هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ميدل إيست آي"
البريطاني تقريرا بين فيه أن مجموعة العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
التي أدت لاندلاع الاضطرابات في إيران سابقا، ستؤدي لتجددها في المستقبل، خاصة في
ظل معاناة الطبقتين الفقيرة والمتوسطة من التهميش، والحرمان وقمع الحريات الفردية،
وتواصل تمييز النظام لمؤيديه على حساب باقي أطياف الشعب.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته
"عربي21"، إن عالم الاجتماع الإيراني البارز، مقصود فراستخواه، قد
أجرى مؤخرا لقاء صحفيا مطولا حول العلاقة بين الصعوبات الاقتصادية والأسباب
العميقة لاندلاع الاحتجاجات في إيران وقد أكد فراستخواه أن الأسباب
الحقيقية أعمق مما تبدو عليه، وهي تتعلق بطبيعة الدولة الإيرانية في حد ذاتها.
ونقل الموقع عن فراستخواه أن "الدولة
الإيرانية تقدم نفسها على أنها مثل بقية الدول، لا سيما الديمقراطية منها، إلا أن
نظام الحكم فيها ليس مستعدا بعد للاعتراف بالآخرين ومنحهم حقوقهم".
ويرى هذا
الباحث أن نظام الحكم في إيران، المبني على نظرة ضيقة للعالم، تسبب في كل التمييز
والفروق الطبقية، والتفاوت الاقتصادي في توزيع الثروة والدخل في إيران، وهو الدافع
الحقيقي للاضطرابات الأخيرة.
وذكر الموقع أن فراستخواه يعتبر أن هناك أربعة أطراف "أخرى" في المجتمع الإيراني، قد فشل النظام الحاكم
لحد الآن في الاعتراف بها والتعامل معها. أولا، الطيف الواسع من التيارات السياسية
المخالفة للنظام، وهي مجموعة تضم المعارضين الذين لا يؤمنون بالعنف، على غرار
الإصلاحيين. ثانيا، التيارات
الثقافية والإيديولوجية، التي تتشكل أساسا من الطبقة المتوسطة، والمثقفين
والفنانين.
وثالثا، أولئك الذين يعرّفون أنفسهم بناء
على مهنهم، على غرار النقابات والصحفيين. والطرف الرابع، وهي مجموعة متكونة من عدد
كبير من النساء الإيرانيات، اللواتي يعارضن النظام السلطوي، الذي تطغى عليه سيطرة
الذكور.
وأكد الموقع أن السؤال الذي بات مطروحا
الآن، هو سبب عدم تطور الاحتجاجات الأخيرة لتضاهي في حدتها وحجمها الاحتجاجات التي
اندلعت سنة 2009. فقد امتنعت الشرطة وأجهزة الأمن الإيرانية هذه المرة عن استخدام
العنف على نطاق واسع، على عكس ما مارسته سنة 2009.
وبين الموقع أن هناك تيارين في المجتمع
الإيراني قادرين على خلق احتجاجات ضخمة في إيران. ويضم التيار الأول مجموعة
الفقراء والمحرومين الذين يناضلون من أجل تأمين لقمة العيش. ففي دراسة صدرت عن
وزارة الطرقات والتنمية المدنية الإيرانية، في تموز/ يوليو سنة2017، تبين أن 33 بالمائة من الشعب الإيراني يعيشون تحت خط الفقر.
وأشار الموقع إلى أن أبرز الاحتجاجات التي
ضمت هذه الفئة من الشعب الإيراني، قد اندلعت سنة 1995، عندما وصلت نسبة التضخم إلى 50 بالمائة، في أثناء فترة رئاسة هاشمي رفسنجاني، بسبب السياسات
الليبيرالية الاقتصادية التي انتهجتها حكومته.
وأضاف الموقع أن الآلاف من الفقراء
الذين يعيشون في "حي إسلامشهر" في ضواحي طهران، نظموا حينها مظاهرة
غاضبة. وسرعان ما انضمت إليهم الأحياء المجاورة، وتوجه المتظاهرون نحو طهران، حيث
تصدت لهم قوات الحرس الثوري وقمعت تحركاتهم.
وأورد التقرير أنه رغم كثرة عدد هذه الفئة، إلا أنها كانت دائما تفتقد إلى قيادة تعبر عن مطالبها. لذلك، يلاحظ أن الاحتجاجات
السابقة كانت دائما تبرز فيها شعارات الطبقة المتوسطة، وهي مطالب في أغلبها ذات
طابع مدني، تتعلق أساسا بالحريات الاجتماعية، وحرية التعبير، ورفض سطوة السلطة
الدينية.
وذكر الموقع أن التيار الثاني الذي يمكن أن
يكون مؤثرا ويؤدي لاندلاع مظاهرات ضخمة في إيران، هو السكان الحضر الذين ينتمون
للطبقة المتوسطة. وهو تيار يضم المجموعات الأربع "الأخرى" التي تحدث
عنها الباحث مقصود فراستخواه، والتي يتجاهلها النظام الحاكم بسبب اختلافها عنه.
وأوضح الموقع أن هذا التيار كان يمثل العمود
الفقري لاحتجاجات سنة 2009، وقد اختار من الحركة الإصلاحية إطارا محددا، ومن الرئيس السابق
محمد خاتمي، زعيما له. فقد دعم خاتمي مير حسين موسوي ليتمكن من العودة للمشهد
السياسي بعد عقدين من العزلة، وينافس بقوة في الانتخابات الرئاسية سنة 2009، ويكون قائدا لما سمي وقتها "بالحركة الخضراء".
وبين الموقع أن الاضطرابات الأخيرة التي هزت
إيران، شهدت استغلال المخربين للمظاهرات من أجل خلق المشاكل، وتقويض الأمن وتدمير
الممتلكات العامة، بالإضافة إلى رفع شعارات معادية للمقدسات الدينية والثوابت
الوطنية.
ورغم تلك التطورات، فإنه لا شك في أن هناك
توليفة من العوامل الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية، التي سوف تؤدي لتجدد
الاضطرابات والغضب الشعبي في المستقبل. وعلى رأس هذه الأسباب، مسألة تفضيل النظام
الحاكم لأنصاره على بقية أطياف الشعب، وممارسته للتمييز والضغط على من لا يدينون
له بالولاء.
وفي الختام، نوه الموقع بأنه ما دام تيار
الفقراء والمهمشين يعاني من غياب القيادة ولم يدر ظهره للنظام الحاكم بعد، وما دام
التيار الثاني المتمثل في الطبقة الوسطى وفيا للحركة الإصلاحية التي يقودها محمد
خاتمي، فإن اندلاع مظاهرات ضخمة تهدد بإسقاط نظام الحكم يبقى فرضية مستبعدة في
المستقبل القريب. ويعود ذلك إلى أن الإصلاحيين في إيران كانوا يعارضون الدولة
العميقة وسياسات القبضة الحديدية، إلا أنهم لا يسعون بأي حال من الأحوال لإسقاط
نظام الحكم.