شدد رئيس مجلس شورى حركة
النهضة التونسية كريم الهاروني، على أن التوافق والشراكة بين حركتي "النهضة" و"نداء تونس" في الحكومة الحالية لا يعكسان تحالفا بين الحزبين.
وأضاف الهاروني: "ما بين النهضة والنداء ليس تحالفا، فنحن حزبان مختلفان، لكن خلال انتخابات 2014 قال الشعب إن تونس لا يحكمها حزب واحد، وهناك حزبان كبيران، وعندما يوجد حزبان كبيران إما أن يتصادما أو يتعايشا، ونحن اخترنا التعايش والشراكة (في حكومة ائتلافية) لمصلحة تونس".
لكنه شدد على أن "التوافق لا ينفي التنافس، في 6 أيار/ مايو المقبل في انتخابات الحكم المحلي والبلدي ستتنافس النهضة مع النداء وستتنافس مع كل الأحزاب، والشعب التونسي هو الذي يقدر حجم الأحزاب".
وتابع: "النهضة لم تكن انتهازية في تعاملها مع النداء، بدليل أن النداء كان هو الأول في (نتائج)
الانتخابات (البرلمانية) عام 2014 (86 مقعدا من أصل 217)، ثم أصبحت النهضة (68 مقعدا) هي الأولى في البرلمان (بسبب انشقاقات عن النداء) ورغم ذلك ظلت النهضة تقول إن النداء (56 مقعدا حاليا) هو الحزب الأول، بناء على نتائج الانتخابات".
واعتبر الهاروني أن "خيار الوفاق هو خيار صعب، ويتطلب تضحيات، وعندما ذهبت النهضة والنداء في الوفاق كل منهما سيقدم تضحيات، والأهم هي المكاسب التي ستحصل لتونس من هذا الوفاق".
توافق غير أبدي
وحول ما إذا كانت ثمة تداعيات محتملة للوفاق مع "النداء" على نتائج "النهضة" في الانتخابات المقبلة، قال رئيس مجلس شورى الحركة (مكلف بتحديد سياساتها العامة): "نحن كنهضة مستعدون لهذه التضحيات، ضحينا قبل الثورة، وضحينا في الحكم بعد الثورة، ما زلنا مستعدين لمزيد من التضحيات والتنازلات من أجل تونس".
وأطاحت ثورة شعبية بالرئيس التونسي الأسبق، زن العابدين بن علي (1987-2011) في 14 كانون الثاني/ يناير 2011.
وتابع الهاروني: "لدينا رؤية استراتيجية وهي أنه يجب أن تنجح الديمقراطية في تونس، ويجب أن تستقر الدولة، وأن ينجح الوضع الاقتصادي والاجتماعي".
وأوضح أن "الالتقاء بين النهضة والنداء ليس أبديا، نحن في حكومة واحدة اليوم، والنهضة تقيّم أداء الحكومة".
ومضى قائلا: "إن رأت النهضة يوما أن مصلحة تونس في أن تلتحق بالمعارضة فستقرر الالتحاق بالمعارضة، لكن النهضة ترى مصلحة تونس في أن تكون النهضة قوية وموجودة في السلطة ومتوافقة مع من يخالفها في الرأي".
إلا أن الهاروني اعتبر أن "النداء هو الحزب الأول في الانتخابات، ويبقى الحزب المسؤول عما يحدث في البلاد، وعليه أن يتحمل مسؤوليته، وأن يدافع عن الدولة والحكومة والمطالب المشروعة للشعب التونسي، ونتعاون في ذلك لمصلحة تونس".
توظيف لاحتجاجات مشروعة
بعد سبع سنوات من الإطاحة بزين العابدين بن علي لا تزال تونس تعاني مصاعب اقتصادية، وشهدت عدد من المدن، قبل أيام، احتجاجات رافضة لإجراءات قانون المالية (الموازنة) لسنة 2018 ولارتفاع أسعار السّلع.
هذه الاحتجاجات قال الهاروني إنها "مشروعة، لكن محاولة أطراف سياسية (لم يسمها) توظيف مطالب مشروعة اقتصادية واجتماعية لصنع مناخ من العنف والفوضى والتخريب يهدد الحرية والدولة واستقرار البلاد ويخدم الإرهابيين، ويعطل الاقتصاد".
وأردف: "نريد أن نسجل أن الثورة السلمية في تونس صمدت ونحن نحتفل بالذكرى السابعة، بينما ثورات أخرى توقفت بعد سنة أو أقل، وستستمر لأن إرادة الشعوب للحرية والكرامة لا يمكن أن تقهر".
وبعد تونس اندلعت ثورات شعبية في دول عربية أخرى، وأطاحت بالأنظمة الحاكمة في كل من مصر وليبيا واليمن.
