نشرت صحيفة "هآرتس"
الإسرائيلية تقريرا، بينت فيه أن التنسيق العسكري والاستخباراتي بين النظام
المصري وإسرائيل بلغ مستويات غير مسبوقة. ولكن، تبقى المساعدة الإسرائيلية في سيناء غير كافية، في ظل انتشار الفقر والتهميش، وضعف الولاء للحكومة المركزية، وعجز الجيش المصري عن استثمار الضربات الجوية للتقدم في المنطقة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه منذ توقيع مصر على معاهدة كامب ديفيد للسلام سنة 1979، حصلت باستمرار على المساعدات العسكرية الأمريكية، وتمكنت من تحديث ترسانتها، واستبدلت بالأسلحة السوفيتية أخرى أمريكية. وفي مقدمة سرب الطيران المصري، هناك
مقاتلات "إف-16" و"بي-52"، إلى جانب طائرات الهليكوبتر الهجومية "أباتشي"، وهي نفسها الموجودة لدى جيش الطيران الإسرائيلي.
ورأت الصحيفة أنه في ظل امتلاك مصر لأكبر جيش في العالم العربي، قد يتوقع الجميع أن تتمكن من التعامل بسرعة مع المجموعات المتمردة في شمال سيناء، خاصة أن هذه المجموعات لا تتجاوز ألف مقاتل على أقصى تقدير. في المقابل، أثبتت سلسلة الهجمات المتواصلة التي تستهدف المدنيين والعسكريين في شبه الجزيرة، أن الجيش المصري في أحسن الحالات يستطيع فقط احتواء تنظيم ولاية سيناء، الفرع المحلي لتنظيم الدولة.
وأشارت الصحيفة إلى تقرير ورد في صحيفة "نيويورك تايمز"، الذي صدر الأسبوع الماضي، حول المساعدة التي تقدمها إسرائيل لمصر في سيناء، المتمثلة في شن أكثر من مئة غارة جوية خلال العامين الماضيين، باستخدام طائرات مسيرة وهليكوبتر، بناء على طلب الحكومة المصرية.
ورغم تشابه الترسانة الجوية، إلا أن الفرق يتمثل في خبرة الطيارين الإسرائيليين، إلى جانب تفوق الدولة العبرية في مجال إلكترونيات الملاحة الجوية، وامتلاكها لصواريخ موجهة وتشكيلة واسعة من معدات المراقبة والاستشعار، وتحديد المواقع الأرضية، وتفوقها في استخدام تكنولوجيا الطائرات المسيرة.
واعتبرت الصحيفة أن كل هذه الميزات تجعل من الطيران الإسرائيلي أكثر قدرة على ضرب مواقع تنظيم الدولة في الصحراء، وتجعل طياريها أكثر أمنا في مواجهة المضادات الأرضية المحمولة على الكتف، التي يمتلكها المسلحون. ولكن هذا التفوق التكتيكي للطيران الإسرائيلي ليس السبب الوحيد الذي دفعه للمخاطرة بطياريه ومقاتلاته، في مهمة يفترض أن تضطلع بها مصر.
وقالت الصحيفة إن تقرير "التقييم الاستراتيجي القومي الإسرائيلي" لسنة 2010، أشار إلى أن مسألة خلافة حسني مبارك تعد نقطة مثيرة للقلق. فقد كان هذا الدكتاتور المعمر في السلطة يعاني من المرض، لذلك كان المحللون الإسرائيليون يعكفون على دراسة كل الاحتمالات المتعلقة بمن سيحل محله.
ولثلاثة عقود، كان مبارك حليفا موثوقا به لدى إسرائيل، خاصة أنه نجح في الحفاظ على "السلام البارد"، لذلك مثلت الإطاحة به في ثورة 25 يناير صدمة للجميع. وعلى امتداد سنتين ونصف، وإلى حين وصول عبد الفتاح السيسي للسلطة في انقلاب عسكري، كان هناك خوف كبير على مستقبل التحالف الإسرائيلي المصري، إلا أن لغز خلافة مبارك تم حله أخيرا بشكل مرضيّ بالنسبة لتل أبيب.
وذكرت الصحيفة أن كبار المسؤولين الإسرائيليين عندما يتحدثون عن الرئيس المصري في السر، يسمونه "صديقنا السيسي". أما في العلن، فلم يتحدث أي رئيس مصري سابق بذلك القدر من الانفتاح حول حسن علاقاته مع الإسرائيليين، وكان ذلك خاصة في حوار مع الواشنطن بوست سنة 2015. قال السيسي حينها إنه "يتحدث كثيرا عبر الهاتف مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو"، ووراء هذه الحميمية مستويات غير مسبوقة من التنسيق العسكري والاستخباراتي.
واعتبرت الصحيفة أن هذا التحالف يبقى محدود التأثير، حيث إن الغارات الجوية وحدها، ومهما كانت قدرات الطرف الذي يشرف عليها، لن تكون كافية للقضاء على تنظيم الدولة في سيناء. وحتى قبل بروز هذا التنظيم، كانت المجموعة المسلحة الأصلية، مثل "أنصار بيت المقدس"، تمثل حركة تمرد محلية تتألف من أبناء القبائل البدوية الناقمين، إلى جانب المتشددين الذين هربوا من القاهرة وبقية المدن. وهم اليوم يحاربون على أرضهم ووسط مجتمعهم، ويعرفون كيف يتحركون في القرى والجبال.
ورغم تعداده وسيطرته على العديد من القطاعات الاقتصادية، لا يزال الجيش المصري يعتمد على المجندين الفقراء والضباط المتسلطين، غير المجهزين أو المدربين لخوض هذه الحرب غير التقليدية، في أرض ينظر إليهم فيها على أنهم محتلون غرباء.
وأضافت الصحيفة أنه لطالما تعرض سكان شمال سيناء، على خلاف بعض المنتجعات السياحية الأخرى في البحر الأحمر وجنوب شبه الجزيرة، للتجاهل والتفقير لعدة عقود. لذلك، أصبح ولاؤهم للحكومة المركزية في القاهرة ضعيفا، وبالكاد يستطيع الجيش السيطرة على الطرق الرئيسية الساحلية، وفي الليل يختبئ الجنود داخل مدرعاتهم المصفحة.
وبنهاية سنة 2016، قضت الغارات الجوية على الكثيرين من مقاتلي تنظيم الدولة، حتى انخفض عددهم إلى حوالي 300 عنصر، فضلا عن أنهم فقدوا عددا من قياداتهم. ولكن، فشل الجيش المصري في ترجمة التفوق الجوي إلى تفوق على الأرض، وسرعان ما استعاد تنظيم ولاية سيناء قوته، مستفيدا من انضمام العديد من القيادات والمقاتلين الفارين من سوريا والعراق، الحاملين لخبرة كبيرة من المعارك التي خاضوها.
وفي الختام، بينت الصحيفة أنه تماما مثلما حدث خلال السنة الماضية في الرقة والموصل، عندما كان الدفع بقوة برية أمرا ضروريا لاجتثاث تنظيم الدولة من معاقله، فإن الدعم الجوي الإسرائيلي والمساعدات الأمريكية لن تكون كافية للقضاء على تنظيم ولاية سيناء، إذا لم تبدأ القوات المصرية بملاحقة المتمردين على الأرض.