لجأ مقاتلو
المعارضة السورية المحاصرون قرب دمشق إلى الدخول في محادثات مع
روسيا حليفة الحكومة السورية وانعقدت بعض الاجتماعات في
الأرض الحرام الفاصلة بين الجانبين وذلك في إطار سعي المعارضة للاحتفاظ بالجيب الخاضع لسيطرتها.
وتؤكد الاجتماعات التي انعقدت بخصوص الغوطة الشرقية، المعقل الرئيسي الوحيد للمعارضة قرب العاصمة السورية، اتساع نطاق الدور الروسي في محاولة صياغة مستقبل
سوريا بعد الصراع الذي تفجر عام 2011.
ولم تحقق المعارضة شيئا يذكر تقريبا من المفاوضات حتى الآن لكنها تقول إنها لا تملك خيارا يذكر.
وتعتقد المعارضة أن روسيا التي حقق سلاحها الجوي النصر في الحرب للحكومة سيكون لها القول الفصل في مصير سوريا.
وكانت جماعتا المعارضة الرئيسيتان في الضواحي قد وقعتا اتفاقات لوقف إطلاق النار مع روسيا في الصيف غير أن الاشتباكات استمرت. وقالت الجماعتان إنهما تجريان محادثات مع المسؤولين الروس بانتظام منذ عدة أشهر.
وقال وائل علوان المتحدث الرسمي باسم فيلق الرحمن: "أفضل التفاوض مع يلي بإيده الأمر يلي هو روسيا، من مع
النظام ... فتضطر الفصائل إلى الجلوس معهم ... هذا الواقع".
ولم ترد وزارتا الدفاع والخارجية الروسيتان على طلبات للتعقيب على هذه المحادثات.
وتقول موسكو إن مركز المصالحة في قاعدتها الجوية في سوريا يجري بصفة روتينية محادثات سلام مع الفصائل المسلحة في مختلف أنحاء البلاد.
وقد قال وزير المصالحة الوطنية في الحكومة السورية إن الدولة تنوي إخراج كل المتشددين من الغوطة الشرقية واستعادة السيطرة الكاملة عليها.
لكن المعارضة تريد التزام خصومها بالهدنة التي يقولون إنها تشمل رفع الحصار وفتح المعابر والسماح بخروج المرضى المشرفين على الموت. كما أنها تنطوي على إجلاء بضع مئات من المقاتلين من جبهة النصرة التي تمثل الفرع السابق لتنظيم القاعدة في سوريا.
ويتهم الفصيلان موسكو بعدم الالتزام بالاتفاقات أو بغض الطرف عن انتهاكات الجيش السوري.
وتقول دمشق وموسكو إنهما "لا يستهدفان سوى المتطرفين".
وقال المتحدث باسم هيئة الأركان في جيش الإسلام "حمزة بيرقدار": "نرسل لهم توثيق كيف أن الطيران يلقي بصواريخه على المناطق السكنية ... يكون إما عدم الرد أي السكوت ... أو تبرير بحجج لا أصل لها".
وأضاف: "يقولون إن الجهات الرسمية نفت أن تكون قد قصفت. إذاً هذا الطيران الذي يطير في سماء الغوطة لمن يتبع؟".
عملية الهدنة
أدى الصراع إلى سقوط مئات الآلاف من القتلى وإلى أسوأ أزمة لاجئين يشهدها العالم.
ويقول مراقبو الوضع ونشطاء المعارضة إن القصف الروسي هو السبب في سقوط آلاف القتلى من المدنيين وفي جانب كبير من الدمار. وتنفي موسكو تلك الاتهامات.
وكانت روسيا قد أمسكت بعد تحويل دفة الحرب لصالح الرئيس السوري بشار الأسد بأعنة المساعي الدبلوماسية الدولية في العام الماضي. وسعت إلى إقامة عملية سياسية خارج نطاق محادثات السلام الفاشلة في جنيف التي جرت برعاية الأمم المتحدة.
وفي الوقت نفسه أوقفت دول أخرى من بينها الولايات المتحدة دعمها تدريجيا لمختلف فصائل المعارضة وأغلبها من السنة.
ويسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أرسل طائراته الحربية إلى سوريا لمساعدة الأسد في 2015 لعقد مؤتمر للحوار الوطني بين مختلف الأطراف السورية المتحاربة.
ومع إعادة رسم خريطة الصراع في سوريا تريد روسيا تحويل المكاسب العسكرية إلى تسوية تحقق الاستقرار في البلاد وتضمن لها مصالحها الخاصة في المنطقة.
ولهذا الغرض تتفاوض موسكو وراء الستار مع الفصائل المسلحة في مختلف أنحاء سوريا.
وقال بيرقدار: "أي أمر نريده يكون التواصل معهم حصراً. لأن حقيقةً بالنسبة للأسد وحكومته أصبحوا أُلعوبة بيد الروس. لا قرار لديهم ... إلا بأوامر من الروس".
وقال يوري بارمين الخبير لدى المجلس الروسي للشؤون الدولية، وهو مركز أبحاث تربطه صلة وثيقة بوزارة الخارجية الروسية، إن روسيا تقيم من خلال المحادثات الرسمية والسرية علاقات مع الجماعات المحلية لأغراض من بينها اكتساب النفوذ على الأرض.
وأضاف: "ثمة هدف واحد. ضمهم إلى عملية الهدنة. كل هذا يتم بهدف إشراك مثل هذه الجماعات المعارضة في تلك العمليات الروسية، العمليات التي تقودها روسيا".
الأرض الحرام
منذ عام 2013 تحاصر القوات الحكومية السورية وحلفاؤها الغوطة الشرقية التي تمثل جيبا شديد الكثافة السكانية من المدن والمزارع التابعة.
وقد استطاع الجيش إخماد جيوب المعارضة في مختلف أنحاء سوريا بمساعدة القوة الجوية الروسية والفصائل الشيعية المدعومة من إيران. وبعد مرور ما يقرب من سبع سنوات على بدء الحرب يردد الأسد مرارا أنه سيسترد كل شبر من الأرض السورية.
ولا تزال الغوطة هي الجيب الكبير الوحيد للمعارضة بالقرب من العاصمة شديدة التحصين.
وقال مدير المكتب السياسي الداخلي في جيش الإسلام ياسر دلوان: "تواصلنا مع الجانب الروسي عبر مسؤول هذا الملف في دمشق من دولة روسيا، عن طريق الهاتف وعن طريق اللقاءات".
ويلتقي رجال جيش الإسلام بالقوات الروسية في منطقة الأرض الحرام وهي أرض زراعية مهجورة تفصل بين أراضي المعارضة والأراضي التي تسيطر عليها الحكومة على أطراف مخيم الوافدين القريب.
وقال دلوان: "نحكي عن الاتفاقية التي وقعناها ... تنفيذها، تطبيق الاتفاقية من ورق إلى شي عملي ... نحن نقول إنه في ضرورة نتواصل مع أي دولة إلها (لها) تأثير في حل هذا الموضوع لصالح الشعب السوري".
وقال الفصيلان إن روسيا هي التي سعت لإجراء المحادثات. وقالا إن المسؤولين الروس يحملون مسؤولية خرق الهدنة في بعض الأحيان للقوات المدعومة من إيران أو يستخدمون المتشددين الإسلاميين ذريعة لشن هجمات على الغوطة.
وأكد ياسر دلوان أن "فيلق الرحمن يتفاوض مع المسؤولين الروس فقط خارج سوريا".
وأضاف: "الحقيقة، روسيا لم تكن صادقة في يوم من الأيام في دعمها للمسار السياسي. لكن مع تخاذل المجتمع الدولي، وواقع الموقف الأمريكي، وعجز الأوروبيين، اضطرت الفصائل إلى أن تتفاوض مع العدو".
اتفاقات عدم التصعيد
تقع الغوطة الشرقية ضمن خطط وقف إطلاق النار في المناطق الخاضغة لسيطرة المعارضة والتي توسطت روسيا فيها في مختلف أنحاء سوريا خلال العام الماضي بدعم من تركيا وإيران.
وعندما وقعت المعارضة اتفاق عدم التصعيد مع روسيا في الصيف الماضي كان السكان والعاملون في مجال الإغاثة يأملون أن تتدفق المواد الغذائية على الضواحي التي يسكنها حوالي 400 ألف نسمة. غير أنهم يقولون إن الاتفاق لم يخفف معاناتهم.
ورغم فترات الهدوء في الضربات الجوية فقد ازداد الحصار قسوة. وفي بعض الأحياء الواقعة على الخطوط الأمامية تدور معارك ضارية. وتضاءلت المواد الغذائية والوقود والدواء وخاصة بعد إغلاق أنفاق التهريب.
وأكد مسؤول سوري في دمشق أن "الجيش لا يرد إلا على المتشددين في الضواحي الذين يقصفون أحياء العاصمة".
وقال: "بالنسبة للحلفاء الروس كل عمل يجري على الارض السورية هو بالتنسيق التام والكامل مع الحكومة السورية... إلهن (لهم) دور كبير".
وشددت فصائل المعارضة في الغوطة، والتي تتنازع مع بعضها البعض منذ فترة طويلة، على أنه "ليس لها اتصالات مباشرة مع حكومة الأسد".
وقال علوان: "في التواصلات مع الفصائل حاولت دائماً روسيا أن تقدم نفسها على أنها الحل ... نحن لا نراهم كوسيط ... أرى أنه الآمر الناهي في صف النظام".
وأوضح بارمين المحلل المتخصص في الشأن الروسي أن "حكومة دمشق لا تلعب في أغلب الأحوال دورا في المحادثات".
واعتبر أن "دمشق تجد نفسها أمام أمر واقع وعليها إما أن تقبله أو لا تقبله".