وأقر الهاروني بوجود صعوبات اقتصادية واجتماعية: "نعترف أننا خسرنا أوقاتا وجهودا.. (لو استثمرناها) كان يمكن أن يكون الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس أفضل".
وتابع: "بدليل أنه عندما انتصرنا (النهضة) في انتخابات بعد الثورة في 2011، وجدنا البلاد بنسبة نمو 1.8 تحت الصفر، وفي سنة واحدة أصبح النمو 3.8 فوق الصفر، رغم الإضرابات وقطع الطرقات والاغتيالات".
وأضاف: "لو واصلنا على نسق الديمقراطية والتنمية والمشاريع التي برمجناها للجهات ولتشغيل الشباب كنا وصلنا في الذكرى السابعة للثورة إلى نسبة نمو بين 5 و6، بما يعيننا على السيطرة على البطالة ويعطي الأمل لشبابنا".
ومضى قائلا: "لكن نعترف بوجود قوى (لم يسمها) ضد الثورة والديمقراطية.. قوى عطلت المشاريع والحرب على الفساد داخل الدولة".
انفتاح على اليسار
في تونس تسيطر المعارضة اليسارية على النقابات، وتواجه اتهامات من أطراف تونسية عديدة بإغراق البلاد في آلاف الإضرابات والاحتجاجات.
وحول ما إذا كانت "النهضة" تسعى إلى حوار مع اليسار، قال الهاروني: "نعتبر أن اليسار جزء من تونس، وقادر على أن يكون قوة بناءة ويثري الديمقراطية التونسية".
وأضاف: "النهضة اعتبرت أن النجاح في الانتقال الديمقراطي كان بالتوافق، ونحن منفتحون في التعامل مع كل العائلات الفكرية الدستورية والقومية واليسارية والليبرالية والإسلامية".
واعتبر أن ثمة "تطورات إيجابية في الساحة اليسارية، بدليل وجود أحزاب يسارية كانت تعارض النهضة وتعارض الحكومة، التي كانت تقودها النهضة، وهي الآن معنا في احكومة الوحدة الوطنية، رغم أنها ليست ممثلة في البرلمان، وهذا انفتاح على اليسار"، في إشارة إلى وزير الفلاحة، سمير الطيب، من حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي (الحزب الشيوعي سابقا).
واستطرد: "وكذلك هناك تطور إيجابي في موقف الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة عمالية)، فقد حاولت قوى داخل الاتحاد دفعه إلى الخروج عن دوره الوطني والاجتماعي واستعماله كقوة سياسية تخدم أحزابا معينة".
وتابع: "الاتحاد اليوم موقفه وطني ومسؤول ومتوازن يدافع عن الفئات الضعيفة ضد غلاء الأسعار، يطالب بإجراءات اجتماعية للتخفيف عن الفئات الضعيفة والمتوسطة، ويطالب بإصلاحات اقتصادية وتقاسم الأعباء بصفة عادلة، وهي مطالب مشروعة، لكنه أيضا منخرط في وثيقة قرطاج".
ووثيقة قرطاج هي وثيقة تحدد أولويات الحكومة، وقع عليها، في تموز/ يوليو 2016، كل من: الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (الأعراف)، واتحاد المزارعين (مستقل)، وأحزاب سياسية، أبرزها "النهضة" و"نداء تونس".
وشدد الهاروني على أن "الاتحاد من القوى التي تدعم حكومة الوحدة الوطنية، وهذا التطور فوّت الفرصة على المتشددين والفوضويين أو الإقصائيين داخل الساحة اليسارية".
ولفت إلى ما اعتبره تطورا ثالثا، وهو "محاولات تشكيل حزب يساري جديد (يقوده النقابي السابق عبيد البريكي)، وهناك اقتناع لدى مناضلين لهم تاريخ في اليسار بأن الخط الذي ذهبت فيه الجبهة (الشعبية) ليس هو الخط الذي يعبر عن اليسار، وليس الخط الذي سيسمح لليسار بأن يكون جزءا فاعلا وبناء في المشهد السياسي والوطني، وربما المواصلة في ذلك الخط سيعزل قوى اليسار".
الإمارات ليست عدوة
منذ سنوات تتردد أحاديث في تونس عن مساعٍ خارجية لإجهاض مسار الثورة التونسية ودور محتمل لدولة الإمارات.
وعن ذلك قال الهاروني: "الثورة ليست في طريق مفتوح، هناك مسار، وهناك معركة، وليست هناك ثورة ثانية في تونس كما توهم البعض، بل هناك قوى مضادة للثورة".
وتابع: "نعيش في تونس، ونعيش في العالم العربي، والأمور واضحة.. لدينا في تونس ديمقراطيون يصفقون لانقلاب في مصر، ويصفقون لمحاولة انقلاب فاشلة في تركيا، ويصفقون لمجازر تمارس ضد الملايين في سوريا، ويصفقون لتقسيم ليبيا، ويصفقون لاختلاف العرب، والبعض له مشكل حتى مع وحدة العرب والمسلمين.. كل هذا نعيشه داخل تونس، ولكن هؤلاء لا يمثلون تونس".
ورأى أن "كل هذه القوى تحركت لإفشال الربيع العربي والثورة التونسية، ونحن واعون بهذا الخطر".
وكشف أن "الأمر وصل إلى الضغط على رئيس الجمهورية (الباجي قائد السبسي) ومحاولة إغراء رئيس الجمهورية، وكذلك الضغط على رئيس الحكومة لتكون هناك صفقة تنازل عن الثورة والديمقراطية والوفاق مقابل دعم بطريقة أو بأخرى. ولكن الدولة في أعلى رموزها رفضت والقوى السياسية الوطنية رفضت والقوى الاجتماعية رفضت".
ومضى قائلا: "يقال كلام كثير في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الإعلام عن دور إماراتي في هذا، نحن نريد أن نوضح أولا أن الدولة التونسية هي التي تحدد السياسة الخارجية لتونس.. تونس لا تعادي الإمارات أو أي دولة في الخليج والعالم العربي والإسلامي.. عدونا الوحيد هو الكيان الصهيوني وهذا خطنا".
وأضاف: "ليس هناك أي مبرر لأي دولة عربية أن تعادي تونس، فنحن لم نعاد أحدا، ولكن إذا كان هناك من يحاول أن يمس باستقرار تونس أو يمنع الشعب التونسي من أن يختار بحرية من يحكمه أو يسعى إلى إفشال التجربة التونسية واقتصادها وأمنها، فنحن كدولة وكشعب وكمجتمع مدني ندافع عن تونس".
وقال الهاروني: "حتى خلال الأزمة الأخيرة (منع التونسيات من استخدام الطيران الإماراتي) دافعنا عن المرأة التونسية والشعب التونسي، لكن دون أن نعادي الإمارات، ودون أن نصنع أزمة دبلوماسية معها".
الانتخابات البلدية
ويخشى البعض أن تؤثر الاحتجاجات الأخيرة على نتائج "النهضة" في الانتخابات البلدية المقبلة، وهي الأولى منذ الثورة.
وقال رئيس مجلس شورى الحركة: "ما يهمنا أولا وقبل كل شيء في النهضة هو أن تنجح الانتخابات، وأن تتم بطريقة ديمقراطية وشفافة لنؤكد أن الديمقراطية في تونس بلغت نقطة اللارجعة، ولييأس كل من يتصور أن تونس يمكن أن ترجع للاستبداد وتزييف الانتخابات وشراء الأصوات وإلى إفراز حكم لا يمثل الشعب التونسي".
واعتبر الهاروني أن نجاح الانتخابات البلدية يمثل "تحديا لكل التونسيين.. يجب أن تنجح الانتخابات ونعطي صورة مشرقة عن تونس، وهي أن الديمقراطية في تونس أصبحت أمرا واقعا، وهي أول ديمقراطية في العالم العربي".
وتابع: "علينا أن نثبت للعالم أيضا أنه يمكن لبلد عربي أن يكون ديمقراطيا، ويمكن أن تتعايش الديمقراطية مع الإسلام، ويمكن أن نكون حكومات ائتلافية، ونحقق ازدهارا اقتصاديا واجتماعيا، وهذا أول هدفه سنعمل في النهضة على تحقيقه بغض النظر عن النتائج".
وشدد على أن "هذه فرصة لتكوين مجالس بلدية وجهوية لها مصداقية وسلطة قادرة على خدمة المواطنين وتحسين مستوى حياتهم، فبعد سبع سنوات (من الثورة) ينتظر التونسيون تغييرا في حياتهم اليومية".
ومضى قائلا إن "هذا التغيير طال (انتظاره) وهذه المعاناة طالت، وهذه (الانتخابات) فرصتنا لندخل مرحلة جديدة، وهي ثورة في الحكم بالانتقال من الحكم المركزي وللتصدي لمن يحاولون العودة بنا إلى حكم الرئيس واستبداد الرئيس.. سنواصل في الحكم باتجاه اللامركزية وتنمية الجهات والتعويل على كفاءاتها".
وختم الهاروني بأن "هناك من يريد (لم يسمه) تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، ويدّعي أن له برامج تمثل التونسيين وعنده قدرة على قيادة التونسيين، ولكن عندما ندعوه إلى الامتحان (الانتخابات)، وأن يقف أمام التونسيين يتهرب من هذه المواعيد الانتخابية".