هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في خطوات حثيثة، تسير دول مجلس التعاون الخليجي الست نحو خصخصة بعض القطاعات والشركات الحكومية، بهدف تخفيف الأعباء المالية عن الحكومة وتوفير إيرادات إضافية، لتمويل عجز الموازنة علاوة على تعزيز نشاط القطاع الخاص.
خبراء ومحللون اقتصاديون يتوقعون توسعا في عمليات الخصخصة خلال 2018، في إطار استكمال خطط التحول وضعتها معظم الدول الخليجية، بالتزامن مع ما تعانيه إيراداتها في الوقت الراهن من تراجع أسعار النفط الخام عما كانت عليه في 2014.
ويضم مجلس التعاون لدول الخليج العربية - التي تعتمد بشكل كبير علي عائدات النفط في تمويل إيرادات موازناتها - كلا من: السعودية، والإمارات، والكويت، والبحرين، وقطر، وسلطنة عُمان.
وقال خبراء اقتصاد ومحللون إن خطط الخصخصة ستمتد لتشمل القطاعات الحيوية مثل النفط والطاقة والنقل والمواصلات والخدمات الصحة.
وتتفاوت القطاعات المستهدفة كالماء والكهرباء، والمناطق الصناعية، والموانئ والمطارات وشركات الطيران، وخدمات أخرى كقطاع البريد.
وتخطط السعودية (صاحبة أكبر اقتصاد خليجي وعربي) لتنويع مصادر الدخل من خلال خصخصة 10 قطاعات لمواجهة انخفاض الإيرادات النفطية.
ومن أهم تلك القطاعات، المياه والنقل الجوي والبحري والطاقة والصناعة والثروة المعدنية وتقنية المعلومات، بحسب خطط التنمية في 2030.
ويلوح في الأفق قرب طرح عملاق الطاقة السعودي "أرامكو" (أكبر شركة نفط في العالم)، وتتم المفاضلة بين أكثر من بورصة عالمية، إذ تقدر إيرادات الطرح بـ100 مليار دولار من بيع حصة 5 بالمائة، إذ قدرت القيمة السوقية بنحو تريليوني دولار.
وطرحت الإمارات في الشهر الماضي نسبة 10 بالمائة من شركة أدنوك للتوزيع (حكومية)، في سوق أبوظبي للأوراق المالية في أول طرح عام أولي تشهده السوق منذ ستة أعوام، والأكبر خلال السنوات العشر الماضية.
و"أدنوك"، مملوكة بالكامل لحكومة أبوظبي وتنتج ثلاثة ملايين برميل من النفط الخام، و9.8 مليار قدم مكعبة من الغاز يومياً.
وتمضي سلطنة عُمان في طريقها قدماً نحو خصخصة بعض الشركات الحكومية، أو التي تمتلك جزءاً من رأسمالها، في خطوة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على النفط.
ولدى السلطنة أكثر من 60 شركة مملوكة للدولة في شتى القطاعات، بينها شركات تحقق أرباحاً وأداء قوياً، بينما تحوز الحكومة حصصاً في كثير من الشركات المدرجة.
ضرورة ملحة
من جهته، قال الخبير الاقتصادي محمد العون، إن خطط الخصخصة باتت "ضرورة ملحة" لدول الخليج في ظل الظروف الراهنة بالتزامن مع ما تعانيه إيرادات دول المنطقة في الوقت الراهن من أسعار النفط المنخفضة.
وتابع العون: "من المتوقع الاتجاه نحو مزيد من تلك الخطط استكمالا لعمليات التحول التي وضعتها معظم دول المنطقة لتعزيز القطاعات غير النفطية".
وأضاف العون، أن تنفيذ برنامج الخصخصة المتوقع استمرارها خلال الأعوام المقبلة، يعد أحد الأدوات الأساسية لتوسيع مشاركة القطاع الخاص في امتلاك وتمويل وإدارة الأنشطة الاقتصادية، وبالتالي توسيع قاعدة الملكية.
