرح به إعلاميا طوال العامين الفائتين (503). هذا الأسبوع
أيضا، أكد المبعوث الأمريكي إلى الحرب ضد «داعش» بريت ماغورك أن مرحلة ما بعد
«داعش» في سورية لن تخل بالترتيبات الأمريكية الحالية في الأراضي المحررة من
«داعش»، والتي ستبقى في مكانها «إلا في حال الوصول إلى تسوية سياسية في المدى
الطويل للحرب الأهلية (في سورية) تستند إلى آلية جنيف، وأيضا إلى التزام لإزاحة
جميع القوات الأجنبية من الأراضي الحساسة في سورية».
ماغورك
ربط إبقاء الترتيبات الحالية أمريكيا أيضا بوجود مليشيات إيران في سورية، «والتي
يجب أن لا تكون هناك»، ونوه بنوع من التوافق النظري مع روسيا حول ذلك. أما عن نقاط
الوجود الأمريكي، كان لافتا أن المبعوث ذكر منطقة التنف الاستراتيجية بتقاطعها شرق
سورية وجنوبها بين العراق والأردن، إذ قال المبعوث: «نحن موجودون في التنف وسنبقى
هناك لضمان عدم عودة داعش ونشرف على الوضع الإنساني»، في رسالة ليست حقيقة حول
«داعش» والوضع الإنساني، بل هي موجهة إلى النظام وإيران وبعد اشتباكات عسكرية
معهما في تلك المنطقة بالذات.
من
يعرف ماغورك، المسؤول الوحيد الذي شغل وعاصر مناصب شديدة الحساسية من إدارة جورج
بوش الجمهورية إلى باراك أوباما الديموقراطية إلى دونالد ترامب الجمهورية، يعرف
نفوذه وتمكنه من الملفين السوري والعراقي. وكلامه عن خطوط الوجود الأمريكي وأفقه
يجب أن يؤخذ على محمل كبير من الجدية، كما كلامه عن أي تسوية سياسية بعيدة المدى،
وأن لا أموال لإعادة الإعمار للنظام قبل حدوثها.
سياسيا،
تصريحات ماغورك تعني أمرين. أولا أمريكا ستحمي مصالحها ووجودها الاستراتيجي في
سورية، وستدافع عن «قوات سورية الديموقراطية» وشركائها على الأرض. هذه الرسالة
موجهة إلى إيران والنظام قبل أن تكون موجهة إلى موسكو. أما ثانيا فالرسالة إلى
روسيا هي لكسب تعاونها في رص هذه الخطوط، بالالتزام بتفاهم فك الاشتباك، وإمكان
العمل لاحقا في شكل مشترك لإضعاف إيران في سورية. هذا الهدف يطمح إليه الأمريكيون
منذ وقت، وهناك مساع منذ أيام أوباما للفصل بين روسيا وإيران إنما لم تترجم عمليا
على الأرض.
عسكريا،
يقول مسؤول أمريكي لـ ”الحياة” أن واشنطن تقوم مع شركائها على الأرض بكثير من
التحركات على الحدود السورية - العراقية، لقطع جسر إيران البري من طهران إلى بيروت
ويعتقد المسؤول أن الإدارة حققت نجاحات في ذلك. كلامه يعبر عن مبالغة وتفاؤل من
واشنطن كون الحضور الإيراني في شكل مباشر أو غير مباشر في تزايد في كل من العراق
وسورية وليس، واضحا أن إدارة ترامب لديها استراتيجية فاعلة للتصدي له.
هناك
من يتوقع اكتمال الاستراتيجية الأمريكية في سورية الشهر المقبل، وأنها ستستند إلى
معطيات جديدة على الأرض، بينها بقاء الأسد وعدم توقع حل سياسي قريبا، وإغواء روسيا
للابتعاد من إيران والحفاظ على المكاسب الاستراتيجية. ترامب لا يأبه كثيرا بأهمية
الملف السوري، وهو يأخذ بتوصيات الجيش الأمريكي وماغورك، وعليه يمكن توقع استمرار
السياسة والمهادنة الأمريكية الحالية في سورية العام المقبل، وتثبيت واشنطن قدمها
في نقاط استراتيجية بدل الانسحاب والخروج من المدن والمناطق التي سيطر عليها «داعش».
الحياة اللندنية