هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية حوارا أجرته مع رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، الذي حذر من أن الاتحاد الأوروبي سيضعف بمجرد خروج المملكة المتحدة منه، مؤكدا أن هذه الخسارة ليست أمنية أو دفاعية فقط، وإنما سيفقد الاتحاد أحد أهم الركائز التي تصل بين ضفتي الأطلسي.
وقالت الصحيفة، في هذا الحوار الذي ترجمته "عربي21"، إنه في الوقت الذي اضطرت فيه حكومة تيريزا ماي إلى تقديم تنازلات كبيرة، وعزمها على عقد مفاوضات حول العلاقات التجارية المستقبلية بين لندن وبروكسل خلال سنة 2018، أعرب بلير عن قلقه من "خطر وقوع الأوروبيين في نوع من الفوضى حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
ونوهت الصحيفة بأن بلير قد أكد أنه يجب على الأوروبيين أن يفهموا أن "النقاش لم ينته بعد في المملكة المتحدة وأن يكونوا منفتحين إذا ما عدل البريطانيون عن قراراتهم". كما أشار بلير إلى أن "الضرر الذي سيسببه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في جميع أنحاء أوروبا، يجب أن يدفع بالأوروبيين لترك مجال للعودة، فالأمر لا يتعلق بمستقبل المملكة المتحدة وحدها بل بمستقبل أوروبا أيضا".
وفي إجابته عن سؤال الصحيفة حول ما صرح به إيمانويل ماكرون، تحديدا في شهر حزيران/ يونيو سنة 2017، حين أقر بأن "الباب سيظل مفتوحا دائما"، أوضح توني بلير أن الرئيس الفرنسي يعتبر "حليفا، فهو يدافع عن سياسة تقدم وسطية تسمح لفرنسا وأوروبا أيضا بإيجاد توافق بين الحركات الشعبوية في اليسار واليمين".
وأضافت الصحيفة أن بلير قد أفاد بوجود "عناصر مشتركة" تجمعه بإيمانويل ماكرون على غرار "الفكرة القائلة بأن سياسة التقدم يجب أن تكون راسخة في رؤية المستقبل، والحاجة إلى تقديم أجوبة بدلا من استغلال الغضب. وفي خضم الاضطرابات التي يشهدها العالم، يعد السعي لإصلاح البلاد ضرورة لتحقيق العدالة الاجتماعية".
كما أوضح مؤسس حزب العمال الجديد أن ضعف الاتحاد الأوروبي بعد انسحاب المملكة المتحدة سيكون على الصعيد الدفاعي والأمني. فقد أصبحت مسألة الدفاع الأوروبي تطرح اليوم "أكثر من أي وقت مضى"، خاصة في ظل رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة. كما يعتقد بلير أنه من غير الممكن أن يتمكن أي بلد أوروبي، بما في ذلك "ألمانيا"، من بناء شراكة متوازنة مع الصين أو الهند دون دعم جماعي من الاتحاد.
وأوردت الصحيفة أن بلير أقر بأنه "يجب علينا أن نستغل الصدمة التي خلفها البركسيت لمعالجة المسائل العالقة، لاسيما الهجرة، وهو ملف لا يخص البريطانيين فحسب بل تشترك فيه جميع الدول الأوروبية أيضا. ومن وجهة نظره، يتيح هذا الحدث فرصة "للشروع في إصلاحات تهدف إلى التوفيق بين المملكة المتحدة وأوروبا وتقريب دول الاتحاد من شعوبها". وهو ما سيجعل سياسة حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، "مدعومة إلى حد كبير من قبل الرأي العام".
وأشارت الصحيفة إلى أن رأي البريطانيين حول خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي لم يتغير، فوفقا لآخر استطلاع رأي حول هذا الموضوع، لا زال 49 بالمائة يعتقدون أنه قرار جيد، مقابل 51 بالمائة. لكن السيد بلير يدافع عن "حقهم في إعادة النظر" في قرارهم، بعد أن اطلعوا على شروط الاتفاق النهائي مع دول الاتحاد. فبالنسبة له، ستكون 2018 سنة حاسمة، وستمثل "الفرصة الأخيرة بالنسبة للبريطانيين للإعراب عن رأيهم حول ما إذا كانوا يفضلون العلاقة الجديدة المقترحة مع أوروبا على الوضع الراهن".
وذكرت الصحيفة أن السيد بلير لا يخفي رغبته الشخصية في "إعادة النظر التي ستؤدي إلى بقاء" بلاده ضمن "اتحاد وقع إصلاحه بفضل الزخم الذي سببه خروج المملكة المتحدة". كما أوضح بلير أن هذا التحول، يمكن أن يتم "إما عن طريق التصويت في البرلمان، أو عبر إجراء انتخابات جديدة، أو من خلال إجراء استفتاء جديد".
أما فيما يتعلق بحكومة ماي، فقد أكد بلير أنها تنقسم بين خيارين. ويتمثل الخيار الأول في قطيعة حادة، وأن يعلنوا للعالم "أننا مختلفون تماما عن الأوروبيين". أما الخيار الثاني، والذي يحظى بدعم رئيسة الوزراء، فيتمثل في الحصول على الموافقة على "الخروج من الاتحاد"؛ وهو خروج عن هياكل الاتحاد الأوروبي يقابله اتفاق للتجارة الحرة، مع الإبقاء على الفوائد الحالية. ووفقا لبلير، لن يحرم هذا الرحيل الكاذب لندن من مكانتها داخل الاتحاد الأوروبي فقط، بل ليس مقبولا من الدول السبعة والعشرين.
وفي سؤاله عن مسألة أيرلندا، أوضح بلير أنها "كناية عن المعضلة التي تواجهها البلاد بأسرها، أي الاختيار بين الحفاظ على السوق الأوروبية الموحدة أو عودة الحدود". كما أشار بلير إلى أن قرار تيريزا ماي بمغادرة السوق الموحدة يترك بريطانيا أمام خيار واحد وهو اتفاق للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي كالذي وقعته كندا مؤخرا، والذي يستبعد قطاع الخدمات الذي يمثل 70 بالمائة من اقتصاد المملكة المتحدة.
وأوضحت الصحيفة أن بلير يحاول عبر تدخله اليوم، التأثير على سياسة حزب العمال، الذي يحاول زرع الغموض حول أوروبا، لكي لا يخسر ناخبيه؛ إذ أن 37 بالمائة منهم قد صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. في المقابل، يعتقد الزعيم السابق أن الحزب يجب أن يوضح للبريطانيين "أن خروج المملكة من الاتحاد الأوروبي لن يحل مشاكلها وأن عضوية الاتحاد جيدة من حيث المبدأ؛ لأسباب اقتصادية وسياسية عميقة".
وفي الختام، أفادت الصحيفة بأنه ليس من المؤكد إن كان زعيم حزب العمال، جيريمي كوربن، في حاجة لنصائح توني بلير. كما يبدو أن الحزب ملتزم منذ فترة بإتباع منهجية الانفتاح شيئا فشيئا على مسألة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد.