هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلها غيث عبد الأحد، يكشف فيه عن الطريقة التي قاوم فيها أهل مدينة الموصل في شمال العراق حكم ثلاث سنوات لتنظيم الدولة.
ويشير عبد الأحد في الجزء الثاني من تحليله لصعود تنظيم الدولة وسقوطه، إلى طبيبة عراقية ظلت في الموصل كانت تعالج الجرحى، وأنشأت لاحقا مستشفى سريا بعد اكتشافها نوايا التنظيم، وفشلها في الهروب؛ بسبب اعتقال المهرب، ومداهمة "الحسبة" لبيتها، ووضعها قيد الإقامة الجبرية.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الطبيبة الشابة وسن، كانت مسؤولة عن قسم الولادة في مستشفى الجمهورية، لكنها وجدت نفسها تساعد الجرحى الذين أخذوا يتدفقون على قسم الإسعاف، مشيرا إلى قدرة التنظيم، الذي احتل المدينة لثلاثة أعوام، على بناء نظام مكون من إطارين، الأول يفضل أتباعه، وآخر يخدم العوام من السكان.
وتنقل الصحيفة عن وسن، قولها: "بدأنا نكره عملنا، فكوني طبيبة كان علي معالجة الناس كلهم بمساواة، لكنهم أجبرونا على معالجة مرضاهم، وشعرت بالاشمئزاز من نفسي".
ويرى الكاتب أن "الدولة" أقامت نظاما متناقضا، جمع بين الرأسمالية والشمولية التي تطبع نظام الحزب الواحد، حيث انتصرت في النهاية البيروقراطية العراقية، التي استمرت حتى الأيام الاخيرة للتنظيم في الموصل.
وينوه التقرير إلى أن وسن عاشت مع من بقي من الأطباء في عالم غريب، حيث ظلت الحكومة العراقية تدفع رواتبهم، ويتلقون أوامرهم من مسؤولين جهاديين في الموصل، مشيرا إلى تعليق مسؤول إداري سابق، قائلا إن "مهارة الدولة الإسلامية تنبع من قدرتها على جمع المتناقضات لتحقيق الهدف النهائي.. ولم تكن الموضوعات الجانبية مهمة"، وكان نظامهم خليطا (كوكتيلا) من مكونات متعددة دون قاسم مشترك.
وتجد الصحيفة أنه لهذا "استفاد عناصر التنظيم من النظام الجديد، الذين اتخذوه للمنفعة، وكان هناك آخرون آمنوا بأفكاره بصدق، وكان مكونا من أبناء العشائر والأرياف وأبناء العائلات المعروفة، وقادة دينيين، وبلطجية شوارع، وجهاديين من الخارج، وضباطا في الجيش العراقي السابق، وحققت الدولة الإسلامية رغبة كل جماعة، فمن جاؤوا من الأرياف أعطتهم بيوتا في أحياء الموصل الثرية، وهو أمر لم يسمع به أحد من قبل، ومنح الأجانب النساء والسلطة، أما الضباط السابقون فأعيدت لهم السلطة التي خسروها عام 2003".
ويقول عبد الأحد إن وسن قررت بعد فشل محاولات الهرب التمرد من الداخل، فتقول: "يمكنك أن تتكيف مع ظروف الحياة كلها، وبهذه الطريقة نجونا في ظل حكم تنظيم الدولة"، وتضيف: "أقمنا حفلات مع صديقاتنا اللاتي تزوجن وحفلات أعياد ميلاد ولمن عقدن قرانهن، وكان لدينا (دي جي) لكن بصوت منخفض، وحاولنا أن نعيش الحياة القديمة ذاتها دون تغيير، وكنا في المستشفى نغطي كاميرات المراقبة، ونقيم حفلات للأطفال في قسم السرطان".
ويذكر التقرير أن ما هو أهم من هذا كله هو أن وسن استخدمت علاقاتها، وجمعت أدوية ومعدات لبناء عيادة كاملة، تستطيع فيها القيام بعمليات جراحية، وانتشرت الأخبار عن المستشفى السري من شخص لآخر، وتقول إن "الناس بدأوا يأتون من الجزء الآخر للموصل، وبدأ الدواء الذي لدي ينقص".
وتقول وسن للصحيفة إن المستشفى كان فيه دواء، إلا أن التنظيم يتحكم في المخازن، لكنها بدأت تستخدم مبرر علاج مرضى التنظيم لأخذ الدواء من مخازنهم، "فلو كان مريضهم بحاجة إلى جرعة واحدة كنت آخذ خمس جرعات، ويبدو أنهم اكتشفوا هذا ولم يعودوا يسمحون للأطباء بدخول المخازن".
ويبين الكاتب أنه بسبب قيام نظام تنظيم الدولة على مبدأ المكافأة مقابل الولاء، فإن تراجع ماليته وتوقفه عن دفع الرواتب دفعا الموظفين لعدم الذهاب إلى العمل، وتوقف الأساتذة عن الذهاب إلى المدارس، أما الأطباء، مثل وسن، والمهندسون الذين اعتبرهم التنظيم مهمين، فإنه طلب منهم الحضور، ودفعت لهم نسبة 10% من رواتبهم.
ويفيد التقرير بأن التنظيم لجأ إلى عدد من الطرق غير المشروعة، مثل زيادة الضرائب؛ من أجل ملء الخزينة، لافتا إلى أنه في الوقت ذاته بدأت القوات الأمريكية بمهاجمة الشاحنات المحملة بالنفط من حقول النفط العراقية والسورية، وتواصل القصف على المدينة.
وتكشف الصحيفة عن أن البيروقراطية التابعة لـ"الدولة" استمرت في العمل خلال عملية القصف، وظل العاملون فيها يجمعون الأجور، ويوزعون المواد الأساسية، ويجبرون الناس على الالتزام بتعاليم الزي، بما في إطالة اللحى، وقامت فرق تابعة للتنظيم بمداهمة البيوت ومصادرة الأطباق اللاقطة من المباني التي لم تكن تبعد إلا أمتارا عن القوات العراقية المتقدمة.
ويقول عبد الأحد إن أول ما فعلته وسن عندما وصل الجيش العراقي إلى حيها، هو الذهاب لبيت طفل مصاب بسرطان الدم، ونقله بالسيارة إلى إربيل؛ لمحاولة إنقاذ حياته، حيث لم يتلق العلاج منذ ثلاثة أسابيع، لكنه توفي بعد أسبوع، وعادت إلى المستشفى، حيث كانت الجدران محترقة ومدمرة، ولا يوجد دواء، لكن "البيروقراطية نجت".
وبحسب التقرير، فإن نهاية الحرب كانت بمثابة "حلو مر" لوسن، حيث منعت من أداء امتحان المجلس الطبي؛ لأنها عملت في ظل تنظيم الدولة، وتقول: "قالوا لي لن يقدموا لي شهادة حسن السلوك لأنني عملت تحت إدارة تنظيم الدولة.. عدت إلى المربع الأول، وتسألني لماذا يشعر أهل الموصل بالغضب؟ طبعا نحن غاضبون إذا استمروا بمعاملتنا وكأننا تنظيم الدولة".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول وس: "الآن هناك حرب أهلية جديدة في المدينة، بين من بقوا وعانوا خلال السنوات الثلاث الماضية وبين من هربوا والذين يقولون إننا متعاونون ولم نعان مثلهم، ويريدون العودة إلى عام 2014 ويبدأون حياتهم من هناك، ولا يريدون القبول بأن السنوات الثلاث السابقة كانت هباء".