تخفيف الأعباء
رجح المحلل الاقتصادي نواف الشايع (كويتي)، أن تظهر عمليات خصخصة كبرى قريبا، بغرض تخفيف الأعباء المالية والاقتصادية عن كاهل الحكومات، وتوفير السيولة اللازمة لتمويل المشروعات العامة بوتيرة أسرع ودعم معدلات النمو الاقتصادي.
وقال "الشايع"، إن الخصخصة قد تظهر في قطاعات النفط والإسكان، مضيفا أن السعودية أبرزت التجارب التي ستظهر قريبا، بسبب عجز الموازنة المرتفع وتأكيدات المسؤولين بحتمية خصخصة بعض القطاعات.
وزاد: "الخصخصة تتم لخفض التكلفة التشغيلية وخفض العجز وإنجاز الأعمال بشكل مرن وبعيد عن التعقيدات الحكومية.. لكن للأسف في الخليج يتم بيع القطاعات الرابحة والتي تدر أموالا للدولة.. في المقابل يتم الاحتفاظ بالخاسرة وهذا ما سيتسبب بزيادة العجز".
اتجاه متزايد
قال الخبير الاقتصادي الكويتي عدنان الدليمي، إن هناك اتجاها متزايدا لخصخصة القطاعات الحكومية بدول الخليج مع ارتفاع الضغوط الشعبية لتحسين الخدمات، فضلا عن تصاعد حدة الخلافات السياسية والمستقبل الغامض للمنطقة ما يفرض استحقاقات مالية إلزامية.
وأضاف "الدليمي"، أن الضغوط تتزايد من مؤسسات التمويل الدولية التي توصي بخصخصة القطاعات الحكومية للوصول إلى معدلات النمو المطلوبة.
وحول القطاعات الأقرب للخصخصة خليجيا، قال الخبير الاقتصادي، إن الشركات النفطية تشهد اهتماما كبيرا من المستثمرين.
وسابقا، لم تتعد تجربة الخصخصة في الخليج سوى بإشراك القطاع الخاص المحلي في هذه القطاعات الحكومية، وسط الحذر حول فتح المجال للمستثمرين الأجانب.
ويرى الدليمي، أن تكون السعودية والإمارات والكويت وعمان في مقدمة الدول التي قد تتوسع في عمليات الخصخصة.
وتوقع تأخر إجراءات الخصخصة بالدول الخليجية، خاصة من الرغبة القوية للاقتراض من الأسواق الخارجية لتمويل عجز الموازنة، فضلا عن ترجيحات ارتفاع أسعار النفط العالمية ما يحل أغلب المشاكل الاقتصادية بالمنطقة.
ما بعد النفط
قال الخبير الاقتصادي السعودي عاصم طاهر عرب، إن "عمليات الخصخصة المتوقعة في منطقة الخليج تأتي ضمن خطط عملية لمرحلة ما بعد النفط، والتي تتسم برؤية اقتصادية طويلة المدى".
معظم دول الخليج، بحسب عرب، بدأت تأخذ مسارها نحو اتخاذ إصلاحات اقتصادية غير مسبوقة لتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، ولكن تطبيق تلك الإصلاحات الصعبة يتطلب المزيد من الوقت.
وأوضح عرب، وهو أيضا أستاذ للاقتصاد بجامعة الملك سعود (حكومية)، أن من بين القطاعات المرشحة للخصخصة الطاقة والصناعة والسياحة والتجزئة والطيران، التي تعتبر إحدى أهم الركائز الهامة لدول الخليج للاعتماد عليها في مرحلة اقتصاد ما بعد النفط.
بينما توقعت وكالة "فيتش" العالمية للتصنيفات الائتمانية، تباطؤ وتيرة الإصلاحات الخليجية مع تحسن أسعار النفط، باستثناء السعودية والإمارات التي بادرت بتطبيق ضريبة القيمة مطلع العام الجاري.
وفي تقرير حديث أصدرته الوكالة، قالت إن عمليات الخصخصة وتنفيذ الضرائب ستستغرق وقتا طويلا حتى مع استنفاد إمكانات خفض الإنفاق.